رغم أن النتائج الأولية للانتخابات الإسرائيلية التي عقدت للمرة الرابعة خلال عامين يوم الثلاثاء 23 مارس/آذار 2021، لم تظهر فائزاً واضحاً يستطيع تشكيل الحكومة القادمة، إلا أنها أظهرت انتصاراً كبيراً لحركات اليمين الإسرائيلي الدينية المتطرفة، والتي يشار لها حتى من قبل البعض في إسرائيل على أنها إرهابية.
وشارك الائتلاف الكهاني الذي يدعى "الصهيونية الدينية" لأول مرة في الانتخابات بدعم من نتنياهو، وتشير نتائج الاستطلاعات إلى حصول الحركة الكهانية على 6 إلى 7 مقاعد في الكنيست القادم، وهو ما يضمن لها حقائب وزارية في الائتلاف الحكومي الذي سيشكله بنيامين نتنياهو، بحسب وعوده السابقة لقادة الحركة المتطرفين. فماذا يعني ذلك؟
ما هي الحركة الكهانية ومن هم أبرز قادتها؟
يقول محللون إنه إذا ما تم تحالف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع نفتالي بينيت زعيم حزب "يمينا"، ومجموعة من القوميين المتطرفين الآخرين (الحركة الكهانية) فسيؤدي ذلك إلى واحدة من أكثر الحكومات يمينية وتطرفاً في تاريخ إسرائيل.
وتشير التوقعات إلى أن تحالف نتنياهو سيضم دون شك رموز الأحزاب الدينية الأرثوذكسية المتطرفة، أخطرها "الصهيونية الدينية"، وهو حزب يتسم قادته بالعنصرية والتطرف والإرهاب.
وأحد أبرز قادتها، إيتمار بن غفير، هو تلميذ الحاخام مئير كهانا، الذي صنفت الولايات المتحدة حزبه "كاخ" جماعة إرهابية بسبب عنصريته ضد العرب قبل اغتياله في نيويورك عام 1990.
وقبل دخوله ائتلاف "الصهيونية الدينية" لخوض الانتخابات، كان إيتمار بن غفير، يتزعم حركة "المنعة اليهودية" التي تدعو إلى طرد الفلسطينيين أو قتلهم لكونهم عرباً، كما أنه معجب بالإرهابي باروخ غولدشتين، الذي قتل 29 مصلياً وجرح العشرات وهم ركوع في صلاة الفجر في مجزرة المسجد الإبراهيمي في الخليل عام 1994، بل ويعلق صورته في مكتبه الخاص.
ويدعو بن غفير علناً إلى تدمير كل المساجد في الضفة الغربية وعلى رأسها المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
وسبق أن وجهت عشرات لوائح الاتهام ضد بن غفير خلال نشاطه السياسي المتطرف، وأدين عدة مرات بارتكاب جرائم جنائية، بما في ذلك إثارة أعمال الشغب والاعتداء على الشرطة والتحريض على العنصرية ودعم منظمات إرهابية.
في السياق، يترأس ائتلاف "الصهيونية الدينية" في الكنيست الجديد اليميني المتطرف "بتسلئيل سموتريتش" عضو مجالس المستوطنات الذي يؤيد طرد العرب بالكامل، والذي يرى أن "الجيش الإسرائيلي يجب أن يطلق النار على الشبان الفلسطينيين رداً على رشق الحجارة".
ويرى سموتريتش أنه "لا يمكن للشعب اليهودي أن يعيش جنباً إلى جنب بسلام مع الفلسطينيين"، وأنه "لا حل يصلح للفلسطينيين إلا القوة ويجب عدم التسامح معهم مطلقاً، واستخدام سياسة الردع بهدم المنازل وطرد العائلات التي تنتج الإرهابيين".
وفي عام 2005، تم القبض على سموتريتش من قبل الشاباك بتهمة التخطيط لهجوم إرهابي داخل إسرائيل، احتجاجاً على الانسحاب من غزة عام 2005، لكن في النهاية نجا من توجيه التهم له.
كما يضم ائتلاف "الصهيونية الدينية" أيضاً الحاخام المتطرف آفي ماعوز، الذي عمل منذ سنوات طويلة بكل قوة على الاستيلاء على أراضي وبيوت الفلسطينيين في القدس وما حولها، وإدارة نظام الاستيطان في الضفة، مستغلاً المناصب العليا التي حظي بها في وزارات الداخلية و البناء والإسكان.
وتقول صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن زعيم حزب "نوعم" آفي ماعوز يعادي بقوة "المثلية الجنسية" في إسرائيل ويراها أنها "كالانتحاريين الفلسطينيين الذين يريدون تدمير إسرائيل". وتقول الصحيفة إن ماعوز سيشكل تحدياً للدولة، التي تعمل بشكل نشط على تصوير نفسها بأنها "واحة صديقة للمثليين في الشرق الأوسط".
"داعش إسرائيل".. ماذا يعني وصول الحركة الكهانية للسلطة؟
يحذر د.صالح النعامي، الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية من "اندماج التيار الكهاني في نظام الحكم الصهيوني لأول مرة، بغض النظر إن كان سيشارك في الحكومة أم لا، وهو التيار الذي وضع مخططات لطرد الفلسطينيين، ويدعو لتدمير الأقصى ويدافع عن قتل العرب لكونهم عرباً، ويجاهر بحماسه لإحراق الكنائس".
وفي تغريدة على تويتر، علق النعامي على الفوز الكبير لليمين المتطرف في إسرائيل بالقول: "دلالة أن تصبح الحركة الكهانية ضمن النظام الصهيوني أكبر وأعمق بكثير من السماح لداعش بالتنافس في الانتخابات والتمثيل في البرلمانات العربية والإسلامية، فهذه الحركة تجاهر بالدعوة إلى تدمير الأقصى وطرد الفلسطينيين وتسويغ قتل العرب لكونهم عرباً".
وبحسب النعامي فإن "الانتخابات الصهيونية التي انتهت بفوز نتنياهو ومشاركة الحركة الكهانية في الحكومة القادمة ستكون لها تأثيرات هائلة على الصراع والبيئة الإقليمية".
في السياق، يقول جدعون ليفي، أحد أشهر الصحافيين الإسرائيليين المنتقدين للاحتلال: "إن ائتلاف (الصهيونية الدينية) التي يتم تعريفها الآن في أوروبا دون تردد على أنه (حزب نازي جديد اخترق الكنيست)، لا توجد طريقة لتعريفه إلا بذلك الوصف".
مضيفاً في مقالة منشورة له بصحيفة "هآرتس" الخميس 25 مارس/آذار، أنه "لم يكن أي بلد في أوروبا يجرؤ على إلحاق مثل هذا الحزب بحكومته. في أوروبا، يستحيل أن تمر مثل هذه الفاشية. لكن في إسرائيل، ها هو الائتلاف المتطرف يتجهز لدخول الحكومة المقبلة".
من جانبه، علق ريتشارد سيلفرشتاين، الباحث والصحفي اليهودي الأمريكي، وصاحب مدونة Tikun Olam "المكرسة لفضح تجاوزات دولة الأمن القومي الإسرائيلي"، على فوز "الصهيونية الدينية" بالقول، إن أكبر الفائزين في الانتخابات الإسرائيلية هو ائتلاف "الصهيونية الدينية" المكون من تحالف لبعض العناصر الكهانية الأكثر تطرفاً في السياسة الإسرائيلية. مضيفاً أن قادة الحركة المتطرفين هؤلاء سيعملون بجد على مساومة نتنياهو للحصول على الحقائب الوزارية والامتيازات الأخرى مقابل دعمهم لائتلافه الحكومي.
ويقول سيلفرشتاين في مقالة نشرت بموقع MEE البريطاني، إن "خطورة وصول هذه الحركة لمقاليد الحكم في إسرائيل أمر غير مسبوق، حيث إنه لم يروج أي زعيم إسرائيلي على الإطلاق لحزب كهاني بشكل صريح كما فعل نتنياهو، ناهيك عن ضمّه إلى الائتلاف الحاكم، مما يعني تمثيل مصالح جمهور المستوطنين، الأمر الذي سيوفر وصولاً كهانياً متطرفاً غير مسبوق إلى البروتوكولات والسلطة الإسرائيلية".
ويستشهد الكاتب بأنه في عام 1988، كان حزب "كاخ" الذي أسسه الحاخام مئير كهانا -مُعلّم بن غفير الذي فاز بالانتخابات الآن- خارج التيار الرئيسي للدولة تماماً، لدرجة أن الحكومة حظرته، وأعلنت كل من إسرائيل والولايات المتحدة أن كاخ منظمة إرهابية.
كيف سيؤثر وصول "الكهانيين" للسلطة على العلاقات الخارجية لإسرائيل وخصيصاً مع أمريكا؟
يقول سيلفرشتاين، إن "هناك طريقة واحدة قوية يمكن للعالم من خلالها الرد على مغازلة نتنياهو لمؤيدي الإرهاب اليهودي، يمكن للحكومة الأمريكية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أن تعلن أن هذه الحكومة غير مرغوب فيها ، وأن ترفض التعامل معها، سيكون ذلك الأمر (نسخة دبلوماسية) لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات على إسرائيل (BDS)".
"كما يمكن لقادة يهود الشتات أن يعلنوا أن نتنياهو قد ذهب بعيداً جداً، ويرفضون جمع الأموال لإسرائيل أو حضور اجتماعات مع المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين".
ويرى سيلفرشتاين في مقالته أن "الضغط الدولي قد ينجح في إحباط وصول هؤلاء إلى الحكم. وأن مثل هذا الضغط سيعمل على تعديل السلوك الإسرائيلي". وأنه يمكن لـ"الجبهة الموحدة من الحكومات الديمقراطية الغربية والزعماء اليهود في الشتات، يمكن أن يقدموا بياناً قوياً يحدد الخط الأحمر الذي تجاوزته إسرائيل".
لكن مع ذلك، يقول الكاتب "إن احتمال حدوث ذلك يكاد يكون معدومًا، لأن إسرائيل متحدة في تصميمها على انتهاج سياسات التطرف والفصل العنصري.. العالم ليس موحدًا في معارضتها، العالم يقف متردداً بينما تحترق روما".