تسبب جنوح سفينة حاويات عملاقة في تعطل الملاحة في قناة السويس، مما أثار مخاوف من تأثير الحادث على حركة الملاحة العالمية، فلماذا تمثل قناة السويس تلك الأهمية لحركة التجارة الدولية؟ وما سبب تعطل تلك الناقلة العملاقة؟
متى جنحت السفينة العملاقة؟
وقع حادث جنوح السفينة شمال ميناء السويس في ساعة مبكرة من صباح أمس الثلاثاء 23 مارس/آذار، وأظهرت مواقع دولية متخصصة في تتبع السفن جنوح ناقلة الحاويات العملاقة في قناة السويس أثناء محاولة الدوران، مما أدى إلى إغلاق الممر المائي الذي يربط البحرين الأبيض والأحمر، ويعد الشريان الرئيسي لحركة التجارة في العالم ويعد أقصر طريق تجاري يربط بين آسيا وأوروبا، بشكل مؤقت.
وصباح اليوم الأربعاء 24 مارس/آذار، نشر الموقع الرسمي لهيئة قناة السويس المصرية بياناً قال فيه إن "وحدات الإنقاذ وقاطرات الهيئة تواصل جهودها لإنقاذ وتعويم سفينة الحاويات البنمية العملاقة EVER GIVEN والتي جنحت بالكيلومتر ١٥١ ترقيم القناة، خلال عبورها لقناة السويس ضمن قافلة الجنوب في رحلتها القادمة من الصين والمتجهة إلى روتردام"، ووجّه الفريق أسامة ربيع رئيس الهيئة رسالة طمأنة بشأن حركة الملاحة بالقناة "وانتظامها مرة أخرى من خلال مجرى القناة الأصلية".
السفينة الجانحة يطلق عليها اسم إيفرغيفن، وهي ترفع علَم بنما وتديرها شركة ملاحة تايوانية اسمها إيفرغرين EVER GREEN، ويبلغ طولها ٤٠٠ متر وعرضها ٥٩ متراً وتبلغ حمولتها الإجمالية ٢٢٤ ألف طن.
ما سبب جنوح السفينة؟
يعود جنوح السفينة العملاقة بشكل أساسي إلى انعدام الرؤية الناتجة عن سوء الأحوال الجوية نظراً لمرور مصر بعاصفة ترابية بلغت معها سرعة الرياح 40 عقدة، مما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة ومن ثم جنوحها، بحسب بيان هيئة قناة السويس.
وقالت الشركة التايوانية التي تدير السفينة إن صاحب إيفرغيفن أبلغ الشركة أن "رياحاً قوية مفاجئة تسببت في خروج السفينة عن مسارها والارتطام بالقاع ومن ثم الجنوح"، وقالت شركة BSM المسؤولة عن طاقم السفينة والمسائل الفنية بها إن جميع أفراد الطاقم بخير ولا توجد تقارير عن إصابات أو تلوث، بحسب تقرير لرويترز.
وجاء في بيان أرسلته BSM لرويترز أن "جميع الأطراف المعنية تجري حالياً التحقيقات حول سبب جنوح السفينة، وليس من الصواب نشر تكهنات حول سبب بعينه قبل انتهاء التحقيق".
هل لا تزال الملاحة معطلة في قناة السويس؟
كانت صور السفينة الجانحة قد ظهرت أولاً على موقع إنستغرام أمس الثلاثاء، وقيل إن من التقطها شخص على متن سفينة شحن أخرى تسمى "ميرسك دنفر"، كانت تسير خلفه إيفرغيفن مباشرة، تُظهر السفينة الجانحة ويبدو أن بجوارها حفاراً صغيراً يزيل التربة على طول الضفة، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وفي هذا السياق، قال بيان هيئة قناة السويس الصادر اليوم إنه تم تشكيل لجنة لإدارة الأزمات بقيادة رئيس الهيئة فور وقوع الحادث، مضيفاً أن عمليات الإنقاذ تتم من خلال إدارة التحركات بالهيئة وبواسطة ٨ قاطرات أبرزها القاطرة بركة ١ بقوة شد ١٦٠ طناً، حيث يتم الدفع من جانبي السفينة وتخفيف حمولة مياه الاتزان لتعويم السفينة واستئناف حركة الملاحة بالقناة.
وفيما يتعلق بانتظام الملاحة في قناة السويس، لا تزال الصورة غير واضحة؛ حيث أشار بيان الهيئة إلى أن حركة الملاحة عادت للانتظام من خلال مجرى القناة الأصلية، ونقلت BBC عن مصدرين كبيرين بقطاع الملاحة أن هيئة قناة السويس بمصر قررت بالفعل تعديل نظام عبور السفن، ليصبح في الاتجاهين في القناة القديمة.
وكانت الصور المأخوذة من سفينة أخرى في القناة، قد أظهرت أن السفينة الجانحة قد استقرت بزاوية أغلقت الممر المائي، وتبين أن الحفارات التي أرسلتها سلطات القناة المصرية لمحاولة تحرير السفينة، صغيرة جداً وغير مناسبة، فيما ذكرت وكالة بلومبرغ أن أكثر من 100 سفينة كانت تنتظر بعد الحادث لتتمكن من المرور عبر قناة السويس.
ويرى بعض الخبراء أن أحد أسباب جنوح السفن في الممرات المائية ومنها قناة السويس يرجع إلى زيادة حجم سفن الشحن بصورة لافتة في السنوات الأخيرة، لدرجة أن بعض الناقلات العملاقة قد تواجه مشاكل مشابهة حتى في قناة بنما التي تعتبر في منافسة مستمرة مع قناة السويس.
"تمر نحو 50 سفينة يومياً من قناة السويس، وبالتالي فإن تأثير جنوح سفينة واحدة قد لا يكون ملموساً (على حركة التجارة بشكل عام) إلا إذا استغرقت عملية تعويم السفينة أسابيع مثلاً، وهذا أمر غير مرجح، بل يجب أن تنتهي عملية تعويم السفينة خلال يومين على أقصى تقدير"، بحسب فلافيو ماكاو، المحاضر الكبير في إدارة سلاسل الإمداد في جامعة إديث كوان غرب أستراليا، لصحيفة الغارديان البريطانية.
ماذا تمثل قناة السويس للعالم؟
الاهتمام العالمي بجنوح السفينة العملاقة والتوقف المؤقت للملاحة في قناة السويس أمر طبيعي في ظل ما تمثله القناة من أهمية بالغة لحركة التجارة العالمية، إذ يمر عبرها أكثر من 12% من حركة النقل البحري العالمية، خصوصاً في ظل التعافي المتسارع للتبادل التجاري بين أوروبا وآسيا مرة أخرى منذ رأس السنة الصينية بعد أن تسبب وباء كورونا في تعطيل حركة نقل البضائع حول العالم وتباطئها بشكل لافت خلال العام الماضي، بحسب تقرير لرويترز.
لذلك يخشى الجميع من أن يتسبب تعطيل الملاحة عبر قناة السويس في إعادة توجيه الناقلات والسفن القادمة من آسيا للدوران حول قارة إفريقيا من خلال طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما يعني زيادة وقت الرحلات وتكلفتها بصورة كبيرة، بحسب ما قاله هاو جاو خبير الملاحة لرويترز، مضيفاً أن 30% من سفن نقل الحاويات عالمياً تمر عبر قناة السويس.
والأمر لا يتوقف عند السفن العملاقة التي تنقل حاويات البضائع، إذ أفادت مصادر لرويترز بأن استمرار جنوح السفينة البنمية في قناة السويس قد يؤثر على إمدادات النفط والغاز أيضاً، واليوم الأربعاء كانت خمس ناقلات محملة بالغاز الطبيعي المسال غير قادرة على العبور من القناة بسبب السفينة الجانحة، بحسب بيانات شركة كيبلر الاستخباراتية، 3 من تلك الناقلات في طريقها إلى آسيا واثنتان في طريقها إلى أوروبا، بحسب ريبيكا شيا المحللة في شركة كيبلر، التي أضافت لرويترز أن جنوح السفينة لو استمر حتى نهاية الأسبوع الجاري سيتسبب ذلك في تأخير 15 ناقلة تحمل الغاز الطبيعي عن الوصول لوجهتها النهائية.
ماذا تعني قناة السويس لمصر؟
ولا تمثل قناة السويس شرياناً حيوياً لحركة التجارة العالمية وحسب، إذ إنها تمثل أهمية خاصة لمصر ليس فقط من الناحية الاستراتيجية ولكن من الناحية الاقتصادية أيضاً، حيث تمثل مصدراً أساسياً من مصادر العملة الأجنبية للبلاد.
وكان دخل مصر من قناة السويس يبلغ في المتوسط 5 مليارات دولار سنوياً منذ عام 2008، بحسب البيانات الرسمية لهيئة قناة السويس، وفي عام 2014 أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي عن مشروع حفر تفريعة جديدة لقناة السويس أطلق عليها "قناة السويس الجديدة"، شمل المشروع توسعة وتعميق القناة الأصلية وحفر تفريعة موازية بطول 35 كلم.
وتكلف المشروع الذي تم إنجازه خلال عام وافتتح في أغسطس 2015 نحو 8 مليارات دولار أمريكي، وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن الهدف منه مضاعفة عدد السفن التي تعبر قناة السويس يومياً من متوسط 50 سفينة ليصبح المتوسط 97 سفينة، مضيفاً أن دخل قناة السويس سيصل إلى 13.4 مليار دولار عام 2023، بحسب تقرير لصحيفة المونيتور.
لكن البيانات السنوية التي تصدرها هيئة قناة السويس تشير إلى أن ذلك الهدف لا يزال بعيداً تماماً عن الواقع، فإيرادات القناة عام 2014 بلغت 5.5 مليار دولار بارتفاع قدره 6.75% عن إيرادات عام 2013 التي بلغت 5.1% دولار.
وبعد افتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس عام 2015، بلغت الإيرادات في نفس العام 5.2 مليار دولار، بينما انخفضت الإيرادات عام 2016 إلى 5 مليارات دولار، وفي عام 2017 حققت القناة إيرادات قياسية بلغت 5.6 مليار دولار، وارتفعت إيرادات عام 2018 إلى 5.7 مليار دولار ثم 5.8 مليار دولار عام 2019، والعام الماضي حققت قناة السويس إيرادات بلغت 5.6 مليار دولار.
وأظهرت المواقع المتخصصة في تتبع حركة الملاحة البحرية حول العالم أن مكان السفينة الجانحة يقع بعد مدخل قناة السويس الجنوبي بمسافة قصيرة، وليس عند الفرعين القديم أو الجديد اللذين يقعان في منتصف القناة.