قطار سد “النهضة” إلى محطته الأخيرة.. أبرز محطات “التلاعب” الإثيوبي، وماذا تبقى لمصر والسودان؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/22 الساعة 11:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/01 الساعة 11:14 بتوقيت غرينتش
ماذا تبقى لمصر والسودان لمنع كارثة سد النهضة؟/ رويترز

وسط احتفالات إثيوبيا بالذكرى العاشرة لبدء مشروع سد النهضة وإصرارها على الملء الثاني للسد في يوليو/تموز المقبل، هذه أبرز محطات السد ومحطات التفاوض والخلاف مع مصر والسودان دولتي المصب.

ترجع أزمة سد النهضة إلى عقود، حيث كانت إثيوبيا تقول إنها تريد بناء سد لتوليد الطاقة الكهربائية التي تحتاجها بشدة وأيضاً لتحقيق التنمية الاقتصادية لشعبها، لكن تخشى مصر والسودان دولتا المصب من تأثر حصتهما المائية من نهر النيل والتي تمثل قضية حياة أو موت بالنسبة للدولتين.

سد النهضة / عربي بوست

ومنذ دشنت إثيوبيا مشروع السد قبل عشر سنوات، شهد الملف محطات بارزة عنوانها التفاوض للوصول إلى اتفاق يراعي حاجة أديس أبابا للتنمية دون التأثير على حصة مصر والسودان في المياه التي تمثل شريان الحياة لشعبيهما، لكن المحطات الأخطر في ذلك الملف شهدها العامان الماضيان، مع اقتراب عملية بناء السد العملاق والانتهاء من الملء الأول للسد الذي أصبح أمراً واقعاً، ونستعرض في هذا التقرير أبرز محطات السد في عشر سنوات.

محطات ما قبل إعلان المبادئ

المحطة الأولى في مشروع السد الإثيوبي على النيل الأزرق الذي يمثل الرافد الرئيسي لنهر النيل جاءت في إبريل/نيسان 2011، حينما أعلنت أديس أبابا عن تدشين المشروع الضخم باسم "سد النهضة" بغرض توليد الطاقة الكهرومائية، وبذلك تحل الذكرى العاشرة لبداية المشروع الذي يمثل تهديداً وجودياً لمصر والسودان في الشهر المقبل.

وفي مايو/أيار 2011، أصدرت أديس أبابا تعهدات علنية بأنها ستقوم بإطلاع مصر على مخططات تشييد السد، لدراسة مدى تأثيره على دولتي المصب، مصر والسودان، وعلى إثر ذلك جرت زيارات متبادلة بين رئيسي وزراء البلدين للتباحث حول ملف السد.

وفي سبتمبر/أيلول 2011 أعلنت أديس أبابا والقاهرة عن اتفاقهما على تشكيل لجنة دولية لدراسة آثار بناء السد على دولتي المصب، وبدأت اللجنة الدولية عملها بفحص الدراسات الإثيوبية الهندسية، وتأثير بناء السد على الحصة المائية لمصر والسودان وذلك في مايو/أيار 2012.

بحضور أمريكي ودولي.. وزراء إثيوبيا ومصر والسودان يبحثون ملء سد النهضة
وزير المياه والري المصري، محمد عبدالعاطي/الأناضول

ومنذ البداية يدرك المصريون مدى خطورة السد الإثيوبي على بلادهم، حيث تعتمد مصر على مياه نهر النيل بنسبة تتخطى 90%، وتبلغ حصتها من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وهذه الحصة ثابتة منذ توقيع اتفاقية توزيع مياه النيل بين مصر والسودان عام 1959، وكان عدد سكان مصر وقتها تقريباً 25 مليون نسمة فقط، والآن يبلغ تعداد السكان أكثر من 105 ملايين وهو ما يعني أن مصر تواجه بالفعل فقراً مائياً.

وفي يونيو/حزيران 2013، أصدرت لجنة الخبراء الدوليين تقريرها الذي نص على ضرورة إجراء مزيد من الدراسات لتقييم آثار السد على دولتي المصب مصر والسودان، لكن المفاوضات وقتها تجمدت لمدة عام، تأثراً بالمتغيرات السياسية التي شهدتها مصر عقب أحداث 30 يونيو/حزيران.

استئناف مفاوضات سد النهضة

وفي أغسطس/آب 2014، بعد تولي الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي الرئاسة، اتفقت السلطات المصرية والإثيوبية على تنفيذ توصيات اللجنة الدولية من خلال مكتب استشاري عالمي، وفي سبتمبر/أيلول 2014 تم عقد أول اجتماع للجنة ثلاثية تضم مصر وإثيوبيا والسودان، للتباحث حول صياغة الشروط والقواعد الإجرائية للجنة الفنية المعنية بدراسة آثار السد.

وتم الاتفاق في أكتوبر/تشرين الأول 2014 بين الدول الثلاث (إثيوبيا ومصر والسودان) على اختيار مكتبين استشاريين، أحدهما هولندي والثاني فرنسي، لإعداد الدراسات المطلوبة بشأن السد.

وفي مارس/آذار 2015، وقع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره السوداني آنذاك عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا حينها هايلى ديسالين في الخرطوم على وثيقة باسم "إعلان مبادئ سد النهضة"، تضم 10 مبادئ منبثقة عن قواعد القانون الدولي للتعامل مع الأنهار الدولية.

السيسي والبشير ورئيس وزراء إثيوبيا السابق احتفالا بتوقيع إعلان المبادئ الذي تتمسك به أديس أبابا الآن

وهذه المحطة تحديداً تمثل نقطة تحول فاصلة في تعامل إثيوبيا مع عملية تشييد السد، إذ إنها كانت تشهد تعثراً واضحاً ولم يكن قد تم تشييد سوى نحو 30% من السد الذي كان يفترض، طبقاً للخطط الإثيوبية أن يكتمل بناؤه خلال أربع سنوات فقط.

وهذا ما عبر عنه الدكتور أحمد المفتي، عضو اللجنة الدولية لسد النهضة الإثيوبي وخبير القانون الدولي، بعد أيام من توقيع اتفاق المبادئ في الخرطوم، بقوله في حوار مع صحيفة المصري اليوم (مصرية مستقلة) إن الاتفاق قد أدى "لتقنين أوضاع سد النهضة، وحوّله من سد غير مشروع دولياً إلى مشروع قانونياً".

المفتي، وهو المستشار القانوني السابق لوزير الري المصري، أضاف أن الاتفاق ساهم في تقوية الموقف الإثيوبي في المفاوضات الثلاثية، ولا يعطي مصر والسودان نقطة مياه واحدة، وأضعف الاتفاقيات التاريخية، موضحاً أنه تمت إعادة صياغة اتفاق المبادئ بما يحقق المصالح الإثيوبية فقط، وحذف الأمن المائي، ما يعني ضعفاً قانونياً للمفاوض المصري والسوداني.

وتابع المفتي وقتها: "المشروع الإثيوبي كشف عن تقصيرٍ مصري سوداني 100%، لأن البلدين تجاهَلَا أن أساس أي مشروع مائي على الأنهار الدولية المشتركة، يعتمد على المدخل القانوني، وتقدير الوزن القانوني قبل الشروع في تنفيذ المشروع".

محطات ما بعد اتفاق المبادئ

وفي يوليو/تموز 2015، انعقدت في الخرطوم جولة اجتماعات للجنة الفنية المنبثقة عن اتفاق المبادئ وأصدرت بياناً يتضمن قواعد ومبادئ عمل المكتبين الاستشاريين الدوليين، وتم الاتفاق على أن يقدم المكتبان تقريرهما في أغسطس/آب من نفس العام، وبناء على طلب المكتب الهولندي تم تمديد المهلة إلى 5 سبتمبر/أيلول.

لكن المكتب الهولندي Deltares أعلن انسحابه من الدراسات الخاصة بأمان السد ومدى تأثيره على دولتي المصب وذلك في سبتمبر/أيلول 2015، وأصدر بياناً ذكر أن السبب هو "عدم توفر الضمانات الكافية لإجراء دراسات مستقلة عالية الدقة"، وهو ما ألقى بشكوك واضحة حول النوايا الإثيوبية من خوض المفاوضات، بحسب مراقبين. ثم انسحب المكتب الفرنسي أيضاً من عملية إجراء الدراسات.

توترات عسكرية غير مسبوقة على الحدود الإثيوبية السودانية
رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك مع رئيس الوزراء الإثيوبي / رويترز

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تم استئناف اجتماعات اللجنة الفنية بالقاهرة، والاتفاق على انعقاد جولة سداسية للتفاوض في الخرطوم، بحضور وزراء الخارجية والمياه للدول الثلاث. وفي ديسمبر/كانون الأول 2015، وقع وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا على وثيقة تتضمن التأكيد على اتفاق إعلان المبادئ الموقع من قيادات الدول الثلاث، وتكليف مكتبين فرنسيين لتنفيذ الدراسات الفنية للسد. وفي مايو/أيار 2016، أعلنت إثيوبيا عن وشك إكمال 70% من بناء السد.

آبي أحمد يقسم أنه "لن يضر مصر"

ومنذ مايو/أيار 2017 وتزامناً مع انتهاء التقرير المبدئي لسد النهضة، نشبت الخلافات بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا بشأن مخرجات التقرير، وفي يوليو/تموز 2017 قام وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارة أديس أبابا والدعوة إلى إتمام المسار الفني الخاص بدراسات السد، وتحديد تأثيره على الحصة المائية لبلاده.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أعلن وزير الري المصري محمد عبدالعاطي عدم التوصل إلى اتفاق ثلاثي، عقب موافقة بلاده على التقرير المبدئي للمكتب الاستشاري، ورفض إثيوبيا والسودان.

وفي ظل الخلافات واستمرار إثيوبيا في عملية تشييد السد والاستعداد لبدء تخزين المياه، أطلقت مصر دعوتها الأولى لتحكيم دولي من جانب البنك الدولي في القضية، لكن رئيس الوزراء الإثيوبي  ديسالين أعلن رفض بلاده لتلك الدعوة متمسكاً ببنود اتفاق المبادئ الذي وقعه مع السيسي والبشير والتي تنص على موافقة الأطراف الثلاثة على اللجوء للتحكيم الدولي في حالة الخلافات، وكان ذلك في يناير/كانون الثاني 2018.

بعد التلويح بالحرب.. أول اتفاق بين السيسي وآبي أحمد بشأن
السيسي وآبي أحمد/الشبكات الاجتماعية

وفي يونيو/حزيران 2018، وخلال مؤتمر صحفي مع السيسي في القاهرة، طلب الرئيس المصري من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن يقسم بأن بلاده لن تلحق ضرراً بالشعب المصري، قائلاً: "والله لن نقوم بأي ضرر بمياه مصر.. والله لن نضر بكم أبداً".

مفاوضات شراء الوقت من جانب إثيوبيا

وشهد شهر أغسطس/آب 2018 انعقاد اجتماع للجنة الفنية بين وزراء الري في الدول الثلاث بأديس أبابا، وإعلان عدم التوصل إلى نتائج، وتأجيل المفاوضات لوقت آخر. وفي أغسطس/آب 2019، سلمت مصر لإثيوبيا رؤية القاهرة بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، وأعلنت أديس أبابا رفضها لتلك الرؤية.

وتحدث السيسي علناً عن أزمة سد النهضة في منتصف سبتمبر/أيلول 2019، ملقياً باللوم على ثورة يناير/كانون الثاني 2011 بقوله إن إثيوبيا استغلّت الظروف السياسية في مصر وقتها، وأقدمت على الشروع في بناء السد، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يلمح فيها السيسي إلى أن سد النهضة أصبح أمراً واقعاً، وأن مصر ستتضرر منه.

وأثارت تصريحات الرئيس وقتها غضباً عارماً على منصات التواصل الاجتماعي رفضاً لإلقاء اللوم على ثورة يناير/كانون الثاني وتجاهل اتفاق المبادئ الذي وقعه الرئيس ليصبح الورقة القانونية الوحيدة في يد إثيوبيا لتبني السد كما تشاء، وزادت حدة الغضب بعد أن انتهت إثيوبيا من الملء الأول للسد بالفعل في أكتوبر/تشرين من العام الماضي، وتم إطلاق هاشتاغ "#السيسي_خربها_مستني-إيه"، بحسب تقرير لموقع Middleeast Monitor.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، استجابت الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب للدعوة التي أطلقها الرئيس المصري من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالباً بتدخل دولي وواصفاً مياه النيل بأنها تمثل "قضية حياة أو موت" لمصر، واستضافت واشنطن وفوداً من الدول الثلاث، بحضور وزير الخزانة الأمريكي ورئيس البنك الدولي، للوساطة في مفاوضات السد.

وبدا أن اتفاقاً وشيكاً بين الدول الثلاث سيرى النور، إلا أن إثيوبيا انسحبت من الجولة التي كان يفترض أن تشهد التوقيع على الاتفاقية، وهو ما أثار دهشة الأمريكيين وتم تسريب تصريح لترامب قال فيه إنه "لن يكون متفاجئاً إذا ما أقدمت مصر على ضرب سد النهضة"، في إشارة واضحة على تعنت أديس أبابا وتعاملها مع مياه نهر النيل على أنها ملكية خاصة بها، وهو ما عبر عنه بالفعل وزير خارجيتها بعد الملء الأول بقوله إن نهر النيل أصبح "بحيرة إثيوبية".

سد النهضة إثيوبيا
محادثات سد النهضة الثلاثية في البيت الأبيض/ أرشيفية، رويترز

وفي يونيو/حزيران 2020، طلبت مصر رسمياً تدخل مجلس الأمن الدولي لحسم النزاع، بعد فشل الوساطة الأمريكية، وفي نفس الشهر أعلن الاتحاد الإفريقي عن رعايته للمفاوضات، لكن إعلان إثيوبيا عن بدء عملية الملء السنوي الأول للسد بالمياه أوصل الأمور لطريق مسدود.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلن السودان رفضه المشاركة في جلسة مفاوضات يرعاها الاتحاد الإفريقي. بينما أعلنت أديس أبابا في فبراير/شباط الماضي اكتمال 78.3% من أعمال بناء السد. واقترح السودان تطوير آلية التفاوض وتقوية وساطة الاتحاد الإفريقي بضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لجهود الوساطة، وأيدت مصر مقترح السودان بشأن تشكيل رباعية دولية للوساطة.

وخلال مارس/آذار الجاري، أعلن السودان أنه بعث بخطابات رسمية إلى كل من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لتشكيل آلية رباعية للوساطة، بينما ردت إثيوبيا برفض مقترح الوساطة الرباعية وتمسكها بقيادة الاتحاد الإفريقي منفرداً للمفاوضات.

والموقف الآن لا يزال متجمداً، في ظل تمسك إثيوبيا بالتصرف على أساس أن مياه نهر النيل ملكية خاصة بها، فيما سيكون يوليو/تموز المقبل محطة خطيرة في الملف مع بدء أديس أبابا عملية الملء الثاني لخزان السد، فكيف تتصرف مصر والسودان؟ وهل يشهد الملف حرب المياه الأولى على الكوكب، كما توقعت تقارير مجموعة الأزمات الدولية حول السد الإثيوبي؟

وتسود حالة من الغضب الشعبي في مصر مصحوبة بالترقب وانتظار المجهول في ظل إلقاء كثيرين باللوم على إدارة الرئيس الحالي للملف، وعدم وجود مسار تفاوضي يمكن أن يطمئن الشعبين المصري والسوداني على أن المياه لن تجف في نهر النيل الذي يمثل شريان الحياة في البلدين، وبخاصة في مصر التي وصفت منذ آلاف السنين بأنها "هبة النيل".

تحميل المزيد