في واشنطن والرياض، تتصاعد حركة الجهود المبذولة لإنهاء حرب اليمن. أما في الجبال الوعرة بهذا البلد المنكوب، فالقتال يتفاقم خاصة في معركة مأرب، وقد يؤدي إلى فشل جهود إحلال السلام في اليمن.
"لا يعنينا كل هذا الحديث عن السلام. نحن على استعداد تام للقتال حتى النهاية"، بهذه الكلمات علق عبدالرحمن أحمد، الجندي المقاتل في القوات الحكومية اليمنية التي تحاول صد محاولة الحوثيين السيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط، على جهود إحلال السلام في اليمن، حسبما ينقل عنه تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وأحمد يقاتل على خط المواجهة الأكثر تقلباً في الحرب التي تنشر الموت والمرض والجوع منذ ست سنوات، ويغذيها الخلاف المهيمن على الشرق الأوسط بين حليفة الولايات المتحدة السعودية وعدوتها إيران.
معركة مأرب اختبار حاسم أمام جهود إحلال السلام في اليمن
إدارة بايدن تريد إنهاء هذه الحرب، وهو إنجاز من شأنه أن يساعد في تخفيف نزاعها الأكبر مع إيران. والسعودية كذلك تريد إنهاء الحرب في ظل تعرضها لهجمات متنامية من الحوثيين على منشآتها النفطية على خلفية دورها العسكري الذي تعرض لانتقادات دولية. والحوثيون يستشعرون نوعاً مختلفاً من الإنجاز، جراء هذا الوضع.
فهم يرون أن مأرب، التي تقع على بعد 120 كيلومتراً شرق العاصمة اليمنية صنعاء، قد تصبح نقطة تحول في صراع متأزم إلى حد كبير. وفي حين تقصف صواريخ الحوثيين مدينتها الرئيسية، يقصف التحالف الذي تقوده السعودية مواقع الحوثيين في أماكن أخرى لتخفيف هذا الضغط.
والاستيلاء على مأرب، أحد مصادر الوقود الرئيسية المتصلة بخط أنابيب نفط يصل إلى ميناء الحديدة، له أن يمكّن الحوثيين من التقدم جنوباً والاقتراب من هدفهم الأكبر المتمثل في السيطرة على كامل البلاد. وهذا على أقل تقدير سيقوّي موقفهم في أي محادثات سلام مستقبلية.
وكان القيادي البارز في جماعة الحوثي محمد البخيتي قد قال إن الهجوم على مأرب "تنفيذ لإرادة الله وأوامره"، وإنها "بوابة للقدس"، حسب تعبيره.
استهانوا بالمبادرة السعودية
تعكس هذه المعركة الطريق المضني أمام جهود إحلال السلام في اليمن. وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد علق مبيعات الأسلحة الهجومية للسعودية، ورفع الحوثيين من قائمة الإرهاب لتسهيل دخول المساعدات، وأرسل مبعوثاً عرض خطة سلام. وقدم السعوديون في 22 مارس/آذار مقترح سلام مشابهاً.
ويتضمن المقترح السعودي وقف إطلاق نار بإشراف الأمم المتحدة، وترتيبات لتقاسم عائدات تجارة النفط في ميناء الحديدة الاستراتيجي، وإعادة فتح المطار الدولي في صنعاء، ثم محادثات سلام بوساطة الأمم المتحدة.
ولكن، لم يكن المسؤولون السعوديون قد انتهوا من مؤتمرهم الصحافي حين وصف مسؤول حوثي هذا الإعلان في تغريدة بأنه لا يقدم "جديداً".
وكثيراً ما طالب الحوثيون بتنازلات أحادية الجانب من التحالف، مثل هدنة ورفع حصار بحري تقول السعودية إنه غير موجود.
يريدون نقطة تفوق أخيرة قبل الجلوس للتفاوض
والحوثيون يرغبون في الفوز بنقطة تفوق عسكرية قبل المفاوضات في ظل تواتر جهود إحلال السلام في اليمن، بحسب مسؤول سعودي طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع، حسبما ورد في تقرير الوكالة الأمريكية.
وكان المبعوث الأمريكي الخاص تيموثي ليندركينغ قد قام بجولتين في الخليج منذ فبراير/شباط، ووعد الحوثيين بدور في يمن ديمقراطي كما تتصوره الأمم المتحدة.
وهذا العرض الذي قُدم للحوثيين يمثل تحولاً كبيراً في واشنطن، حيث فشل المشرعون وجماعات حقوق الإنسان لسنوات في وقف تسليم الأسلحة الأمريكية للجيش السعودي التي قالوا إنها استخدمت ضد المدنيين اليمنيين.
ولكن موقفهم أظهر التأثير الإيراني
وكان مراقبو الشأن اليمني يقللون في البداية من تأثير إيران الشيعية على الحوثيين. لكن دور طهران أصبح أكثر وضوحاً بعد نشرها أسلحة متطورة هناك، ومثلما أشارت لجنة تابعة للأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، لوحات إعلانية لقادة إيرانيين في صنعاء.
أصبح اليمن نقطة ضغط لصالح إيران في الأزمة النووية الإيرانية في ظل مساعي بايدن لإلغاء قرار آخر من قرارات ترامب واستعادة اتفاق 2015 الذي يهدف إلى كبح برنامج طهران النووي، حسب Bloomberg.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، حين كان بايدن يسعى للفوز بالبيت الأبيض ووعد بالعودة إلى المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية، عينت إيران سراً سفيراً لقيادة الحوثيين للمرة الأولى. وبعث وصول حسن إيرلو، الضابط البارز في الحرس الثوري الإيراني، رسالة جلية عن أهمية اليمن لطهران.
ويتكشف ذلك في مأرب. فبفِعل ضغط الحوثيين هناك، أعادت القوات الحكومية تنشيط ساحات القتال المتوقفة في تعز وحجة، في الغرب.
يقول عبدالرحمن أحمد، المقاتل في قوات الحكومة اليمنية، عبر الهاتف: "الناس هنا في مأرب يعرفون جيداً ما يعنيه الرضوخ للحوثيين. لن يستسلموا أبداً".
هل يقبل الحوثيون المبادرة السعودية أم يستغلونها؟
بينما يريد الحوثيون أكبر مكاسب ممكنة بما في ذلك إضعاف الحكومة الشرعية، فإن رعاتهم الإيرانيين قد يشجعونهم على رفض المبادرة السعودية، في مسعى لربط الملف اليمني بالملف الإيراني برمته.
وحتى لو قبل الحوثيون المبادرة، فإنهم كما فعلوا سابقاً مع مبادرات سابقة، قد يستغلونها لتحقيق مزيد من المكاسب.
فمن الواضح أن جهود إحلال السلام في اليمن أصبحت تتداخل بشكل أكبر مع الملف النووي الإيراني.
ويستثمر قادة طهران بقوة في الحرب في اليمن، من خلال المعرفة التقنية وتوفير الأسلحة على مدى سنوات الحرب الست، بجانب رأس المال السياسي عبر التحالف الوثيق بين إيران وميليشيات الحوثيين.
فمع استمرار الحرب جرى تصوير الحوثيين بأنهم قوات تمرد من السكان الأصليين قدموا من جبال اليمن، في مواجهة السعودية الغازية.
وفي ظل طبيعة التحالف بين إيران وميليشيات الحوثيين، وتعسر السعوديين وحلفائهم، فإن طهران هي أكبر مستفيد من الحرب، بالنظر لضآلة التكلفة التي تدفعها في مقابل الضغط الكبير لهذه الحرب على السعودية وعلى الدول الغربية الداعمة لها، خاصة من الجوانب الأخلاقية والمالية.
وفي ضوء العلاقة الحالية بين إيران وميليشيات الحوثيين، وفشل السعوديين في حسم الحرب بعد سبع سنوات من القتال، تعتقد طهران أنها تفوقت على السعودية والولايات المتحدة في هذا الملف، حسب وصف صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
ويوحي تلميح إيران بأن الرياض لا تستطيع تخليص نفسها الآن من اليمن كما ظهر من تغريدات للمرشد الإيراني على خامنئي نشرت بعد طرح المبادرة السعودية، أن طهران تريد الإبقاء على السعودية في اليمن، ومحاصرتها عبر استمرار اختبار طائراتها المسيرة وصواريخها على السعودية، وبالتالي فهي تضع العراقيل أمام جهود إحلال السلام في اليمن.
فالرسالة واضحة. تأمل إيران أن تثبت حرب الوكالة قدرتها على أن تكون حرباً فاصلة، وأنها قادرة حينئذ على استخدام نفس التكتيكات التي استخدمتها في اليمن ضد الولايات المتحدة في المنطقة، وضد حلفائها وشركائها، ومن بينهم إسرائيل.