"تكنولوجيا إسرائيل ستساعد مصر على حل أزمة المياه التي يسببها سد النهضة"، كان هذا ما فُهم من زيارة الوفد الإسرائيلي رفيع المستوى برئاسة وزير الاستخبارات إلى مصر مؤخراً.
باتت مصر -هبة النيل التي علّمت البشر الزراعة- تراهن على إسرائيل التي دخلت معها في أربع حروب، لمعالجة المشكلات المترتبة على بناء سد النهضة، وذلك يبدو سببه أن القاهرة استسلمت لفكرة أن إثيوبيا سوف تمضي قُدماً في الملء الثاني للسد دون اتفاق.
إسرائيل ستساعد مصر على حل أزمة المياه
وفي هذا، الإطار ذهبت السفيرة الإسرائيلية بالقاهرة أميرة أورون، برفقة المستشار السياسي للسفارة رسلان أبوركن، في جولة في مزارع شركة مافا، إحدى أكبر الشركات المصرية التي تزرع خضراوات وفواكه عالية الجودة.
وقالت أميرة أثناء جولتها يوم 14 مارس/آذار: "توجد فرصة كبيرة لزيادة التعاون بين مصر وإسرائيل في مجالي الزراعة والري".
ويُشار إلى أن مافا أورجانيك جزء من مجموعة مغربي الزراعية، التي تزرع منتجات عضوية وتصدرها إلى أكثر من 55 دولة حول العالم.
وتأتي جولة أميرة بعد زيارة مسؤولين إسرائيليين لمدينة شرم الشيخ المصرية في 9 مارس/آذار، التقوا خلالها بمسؤولين مصريين لبحث التعاون الاقتصادي بين البلدين في عدة مجالات، من بينها الزراعة والمياه، حسبما ورد في تقرير لموقع Al Monitor الأمريكي.
وقال وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي ترأس الوفد الإسرائيلي برفقة مديري بعض الشركات الإسرائيلية الكبرى في تغريدة: "نحن نصنع التاريخ ونحول العلاقات مع مصر إلى سلام دافئ".
وقال كوهين: "أنا فخور بتمثيل البلاد وقيادة وفد إسرائيلي رسمي إلى شرم الشيخ لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات. والتقيت خلال الزيارة بكبار المسؤولين الأمنيين المصريين لتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، وسنجني الثمار قريباً. هكذا يبدو السلام قوياً".
وعلق أوفير جندلمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على زيارة 10 مارس/آذار، قائلاً إنها أهم زيارة منذ 20 عاماً. وقال جندلمان في تغريدة على تويتر إن الوفد ناقش سبل توسيع التجارة بين البلدين في عدة مجالات منها الزراعة والمياه، مضيفاً أنه يتوقع وصول حجم التجارة إلى مليار دولار سنوياً.
على أن الزيارة الإسرائيلية أثارت العديد من التساؤلات حول التعاون المصري مع إسرائيل في مشاريع ري وزراعة، في ظل المخاوف المصرية من تأثير سد النهضة الإثيوبي على مجالي المياه والزراعة.
تكنولوجيا المياه أداة للتطبيع
وتعد تكنولوجيا توفير المياه إحدى النقاط التي حاول استخدامها لإظهار فوائد التطبيع العربي المتزايد مع إسرائيل، وفي هذا الإطار، ركزت الدعاية الإسرائيلية مؤخراً على "تكنولوجيا استخلاص الماء من الهواء" التي أعلن عن تزويد شركة إماراتية بها، علماً بأن هذه التكنولوجيا لا تقتصر على إسرائيل، وموجودة لدى العديد من الدول الأخرى.
وتقول وزارة الخارجية الإسرائيلية إن النشاط الإسرائيلي في مجال تحلية مياه البحر يشمل تصنيع أكبر محطة للتحلية في الصين وإنتاج محطات أصغر لجزر الكاريبي وتجهيز المياه للزراعة الإسرائيلية.
المفارقة أن إسرائيل كانت ستعتمد على شركة صينية لإنشاء محطة تحلية مياه ضخمة ثم أقصتها خوفاً من التجسس الصيني.
القاهرة تلمح إلى أن إسرائيل تحرض إثيوبيا
ولكن الغريب في الإعلان عن أن إسرائيل ستساعد مصر على حل أزمة المياه، وهي الأزمة المترتبة على سد النهضة، أن القاهرة تتهم بشكل غير رسمي إسرائيل بتحمل دور في تحريض إثيوبيا على التعنت في هذه الأزمة (الاتهام يخرج من وسائل الإعلام المصرية).
ومؤخراً، ألمح رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية عماد الدين حسين إلى دور إسرائيلي في تحريض إثيوبيا، موضحاً أن هذه السياسات والأفكار التي تحرض أديس أبابا على القاهرة مترسخة في الأوساط العلمية والسياسة الإسرائيلية.
وقبل ذلك، قال وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر الدين علام، إن إسرائيل تتلاعب بشكل خفي في أزمة سد النهضة، بمساندتها لإثيوبيا، من أجل التضييق على المصريين فى نهر النيل.
ولكن كل ذلك لم يمنع لجوء القاهرة إلى تل أبيب للتعاون في مجال تكنولوجيا المياه والزراعة.
مصر تحاول التعامل مع الأمر الواقع
يقول سمير غطاس، النائب البرلماني السابق والباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية ورئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، لموقع Al Monitor إن الحكومة المصرية بدأت في تغيير استراتيجيتها الداخلية للتعامل مع سياسة الأمر الواقع التي فرضتها إثيوبيا منذ تنفيذها المرحلة الأولى من ملء سد النهضة في يوليو/تموز عام 2020.
وأشار إلى أن القاهرة بدأت في دراسة طرق بديلة لتعويض حجم المياه المهدرة ومواجهة الكارثة المحتملة بإطلاق مشاريع جديدة.
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد التقى، في 23 يوليو/تموز، وزراء الري والإسكان والزراعة وأقر ميزانية أوّلية قدرها 4 مليارات جنيه مصري (254 مليون دولار) لمشروع تبطين القنوات الذي يهدف إلى توفير المياه.
وأشار إلى أنه سيجري إنشاء المزيد من محطات التحلية في المحافظات الساحلية، بالإضافة إلى محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي، مشدداً على ضرورة زيادة العقوبات على إهدار المياه وإقامة توصيلات مياه سرية.
وقال مدبولي إنه في ظل التحديات التي تهدد قطاع المياه، تعمل الحكومة جاهدة لتوفير كميات كبيرة من المياه المستهلكة يومياً.
وقال غطاس إن المرحلة الثانية من ملء سد النهضة، (المقرر بدؤها في يوليو/تموز سواء تم التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث أم لا)، ستكون كارثة، خاصة أن المياه التي سيجري تعبئتها في هذه المرحلة أكبر من حجم المياه في المرحلة الأولى، وهو ما سيكون له آثار سلبية مباشرة على مصر.
وأشار إلى أن القاهرة لذلك تكثف جهودها لتسريع مشروعات معالجة وتحلية المياه، خاصة أن إسرائيل من الدول الرائدة في تكنولوجيا تحليل مياه البحر وإعادة تدوير المياه. ولديها، فضلاً عن ذلك، خبرة في تنفيذ مشاريع تحلية مع دول أخرى، وهذا ما شجع مصر على التعاون معها في مجالات الزراعة والمياه.
وكانت إسرائيل قد أعلنت، في 13 يناير/كانون الثاني، أن شركة المياه الوطنية الإسرائيلية، "ميكوروت"، ستوقع اتفاقية مع البحرين في الأيام المقبلة لتزويدها بواحدة من أكثر معدات تحلية المياه تطوراً في العالم، وبالخبرة الإسرائيلية في تكنولوجيا تحلية المياه والري والزراعة وتطهير المياه.
وكان محمد نصر علام، وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، قد قال لموقع Al Monitor إن سعي الحكومة لإطلاق مشاريع جديدة أو الاستفادة من خبرات الدول في مجالي المياه والزراعة أمر حيوي وذو أهمية قصوى، في ضوء تزمُّت إثيوبيا ورفضها للوساطة الدولية، في الوقت الذي ترفض فيه تأجيل المرحلة الثانية من الملء إلى حين التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان.