تناول موقع Responsible Statecraft الأمريكي التصريحات غير المسبوقة للرئيس الأمريكي جو بايدن التي وصف فيها نظيره الروسي فلاديمير بوتين بـ"القاتل"، وأن "واشنطن ستعاقبه على تدخله بالانتخابات الأمريكية".
وفجرت تلك التصريحات حالة من الغضب في روسيا، فيما أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الأمريكية وحتى العالمية، إذ يرى محللون أنها كانت "غير موفقة" وفي غير توقيتها تماماً.
"صدام غير ضروري أشعله بايدن مع روسيا"
ويقول الصحفي المتخصص بشؤون الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية، والأستاذ بجامعة جورج تاون، أناتول ليفن، إن إدارة بايدن أشعلت فتيل "صدام غير ضروري" تماماً مع روسيا في وقت تنطوي فيه علاقات العمل المنطقية مع موسكو على أهمية بالغة من أجل تحقيق هدفين مهمين ومُلِحين للإدارة؛ وهما العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، والوصول لتسوية سلام في أفغانستان تُسهِل الانسحاب العسكري الأمريكي لإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة.
ويضيف ليفن في مقالة بموقع Responsible Statecraft أن نهج الإدارة الأمريكية يمزج الكثير من الأخطاء التي ارتكبها مسؤولو واشنطن وسياسيوها وإعلاميوها في السنوات الأخيرة. ويقول: أولاً، لديك تقرير استخباراتي مستند إلى أدلة لا يمكن للعامة الاطلاع عليه، خلُص إلى أنه "من المحتمل" أنَّ الحكومة الروسية أمرت بمحاولة التأثير في سير الانتخابات الأمريكية. لكن الإدارة والإعلام حولاه من احتمال إلى يقين مطلق. وفي حوار حديث مع شبكة ABC News أذيع يوم الأربعاء 17 مارس/آذار، قال بايدن إنَّ بوتين "سيدفع ثمن" ما يقول التقرير إنَّ حكومته فعلته. وكالعادة، أصبحت المسألة شخصية بإسناد قرار تأثير إلى بوتين نفسه، واقترن البيان الأمريكي ذو الصلة بإهانات غير مبررة، التي من المحتمل أنها تسيء حتى إلى الكثير من المعارضين الروس لبوتين. "ألا يتذكر أحد نصيحة تيدي روزفلت -الذي لم يتهاون في الأمن الأمريكي- بالحديث برفق مع التلويح بعصا غليظ؟"، يتساءل الكاتب.
"نفاق أمريكي واضح"
ويعيد وصف بايدن، في هذا الحوار العلني، الرئيس بوتين بأنه "قاتل" و"بلا روح" إلى الأذهان ما وُصِف بـ"الدبلوماسية المضادة" لترامب وعناصر من إدارة جورج دبليو بوش، في ما يبدو أنه إصرار متعمد على تشويه العلاقات مع دول أخرى؛ لكن هذه المرة من إدارة من المفترض أن تعيد للسلوكيات الخارجية الأمريكية الكرامة واللياقة.
وعلى الجانب الآخر، وصف دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس بوتين، قذف بايدن لنظيره الروسي بـ"القاتل" بأنه "تصريح سيئ للغاية من الرئيس الأمريكي"، يشير إلى أنه "لا يرغب في تحسين العلاقات".
يقول أناتول ليفن، قد يكون بوتين "قاتلاً" حقاً، لكن دعونا نتذكر عدد الحلفاء الأمريكيين الحاليين أو المحتملين الذين يمكن انطباق هذا الوصف عليهم. لكن الأهم من ذلك، كيف يمكن لإطلاق الإهانات الشخصية أن يخدم مصالح الدولة الأمريكية أو شعبها؟ والأخطر من ذلك هو غض الطرف غير الطبيعي وغياب الوعي الذاتي -الذي يتفشى لدرجة تتجاوز وصف "النفاق"- في واشنطن في ما يتعلق بإدانة الدول الأخرى لمحاولة التأثير في السياسات الأمريكية والرد عليها.
ولا يشير أحد إلى أنَّ روسيا حاولت اختراق حواسيب الانتخابات لتغيير النتائج، أو سربت أسرار الدولة الأمريكية، أو فعلت أي شيء يمكن الزعم بأنه أثر بشدة في النتيجة، على عكس مثلاً عمل المستشارين الأمريكيين المنتشرين في روسيا على دعم حكومة يلتسن في التسعينيات.
"ما فعلته روسيا فعلته أمريكا من قبلها وهو عمل قانوني تماماً"
وخلص الكاتب البريطاني للقول إنه "حتى لو افترضنا أنَّ المزاعم حقيقية، فعلت روسيا ما يتقاضى آلاف من جماعات الضغط في واشنطن أموالاً لفعله طوال حياتهم (وهو عمل قانوني تماماً)؛ ألا وهو التأثير في الساسة والإعلام والسياسات في الولايات المتحدة لصالح حكومات أجنبية معينة".
وفوق ذلك كله، دعمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة عمليات تأثير ضخمة في روسيا، وإيران والصين وغيرها، التي تهدف علناً إلى إضعاف الحكومة القائمة وتقوية المعارضة. ونُفذت هذه العمليات في بعض الأحيان على يد الدبلوماسيين، مثل السفير مايكل ماكفاول، سواء صراحةً أو خلف الستار. إضافة إلى ذلك، نفذتها وسائل الإعلام والمؤسسات الممولة من الكونغرس باستمرار وعلانيةً، ومنها: إذاعتا Radio Liberty وVoice of America ومنظمة The National Endowment for Democracy؛ التي تصرفت وكأنها منصات إعلامية للمعارضة الروسية.
يقول ليفن: "دعونا ننحي جانباً للحظات مسألة مساوئ الحكومة الروسية وفضائلها، أو ما شابه، والنظر إلى الواقع المجرد. ولا شك أنَّ فريقاً له خبرة في السياسات الأجنبية مثل فريق بايدن يفهم بالضرورة أنه إذا تعرضت الحكومات الأجنبية لهجمات مماثلة، فهل هي ملزمة بالرد؟
إنَّ هدف الدبلوماسية الأمريكية هو الدفاع عن المصالح الحقيقية للولايات المتحدة، دولةً وشعباً، وليس إيكال الإهانات جزافاً، مهما كان الشعور الجيد الذي يتركه هذا في نفس الإدارة. ولن تُخدَم هذه المصالح على أفضل وجه إلا بمزيج من الهدوء والقوة، ولا تزال الولايات المتحدة قوية بما يكفي للحفاظ على رباطة جأشها، حتى في وجه الاستفزازات".