أظهرت النتائج الأولية للانتخابات الإسرائيلية، الأربعاء 24 مارس/آذار 2021، حصول "القائمة العربية الموحدة" المنشقة عن "القائمة المشتركة للأحزاب والأطر العربية في إسرائيل"، بقيادة الإسلامي منصور عباس، على خمسة مقاعد في الكنيست الإسرائيلي، ما يعزز فرصه للعب دور "صانع الملوك". فهل يحدد حزب إسلامي صغير في الكنيست شكل الحكومة الإسرائيلية المقبلة؟
من هو منصور عباس وما حزبه الإسلامي الذي نجح في دخول الكنيست؟
قبل عامين فقط، كان القيادي منصور عباس سياسياً مبتدئاً وطبيب أسنان ذا خلفية إسلامية، يلتمس سبيلاً لنفسه في غمار انتخابات الكنيست الإسرائيلي المليئة بالصراعات. أما الآن، وبعد 4 انتخابات لم تُسفر عن استقرار أو اختيار حاسم لرئيس الوزراء فقد بات عباس أحد المخضرمين في حالة الفوضى السياسية التي اجتاحت البلاد، وهو يسعى في خضمها إلى خلق فرصة لحزبه (الحركة الإسلامية الجنوبية)، المنضوية تحت "القائمة المشتركة" العربية التي يتزعمها عباس، لامتلاك نفوذ في الكنيست مع انهيار التحالفات التقليدية.
وكانت "القائمة المشتركة" التي أظهرت استطلاعات الرأي حصولها على ما بين ثمانية وتسعة مقاعد في الانتخابات الحالية، قد أعلنت الشهر الماضي خوضها انتخابات الكنيست الإسرائيلي دون "الحركة الإسلامية الجنوبية" بعد انشقاق الأخيرة.
وترفض القائمة المشتركة التعامل مع نتنياهو، في حين بات عباس يتبنى نهجاً جديداً قريباً من رئيس الوزراء. وقد امتنع عن التصويت لحلّ البرلمان في ديسمبر/كانون الأول، في خطوة فُسّرت على أنّها إشارة دعم لنتنياهو. وقال عباس لوسائل إعلام إسرائيلية الأربعاء إن حزبه ليس ملتزماً "بأي كتلة وأي مرشح".
وتعتبر "الحركة الإسلامية الجنوبية" نفسها حركة دينية سياسية، وهي التي انشقت عام 1995 عن الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل -المحظورة الآن- التي يقودها الشيخ رائد صلاح.
وترى الحركة الإسلامية الجنوبية -التي يحظى فيها عباس بمنصب نائب الرئيس- في الكنيست "أداةً واقعيّةً وإضافيّةً لخدمة المجتمع الفلسطيني في الداخل، بعد اتفاق أوسلو ويجب الانخراط فيه"، وذلك على عكس حركة رائد صلاح "الحركة الشماليّة"، التي ترفض أن يكون الكنيست منصةَ ممارسةٍ سياسية للفلسطينيين داخل أراضي الـ48.
والآن، يبدو أن عباس يريد المناورة بالمقاعد التي حصل عليها، بإثبات أن حزبه "الإسلامي العربي"، لا يمكن تجاهله في انتخابات ومستقبل "الدولة اليهودية" كما يراها اليمين الإسرائيلي.
كيف يمكن أن يلعب عباس دور "صانع الملوك" في إسرائيل؟
يقول تقرير سابق لصحيفة Financial Times البريطانية، إن جولات الانتخابات المتتالية كانت قد أعادت تشكيل المشهد السياسي الإسرائيلي، وصنعت على نحو غير متوقع مساحةً لعباس لكي يكون له نوعٌ من النفوذ.
فقد انهار حزب أزرق أبيض، وهو تحالف لقوى يمين الوسط بلغت شعبيته لفترة وجيزة شعبيةَ حزب الليكود الحاكم، وتحطمت قوى اليسار، وانقسمت قوى اليمين على نفسها مع ظهور منافسين لدودين لتحدي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
من ثم، وفي خضم حالة التشويش التي تعيشها كل القوى، باستثناء نتنياهو، يمكن لعباس الذي يمتلك حزبه عدداً قليلاً من المقاعد في البرلمان المؤلف من 120 مقعداً، أن يصبح "صانع ملوك" بحسب وصف فاينانشيال تايمز، أو على الأقل يكون طرفاً يتمتع بنفوذٍ قوي على الحسم بين أولئك الذين يريدون نتنياهو رئيساً للوزراء، وأولئك الذين تعهدوا بإخراجه من السلطة وإعادته نائباً في الكنيست لكي يواجه التهم الموجهة إليه بالفساد.
وكان منصور عباس قد قال في وقت سابق إن حركته تريد من الأحزاب العربية أن تحدّد "مع أي من رؤساء الأحزاب اليهودية الأخرى هل هي مستعدة أن تتعامل كبديل لنتنياهو من أجل تحصيل مطالب المجتمع العربي وحل مشكلاته".
وخلال الانتخابات السابقة، حصلت القائمة المشتركة للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية منذ 1949 على 15 مقعداً. بينما لن يتعدّى عدد مقاعدها في الكنيست القادم ثمانية او تسعة، بحسب النتائج الأولية.
ومن أسباب التوتر بين عباس والقائمة العربية المشتركة، إشادة عباس خلال ترؤسه اللجنة الخاصة للقضاء على الجريمة في المجتمع العربي، بمجهود رجال الشرطة الإسرائيليين، ما أغضب أعضاء الكنيست في القائمة المشتركة.
وكان عباس ربط تراجعه عن موقفه بالانشقاق عن القائمة المشتركة، بتقديمها ضمانات بعدم التصويت على قوانين تخالف عقيدة المجتمع العربي المحافظ، وعلى رأسها "قانون دعم الشذوذ"، على حد قوله، في إشارة إلى مشروع قانون تم التصويت عليه في الكنيست في 2019، يحظر إجراء "عمليات تحويل" للقاصرين الذين تظهر لديهم ميول جنسية مثلية. يومها، صوّت ثلاثة أعضاء من القائمة المشتركة لصالح مشروع القانون، فيما عارضه نواب الحركة الإسلامية.
ويقدّر عدد عرب الـ48 بمليون و400 ألف نسمة ينحدرون من 160 ألف فلسطيني ظلوا في أراضيهم بعد إنشاء كيان دولة إسرائيل عام 1948. ويشكلون 17,5% من السكان، ويعانون من التمييز العنصري ضدهم خصوصاً في مجالي الوظائف والإسكان.
"لا نريد أن نبقى على الهامش".. هل يتحالف عباس مع نتنياهو؟
من جانبه، قال عباس البالغ من العمر 46 عاماً في مقابلةٍ أُجريت معه الشهر الماضي في مكتبه الواقع في شمال فلسطين المحتلة: "لا نريد (السكان العرب) البقاء على هامش الهوامش". ودفاعاً عن وجهة نظره قال: "هذا التحفّز الشخصي ضد نتنياهو، أو لصالحه، هو لعبة محصلتها صفر، لكني إذا انخرطت ببساطة في مسألة السياسات يمكن لي أن أحدث تغييراً".
ويرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية المشارك في جامعة تل أبيب أمل جمال أن "لا خطوط حمراء عند منصور عباس في الساحة الإسرائيلية". ويقول جمال لفرانس برس، إن عباس سيحاول "مغازلة جميع الأطراف"، مضيفاً أن "اللعبة تتطلب البراغماتية وإتقان لعبة الأرقام"، حسب تعبيره.
وعما إذا كان نتنياهو سيطلب دعم عباس لتشكيل ائتلاف حكومي، يقول المحلل السياسي إن رئيس الوزراء سيقدم على ذلك "كورقة أخيرة". ويضيف: "لكن المسؤولية الوطنية القومية (في إسرائيل) تتطلب من بعض الأحزاب الصهيونية التنازل عن مواقفها والانضمام إلى حكومة نتنياهو حتى لا تعتمد على العرب أو من تطلق عليهم اسم داعمي الإرهاب".
ومن الأحزاب الأخرى التي يمكن أن تلعب دوراً في ترجيح الكفة في الكنيست لصالح نتنياهو أو ضده، حزب "يمينا" المتشدد، برئاسة نفتالي بينيت، الذي سيحصل على ما يبدو على ما بين سبعة الى ثمانية مقاعد، وهو يشارك نتنياهو في العقيدة، لكنه ينتقد إدارته للبلاد، فيما سيضم تحالف نتنياهو أحزاباً يمينية دينية أخرى متطرفة تؤمن بقتل العرب وهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه.