الفلسطينيون يموتون بممرات المستشفيات، ومئات اللقاحات تُلقى في القمامة يومياً بإسرائيل! ما الذي يحدث بالضفة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/20 الساعة 15:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/20 الساعة 15:13 بتوقيت غرينتش
يعاني آلاف الفلسطينيين المصابين بكورونا في تلقي العلاج بمستشفيات الضفة الغربية وقطاع غزة في ظل نقص حاد بالخدمات الصحية وعدم وجود لقاحات مضادة للفيروس/ مستشفى رام الله الطبي (الأناضول)

سلط تقرير لموقع MEE البريطاني الضوء على الأزمة الكارثية التي تعانيها مستشفيات الضفة الغربية بالأراضي الفلسطينية، في ظل تفشي جائحة كورونا ونقص شديد باللقاحات المضادة للفيروس. وذلك في الوقت الذي تتحدث فيه إسرائيل عن فائض اللقاحات لديها، والذي أعلنت عن توزيع الآلاف منه على دول صديقة وحليفة لها الشهر الماضي، فيما أهدرت آلافاً أخرى منها، بسبب فائضها وعدم استخدامها.

ورصد الموقع البريطاني بعض الحالات لمصابين فلسطينيين في الضفة الغربية، ويروي الفلسطيني عيسى الصافي للموقع، أنه عندما نقل والدته إلى مستشفى رام الله الحكومي قبل أيام، لم يتوقَّع قط أن تتحوَّل إلى أحد أسوأ كوابيسه. أُصيبَت صفية الصافي (70 عاماً)، بأعراضٍ تشبه أعراض مرض كوفيد-19 في منزلها بمخيَّم الجلزون للاجئين في رام الله. في ذلك الوقت، لم يفكَّر أبناؤها كثيراً في الأمر، حيث بدت على ما يرام. 

ولكن في 10 مارس/آذار، ساءت حالة صفية، ونقلها ابنها عيسى وإخوته إلى المستشفى، حيث كانت المفاجأة. وقال لموقع Middle East Eye البريطاني: "دخلنا المستشفى وكان الأمر أشبه بمنطقة حرب. كان هناك أشخاصٌ ينامون على المقاعد وعلى المراتب على الأرض، وكثيرٌ منهم كانوا مُوصَّلين بأجهزة تنفُّس صناعي وخزانات أكسجين". 

وأضاف: "عندما وصلنا إلى هناك، أجرت الممرِّضات اختبار كوفيد-19 على والدتي، واتَّضَح أن النتيجة إيجابية. وأثناء تقييم الأطباء حالتها، قالوا إنها مُصابةٌ بجلطةٍ دماغية، وإنه يجب إدخالها على وجه السرعة". 

يترك الفلسطينيون على المقاعد الخشبية في ممرات المستشفيات لأخذ دور في العلاج من كورونا بينما، تلقي إسرائيل فائض اللقاحات المضادة للفيروس في القمامة/ الأناضول

"ليس لدينا أيُّ مكانٍ آخر نضعها فيه"

لكن حين أرشدت الممرِّضات عيسى وإخوته وأمهم المريضة عبر المستشفى، لم يوجِّهنهم إلى وحدة كوفيد-19 بالمستشفى أو وحدة العناية المركَّزة أو غرف المرضى الأخرى. قال: "أخذتنا الممرِّضات إلى هذه الغرفة الخلفية. كانت أشبه بغرفة تخزين وحمام مُدمَجين معاً، بكلِّ هذه الصناديق والإمدادات في كلِّ مكان"، وأضاف أن الغرفة كانت قذرةً ويبدو أنها لم تُنظَّف منذ فترة. 

وقال: "ثم دفعوا سريرها إلى تلك الغرفة. كنت في حالة صدمةٍ كاملة". وأضاف عيسى أنه احتجَّ على موظَّفي المستشفى، لكن قيل له: "ليس لدينا أيُّ مكانٍ آخر نضعها فيه. هذه هي المساحة الوحيدة لدينا"، مشيراً إلى أنه بينما كان إلى جانب والدته، شاهد مدى نقص العاملين في المستشفى، إذ رأى 4 ممرِّضات فقط يعالجن نحو 80 مريضاً. 

يروي عيسى قصته المأساوية فيقول: "في اليوم الأول فقط، عندما كنت جالساً بالمستشفى، رأيت ثلاثة أشخاص يموتون أمام عيني". وأضاف: "كان من المدمِّر مشاهدة ذلك. لا تستطيع المستشفيات مواكبة المرض، والأطباء لا يمكنهم ذلك. ظلَّ الأطباء يقولون لنا إنهم يبذلون قصارى جهدهم، لكنهم لا يستطيعون فعل أيِّ شيءٍ آخر لنا". 

ووفقاً لعيسى، فقد أُخبِرَت والدته بأن هناك 14 شخصاً على قائمة الانتظار قبلها للدخول إلى وحدة العناية المركَّزة في المستشفى. وقال: "كان الأمر كما لو قيل لنا إنهم ينتظرون موت الناس حتى تتمكَّن في النهاية من الحصول على سريرٍ مناسبٍ بوحدة العناية المركَّزة. ولكن إلى متى علينا الانتظار؟ حتى تموت أمي قبل أن تحصل على مساعدة؟!". 

انتشرت مقاطع فيديو لعيسى وإخوته وهم يتحدَّثون إلى وسائل إعلام عما حدث لوالدتهم، على نطاقٍ واسع، بوسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية الأسبوع الماضي، حيث عبَّر الناس عن شكواهم من تفاقم أزمة كوفيد-19 في الضفة الغربية ونقص الموارد بالمستشفيات الفلسطينية. 

لاقت قصصٌ مثل قصة عيسى الصافي صدىً لدى كثير من الفلسطينيين الذين شاركوا تجارب مماثلة، حيث يستمر الإبلاغ عن آلاف الحالات الجديدة من المصابين بفيروس كورونا المُستجَد في الضفة الغربية على نحوٍ يومي، والمزيد والمزيد من المستشفيات تعجُّ بالمصابين. 

في الوقت ذاته.. فائضٌ من اللقاحات الإسرائيلية يتم إهداره!

في يوم الأربعاء 17 مارس/آذار، قالت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة، إن مستشفيات الضفة الغربية تجاوزت 110% من طاقتها الاستيعابية، وإن الوضع الحالي في فلسطين "خطيرٌ للغاية". 

وسجَّلَت الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى يوم الأربعاء 17 مارس/آذار 2021، ما يقرب من 216 ألف إصابة بفيروس كوفيد-19 منذ اندلاع الجائحة، و2343 حالة وفاة في عدد سكَّانٍ يبلغ نحو خمسة ملايين. 

وأشار تقريرٌ لمنظمة الصحة العالمية عن الجائحة في أوائل مارس/آذار، إلى ارتفاعٍ بنسبة 38% في الإصابات و61% بالوفيات في الضفة الغربية، وعزا التقرير معظم هذا الارتفاع إلى تفشي سلالات فيروس كورونا الجديدة في الإقليم. 

ولكن مع استمرار اكتظاظ المستشفيات الفلسطينية بمرضى كوفيد-19، لا يزال المدنيون الفلسطينيون في الضفة الغربية ينتظرون فرصتهم للحصول على اللقاح، إذ أدَّت التأخيرات المستمرة من جانب السلطة الفلسطينية إلى توقُّف طرح اللقاح. 

في إسرائيل، التي احتلَّت مكانةً باعتبارها "رائدة عالمياً" في جهود التطعيم ضد فيروس كورونا المُستجَد، تلقَّى أكثر من 55% من السكَّان جرعةً واحدةً على الأقل من اللقاح، وحصل أكثر من 46% على الجرعتين الكاملتين. 

كانت إسرائيل أول دولة بالعالم تحصل على صفقةٍ فريدة من نوعها مع شركة فايزر للأدوية في أواخر العام الماضي (2020)، إذ وافقت على شحناتٍ أسبوعية لعشرات الآلاف من جرعات اللقاح مقابل توفير بياناتٍ طبية عن حملتها الطبية لشركة فايزر. 

ولكن مع تباطؤ طرح اللقاح بإسرائيل في الأسابيع الأخيرة، ظهرت تقارير عن وجود فائض من اللقاحات لدى السلطات الإسرائيلية، ويكافح مسؤولو الصحة هناك لإيجاد استخدامٍ لهذه اللقاحات، مِمَّا أدَّى إلى إهدار الآلاف من الجرعات كلَّ أسبوع. 

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته مركزاً لتلقي لقاح كورونا في الناصرة/ رويترز

وكشف تقريرٌ لصحيفة Haaretz الإسرائيلية في فبراير/شباط، أن مئات الجرعات من اللقاح تُلقَى في المهملات كلَّ يومٍ في إسرائيل، نتيجةً لإلغاء الإسرائيليين حجز اللقاح أو عدم حضورهم في المواعيد المُحدَّدة للتطعيم. 

ووفقاً لمعهد الديمقراطية الإسرائيلي، فقد اشترت الحكومة الإسرائيلية 10 ملايين جرعة من لقاح شركة أسترازينيكا، إضافة إلى ثمانية ملايين جرعة من لقاح شركة فايزر، وستة ملايين جرعة من شركة موديرنا، وهي أعدادٌ كافية لتحصين 12 مليون شخص ضد الفيروس. 

وقال المعهد: "بالنظر إلى حقيقة أن هناك نحو ستة ملايين شخص في إسرائيل فوق سنِّ الـ15 عاماً، فإن تغطية التحصين للسكَّان الإسرائيليين كاملة"، مضيفاً أن هناك فائضاً من اللقاحات في الأشهر المقبلة يكفي لما يصل إلى ستة ملايين شخص، ومن المُحتمَل أن يتراكم هذا الفائض في المستودعات. 

وإضافة إلى ملايين الإسرائيليين، تقول مبادرة التنمية الدولية إن فائض اللقاحات سيكون كافياً لتغطية ما يُقدَّر بنحو 2.5 مليون من السكَّان الفلسطينيين البالغين الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلَّة وقطاع غزة. وقال معهد الديمقراطية الإسرائيلي: "علاوة على ذلك، لا تتطلَّب لقاحات شركة أسترازينيكا تبريداً خاصاً، وبالتالي يمكن نقلها إلى أماكن نائية وقرى معزولة ومخيَّمات للاجئين". 

ورغم القدرة الواضحة على تطعيم الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة، قال معهد الديمقراطية الإسرائيلي، إنه من المُحتَمَل أن "الحكومة الإسرائيلية لا تنوي تخصيص لقاحاتٍ للسكَّان غير اليهود". 

مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن الفلسطينيين بموجب القانون الدولي 

أثارت الأنباء التي تفيد بأن إسرائيل تتخلَّص من مئات اللقاحات يومياً، فيما تتواصل إصابة الفلسطينيين بالفيروس بمعدَّلاتٍ مُقلِقة في الضفة الغربية ويموتون ببطء، مزيداً من المحادثات حول مسؤولية إسرائيل عن تطعيم الفلسطينيين في الأراضي المحتلَّة. 

منذ أن بدأت حملة التطعيم الإسرائيلية، تضغط على إسرائيل جماعات حقوق الإنسان، والنشطاء الفلسطينيون، الذين سلَّطوا الضوء على أن إسرائيل تتحمَّل مسؤوليةً بموجب القانون الدولي لتطعيم الفلسطينيين الذين يعيشون تحت احتلالها في الضفة الغربية وقطاع غزة. 

وقالت منظمة "هيومان رايتس ووتش" في يناير/كانون الثاني: "واجبات إسرائيل بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لضمان الإمدادات الطبية، وضمن ذلك مكافحة انتشار الأوبئة، قد صُعِّدَت بعد أكثر من 50 عاماً من الاحتلال دون نهايةٍ له في الأفق". 

وقال التقرير: "تشمل هذه المسؤوليات، إلى جانب الالتزامات بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، توفير اللقاحات بطريقةٍ غير تمييزية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت احتلالها". 

وانتقد وزير الصحة الإسرائيلي، يولي إدلشتاين، في يناير/كانون الثاني، الدعوات المُوجَّهة لإسرائيل لتوسيع برنامج التطعيم ليشمل الفلسطينيين كجزءٍ من دورها كقوةٍ محتلَّة، قائلاً: "التزام إسرائيل هو أولاً وقبل أيِّ شيء تجاه مواطنيها". وأضاف: "من مصلحتنا، وليس واجبنا القانوني، التأكُّد من حصول الفلسطينيين على اللقاح وعدم انتشار فيروس كوفيد-19". 

وبينما جادَلَت إسرائيل بأن مسؤولية التطعيم تقع على عاتق السلطة الفلسطينية، وفقاً لاتفاقياتٍ مثل أوسلو، قالت هيومان رايتس ووتش، إن "التزامات السلطات الفلسطينية الخاصة بحماية الحق في الصحة للفلسطينيين بالمناطق التي تدير فيها شؤونهم لا يُعفي إسرائيل من مسؤولياتها". 

سيدة فلسطينية تنتظر دورها للعلاج من كورونا في الضفة الغربية/ الأناضول

وبينما تشير التقارير إلى أن بعض القادة الإسرائيليين يتلاعبون بفكرة بيع فوائض اللقاح للفلسطينيين، فمن غير المُرجَّح أن تجري الموافقة على مثل هذه الإجراءات قبل الانتخابات الإسرائيلية الأسبوع المقبل. وحتى الآن، أعطت إسرائيل بضعة آلاف من جرعات اللقاح للعاملين الفلسطينيين بمجال الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية، كجهدٍ "إنساني" كما يقول المسؤولون الإسرائيليون، وشرعت في محاولةٍ لتلقيح عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل إسرائيل. 

وقال محمد أبو سرور، الناشط المحلي من بيت لحم، لموقع Middle East Eye، إن إسرائيل تقوم فقط بتلقيح الفلسطينيين الذين يفيدونها، مثل عمال المياومة. وأضاف مستدركاً: "لكن عليهم مسؤولية بموجب القانون الدولي لتطعيم جميع الفلسطينيين، وهذا قولٌ نهائي". ووصف أبو سرور رفض اسرائيل تطعيم المواطنين الفلسطينيين العاديين في الضفة الغربية وغزة بأنه "غير أخلاقي على الإطلاق"، قائلاً إنه "مجرد مثال آخر على الفصل العنصري الإسرائيلي". 

وقال: "تفضِّل إسرائيل أن يستمر الفلسطينيون في الموت بسبب فيروس كوفيد-19، بدلاً من تزويدنا بفائض اللقاح لديها". وأضاف: "في هذه المرحلة، نحن لا نطلب منهم حتى أخذ اللقاحات من الإسرائيليين وإعطائنا إياها. نحن نطلب فائضهم وبقايا طعامهم"!. 

وتابَع: "هناك حاجةٌ لمزيدٍ من الضغط من جانب المجتمع الدولي على إسرائيل لإعطاء اللقاح للفلسطينيين، لأن الناس هنا يموتون كلَّ يومٍ دون حل". وقال عيسى الصافي إنه "ليست لديه كلمات" يصف بها الأمر، مع العلم أن والدته وآلافاً من مرضى فيروس كورونا المُستجَد الفلسطينيين الآخرين ربما كانوا على فراش الموت بينما الإسرائيليون على الجانب الآخر من الجدار العازل غير القانوني يلقون اللقاحات في القمامة! وقال الصافي: "لقد حصلوا على لقاحاتهم ويعيشون الآن حياتهم كالمعتاد ويتركوننا نموت فحسب". وأضاف: "الحصول على هذه اللقاحات حقٌّ أساسي من حقوق الإنسان. والدتي لها الحق في العيش".

تحميل المزيد