لا يمكن لأي أحدٍ القول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخص خجول أو يخشى الكاميرات. لقد التقطت صور لبوتين وهو عاري الصدر، وعلى رأس حصانه، وأثناء ممارسته الصيد. كما أظهر صوراً عديدة لنفسه وهو يمارس الرياضة، من الهوكي إلى الجودو. إضافة إلى أن بوتين عاشق للحيوانات، وهو ما تُبينه صوره مع النمور والكلاب وحيوان الكوالا. ومع ذلك، فإن ثمة صورة واحدة رفض بوتين التقاطها لنفسه: صورته وهو يتلقى التطعيم ضد لقاح كورونا!
وأعلن الكرملين أن بوتين، البالغ من العمر 68 عاماً، تلقى يوم الثلاثاء 23 مارس/آذار، الجرعة الأولى من أحد لقاحات فيروس كورونا الثلاثة المصنوعة محلياً في البلاد. وقد كان عرض ذلك علناً فرصة سانحة لمحاولة تعزيز ثقة الروس المنخفضة بالتطعيم. وكان استطلاع للرأي أجراه مركز "ليفادا" Levada Center الروسي المستقل، الشهر الماضي، قد كشف أن 62% من المصوتين لم يبدوا رغبة في تلقي لقاح "سبوتنيك 5"، وهو أول لقاح روسي مضاد لفيروس كورونا يُعرض على الجمهور.
ومع ذلك، فإن السرية التي أحاطت بعملية تطعيم بوتين -والتي شملت عدم الكشف عن أي من اللقاحات الثلاثة قد تلقاه وعدم نشر صور أو مقاطع فيديو له وهو يتلقى اللقاح- ربما فاقمت تقويض حملة التطعيم المتأخرة بالفعل في روسيا، كما يقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
ما لغز عدم ظهور بوتين أثناء تلقيه اللقاح؟
من جانبه، عندما سُئل المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، عن سبب عدم تطعيم بوتين أمام الكاميرا، أجاب على نحو ملغز: "إنه لا يحب ذلك". ولم يخض بيسكوف في التفاصيل. لكنه أصدر في وقت لاحق، بياناً أشار فيه إلى أن بوتين على ما يرام، وأن "العمل سيكون بدوام كامل" يوم الأربعاء 24 مارس/آذار.
وفي وقت سابق، رفض بوتين الإجابة عن أسئلة تتعلق بموعد تلقّيه اللقاح رغم مرور أكثر من 6 أشهر على ظهور لقاح "سبوتنيك في" بالسوق الروسية.
على الجانب الآخر، يؤكد الصحفي الروسي أندريه زاخاروف، على موقع تويتر، أن بوتين لم يتلقَّ التطعيم بالفعل. وقال ساخراً: "التطعيم كان عبارة عن سُكر".
أما قادة العالم الآخرون، فقد سارعوا بالحصول على التطعيم وحرصوا على العلنية بشأنه، وشمّروا عن سواعدهم في بث مباشر؛ للمساعدة في طمأنة الجمهور بشأن سلامة اللقاحات.
الروس في حيرة من أمرهم
في المقابل، فإنَّ نهج بوتين فما يتعلق بتلقي اللقاح وراء الكواليس، ترك العديد من الروس في حيرة من أمرهم. وفي حين تنتشر مقاطع الفيديو والصور لبوتين وهو يقود سيارته في غابات سيبيريا أو خلال رحلاته التي أُعدت للاستهلاك العام، فإنه عندما يتعلق الأمر بالوباء، طلب بوتين من الروس الالتزام بالإجراءات الوقائية والتطعيم، لكنه لم يدعم هذه الدعوات بالعروض العامة أو الظهور علناً وهو يتلقى اللقاح.
إضافة إلى ذلك، لم يظهر بوتين قط وهو يرتدي قناعاً للوجه. كما أبدى الكرملين حساسية حيال التقارير عن عزل بوتين من العدوى المحتملة "في مخبأ".
كان استطلاع أجراه مركز "ليفادا" الروسي في فبراير/شباط، قد وجد أن 56% من المصوتين قالوا إنهم لا يخشون الإصابة بفيروس كورونا. وبعيداً عن القيود المفروضة على السفر الدولي، ليس هناك إلا قدر قليل جداً من الإجراءات المتعلقة بفيروس كورونا.
وقال ليف جودكوف، مدير مركز "ليفادا"، إن استعداد الناس لتلقي التطعيم قد انخفض بمقدار ثماني نقاط خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وأشار جودكوف إلى أنه "فيما يتعلق بالإحجام المتزايد عن التطعيم، فإنّ مرجعه غياب الثقة العام بالحكومة، خاصة في أوقات الحملات الدعائية مثل هذه الحملة"، مضيفاً أن انتظار بوتين الطويل قبل تلقي التطعيم، علاوة على عدد من التفاصيل المتفرقة، كان له تأثير في انصراف الناس عن تلقي اللقاح وتشجعيهم على رفضه.
حملات الترويج للقاح الروسي أتت بنتائج عكسية
وتقول "واشنطن بوست"، إن هذه ليست المرة الأولى التي قد تكون محاولات الحكومة الروسية فيها للترويج للتطعيم قد أتت بنتائج عكسية. فقد سبق أن أعلن بوتين الانتصار في سباق اللقاحات العالمي في أغسطس/آب، وصرح وقتها بأن اللقاح الروسي "سبوتنيك 5" سيكون أولَ لقاح مسجل في العالم.
على أثر ذلك، تعرضت عملية الطرح المتسارعة للقاح لانتقادات على نطاق واسع دولياً، وتشكيك من الداخل. وظل هذا التردد قائماً حتى بعد أن نشرت الدورية الطبية البريطانية The Lancet دراسةً في فبراير/شباط، وجدت فيها أن فاعلية اللقاح "سبوتنيك 5" تصل إلى 91.6% بناء على مزيد من البيانات التجريبية. وقال بوتين يوم الإثنين 22 مارس/آذار، إن 6.3 مليون شخص في روسيا تلقوا أول جرعة على الأقل من اللقاحات التي أنتجتها البلاد.
وبعيداً عن اللقاح "سبوتنيك 5″، سجلت روسيا لقاحين آخرين -أحدهما من إنتاج "مركز علم الفيروسات والتكنولوجيا الحيوية" (فيكتور-Vector) في سيبيريا، والآخر من مركز "تشوماكوف" Chumakov بموسكو، على الرغم من قلة البيانات المنشورة حول فاعليتهما.
وحول سبب عدم تحديد الكرملين علناً، أياً من اللقاحات الثلاثة اختاره بوتين، قال المتحدث باسم الكرملين، بيسكوف، إن هذا كان قراراً متعمداً، لأن "اللقاحات الروسية الثلاثة جميعها موثوقة تماماً". وقال بيسكوف يوم الأربعاء 24 مارس/آذار، إن اللقاح الذي تلقاه بوتين "معروف له وللطبيب الذي حقنه به فقط".
هل تضر هذه الحادثة بـ"دبلوماسية اللقاح الروسي"؟
وفي وقت سابق، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنه لم يتلقَّ بعدُ لقاح كورونا، خاصةً لقاح "سبوتنيك" الذي تنتجه موسكو، على الرغم من تفاخره أمام العالم بمدى فاعلية اللقاح الروسي الذي حصلت عليه دول عدة، إذ قال إنه "من الممكن" أن يحصل عليه في وقتٍ لاحق من العام الجاري، كما رفض بوتين الاقتراحات بتطعيمه فوراً، من أجل تشجيع العامة على أخذ اللقاح، قائلاً للصحفيين: "لا أرغب في فعل ذلك أمام الكاميرات مثل المهرجين".
وكان بوتين قد اعتمد دبلوماسية اللقاح؛ لكسب تأييد كثير من الدول للحصول على "سبوتنيك 5" منذ أن أعلنت موسكو أنه فعال ضد فيروس كورونا، مسجلةً بذلك نقاطاً جيوسياسية. ومع ذلك لا تزال عقبات الوفاء بوعود الإمداد بالجرعات المطلوبة وتبديد غيمة الشكوك حوله، بالنظر إلى عدم موافقة دول على استخدامه، تشكل تحدياً لموسكو.
وبينما حصلت سلوفاكيا على قرابة 200 ألف جرعة مع بداية شهر مارس/آذار 2021، رغم أن وكالة الأدوية الأوروبية لم تبدأ مراجعة استخدامها سوى الأسبوع الماضي في عملية سريعة، قال ميلوش زومان رئيس التشيك التي تضررت كثيراً من جرّاء الوباء، إنه كتب مباشرة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ للحصول على إمدادات من اللقاح.
ومن المتوقع أن تحصل دول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق والشرق الأوسط على ملايين الجرعات ضمن موجة من دبلوماسية اللقاحات الروسية.
وغطت القنوات التلفزيونية الروسية الحكومية، خلال الفترة الماضية، صادرات اللقاحات على نطاق واسع، مستشهدة بالثناء من الخارج على موسكو، وبثت مقاطع حول الصعوبات التي تواجهها البلدان من جرّاء اللقاحات الغربية.
وحتى الآن لم يكشف صندوق الاستثمار المباشر الروسي، الذي يمول اللقاح ويسوقه في الخارج، عدد الجرعات التي تذهب إلى بلدان أخرى، لكنه ذكر في وقت سابق، أنه تلقَّى طلبات من أكثر من 50 دولة للحصول على 2.4 مليار جرعة.
وتقدّر شركة التحليلات العلمية "آﻳﺮﻓﻴﻨﻴﺘﻲ" البريطانية أن روسيا وافقت على تصدير نحو 392 مليون جرعة إلى الخارج، وهناك محادثات مع دول حول ما لا يقل عن 356 مليون جرعة أخرى.