أعرب دعاة حرية التعبير في مصر عن مخاوفهم إزاء استغلال مصير الصحفيين المصريين المعتقلين كورقةٍ مساومة في انتخابات نقابة الصحفيين المصريين، لصالح النقيب المحسوب على الحكومة.
وارتبط اسم نقابة الصحفيين في مصر دوماً باعتبارها معقلاً للحريات، واشتهر سلم نقابة الصحفيين بأنه بمثابة هايد بارك مصرية، وكان الملاذ الآمن لأي صاحب رأي معارض.
ولكن تغيّر هذا الوضع بعد 30 يونيو/حزيران 2013، ووصلت أزمة النقابة لذروتها في عهد النقيب السابق المقرب لليسار يحيى قلاش، عندما اقتحمت قوات الأمن النقابة، وألقت القبض على اثنين من الصحفيين داخل المبنى، وحكم بعد ذلك على قلاش بالسجن سنتين مع إيقاف التنفيذ، وذلك بدعوى إخفاء صحفيين مطلوبين داخل مقر النقابة.
ومنذ ذلك الوقت، تعاني الصحافة المصرية من التضييق الشديد عليها، فيما تواجه نقابة الصحفيين صعوبةً في التعامل مع قضية الصحفيين المعتقلين.
الحكومة تتدخل في انتخابات نقابة الصحفيين المصريين بشكل غير مباشر
مع اقتراب موعد الانتخابات يعتقد أن قضية الصحفيين المصريين المعتقلين تتحول إلى ورقة انتخابية تُقدمها الحكومة لصالح النقيب الحالي المحسوب عليها ضياء رشوان، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس الهيئة العامة للاستعلامات (الجهة الرئيسية الناطقة إعلامياً باسم الحكومة).
وأُطلِقَ بالفعل سراح العديد من الصحفيين المحتجزين احتياطياً في انتظار المحاكمة، في وقتٍ مبكر من الشهر الجاري، بمبادرةٍ من ضياء رشوان، نقيب الصحفيين المنتهية ولايته، والذي يقود حملةً من أجل فترةٍ ثانية من عامين على رأس النقابة.
ورأى البعض في الخطوة بادرة دعم من الحكومة لرشوان ضد منافسيه قبل الانتخابات، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وبدلاً من أن تعزز الخطوة شعبية رشوان، أثارت الجدل وفتحت الباب أمام نقاشات حول ما إذا كانت حرية الصحفيين قد تحوّلت إلى ورقة رابحة في الحملات الانتخابية.
وقال عمر بدر، رئيس لجنة الحريات في النقابة، لموقع Middle East Eye: "بعض المرشحين يضغطون على الحكومة للإفراج عن الصحفيين المسجونين بتهم ملفقة ومضحكة".
وكان بدر واحداً من اثنين من الصحفيين، اللذين اقتحمت الشرطة النقابة عام 2016 للقبض عليهما، بسبب اتهامهما بالدعوة إلى التظاهر وترويج شائعات حول اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، المعروفة إعلامياً باسم "تيران وصنافير".
وعود بلقاحات كورونا وتخفيض أجور المواصلات
في الـ19 من مارس/آذار، سينتخب الصحفيون نصف أعضاء مجلس إدارة النقابة البالغ عددهم 12 عضواً، إلى جانب النقيب.
ويتنافس ستة صحفيين، من بينهم رشوان، على منصب النقيب، بالإضافة إلى 55 آخرين يتنافسون على مقاعد مجلس الإدارة الستة المطروحة للتصويت في الانتخابات.
ويعِد كل مرشح بقائمةٍ طويلة من المزايا للأعضاء في حال فوزه.
إذ يعد أحد المرشحين بإعطاء زملائه جرعات لقاح كوفيد-19.
بينما يقول آخر إنّه سيمنح الأعضاء خصومات على أجرة وسائل النقل العامة.
في حين وعد مرشحون آخرون بإعادة النقابة لسابق عهدها وقوتها، والدفاع عن حريات الصحفيين.
وتحدث الكاتب الصحفي رفعت رشاد، المرشح على منصب نقيب الصحفيين، (ويعد من أبرز منافسي رشوان) عن تدهور أوضاع الصحفيين في ظل النقيب الحالي.
وقال الصحفي اليساري خالد البلشي، المرشح لمقعد في مجلس الإدارة، للموقع البريطاني: "يستحق الصحفيون أن تكون لهم نقابة تدافع عن حرياتهم. وهناك حاجةٌ عاجلة لتغيير القوانين التي تُقيّد الحريات".
حُبسوا لأنهم تحدّثوا عن حساباتهم في مواقع التواصل
ليس هناك تقديرٌ رسمي لعدد الصحفيين السجناء في مصر الآن.
ولكن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مستقلة) تُقدّر عدد الصحفيين المحبوسين بنحو 33 صحفياً، فيما يرتفع إلى 34 صحفياً، بحسب إحصاء اللجنة الدولية لحماية الصحفيين المحبوسين حتى نهاية 2020، حسبما ورد في تقرير لموقع "عربي 21".
وقال سيد أبوزيد، محامي النقابة، إنّ هناك ارتفاعاً في أعداد الصحفيين داخل السجون خلال السنوات الأخيرة.
وذكر للموقع البريطاني: "أن غالبية الصحفيين سُجنوا لأنّهم كتبوا على الشبكات الاجتماعية وتجاوزوا الحدود في النقد. ونحن حريصون على حضور التحقيقات ومساعدة عائلات الصحفيين السجناء".
وقد وثّقت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان حالات 33 صحفياً لا يزالون خلف القضبان في بلدهم.
وغالبيتهم متّهمون بالانضمام إلى جماعةٍ إرهابية ونشر أخبار كاذبة، ولكن لم تتم إحالتهم إلى المحكمة بعد.
وجرى الإفراج عن عدد من هؤلاء الصحفيين في السابع من مارس/آذار، بعد ساعات من إعلان رشوان الخبر عبر صفحته على فيسبوك.
مصير الصحفيين المصريين المعتقلين ورقة رابحة للمرشح المحسوب على الحكومة
ورغم ذلك، أثار الإفراج عنهم النقاشات بشأن ما إذا كان الصحفيون السجناء قد تحوّلوا إلى بيادق في لعبة انتخابات نقابة الصحفيين.
وانتقد بعض الصحفيين الخطوة، ودعوا إلى محاسبة من يسجنون صحفيي الأمة.
في المقابل، انتقد ضياء رشوان من شكّكوا في نواياه.
إذ كتب على فيسبوك: "استكمالاً لما سبق قوله عن السعي للإفراج عن الزملاء المحبوسين احتياطيا، وتأكيداً على أنه ليس مناسبة انتخابية ولا جهداً عارضاً ولا موضوعاً للمزايدة السياسية أو النقابية أو للاستخدام في معارك انتخابية سيتجاوزها الزمن، بل هو "واجب" دائم عليّ في كل الأوقات وفي أي موقع كنت".
وذكر رشوان أسماء بعض الصحفيين الذين ساعد في الإفراج عنهم بصفته رئيس النقابة خلال العامين الماضيين.
كما قال إنّه كلف الشؤون القانونية في النقابة بمتابعة قضايا الصحفيين السجناء.
وقد حضر الممثلون القانونيون للنقابة 64 جلسة تحقيق أمام المدعي العام و79 جلسة محاكمة تضامناً مع السجناء على حد قوله.
وأشار أيضاً إلى أنّ النقابة أرسلت عشرات الطلبات إلى المدعي العام للإفراج عن الصحفيين.
ولكن كلما دافع رشوان عن نفسه ضد هذه الاتهامات زاد الجدل المثار حول ترشحه للانتخابات.
إذ قال باحثٌ سياسي كان يرأس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية سابقاً إنّ ترشح رشوان لإعادة انتخابه أثار المخاوف من أنّه يسعى لتعزيز قبضة الدولة على صناعة الإعلام.
فخلال عامين من رئاسته للنقابة، سُجِن صحفيون أكثر ممن سجنوا في العقد الأخير بأكمله.
وبدأت النقابة، التي لطالما كانت ملاذاً لحرية التعبير، تُظهِر العداء للصحفيين في عهده، حسب الموقع البريطاني.
لا تهاون
سلّط الإفراج الأخير عن الصحفيين المحتجزين الضوء على طبيعة مهنة الصحافة المحفوفة بالمخاطر في مصر.
إذ يدخل المزيد والمزيد من الصحفيين إلى السجن بالتزامن مع تقلّص هامش الحريات الذي تسمح به السلطات.
ويقول المراقبون إنّ الحكومة المصرية تريد التحكم في رواية وسائل الإعلام، ولا تتهاون مع رجال الإعلام الذين يجرأون على تحدّي الروايات الرسمية حول ما يحدث في البلاد.
ويقول المحامي الحقوقي نجاد البرعي لموقع Middle East Eye: "إن سجن الصحفيين هو بمثابة انتهاكٍ للقانون. وعشرات الصحفيين والمدونين يقبعون في السجون لمجرد أنّهم عبّروا عن آرائهم".
ومع ذلك فوز ضياء رشوان مرجح
ورغم كل ذلك، يحظى رشوان بفرصةٍ كبيرة في الفوز بالانتخابات.
إذ يُعلّق بعض الصحفيين الآمال عليه في استغلال علاقاته لزيادة الدعم المالي المُقدّم للصحفيين، وخاصةً البدل الشهري من الحكومة لمساعدة الصحفيين.
مما يُسلّط الضوء على الأوضاع المالية الصعبة التي يُواجهها الصحفيون في مصر، حيث صارت قيمة البدل الشهري الآن ما يعادل 129 دولاراً بدلاً من 96 دولاراً قبل تولّي رشوان المنصب منذ عامين.
ورغم قلّة المبلغ، فإنه يُمثل كامل دخل بعض الصحفيين، وخاصةً أولئك الذين أفلست مؤسساتهم الصحفية أو أُغلِقَت أو توقفت عن دفع الأجور.
كما يتوقع بعض أعضاء النقابة، المقدر عددهم بـ10 آلاف، من رشوان استغلال علاقاته في تأمين الإفراج عن الصحفيين المحتجزين خلف القضبان.
كما يعلم الصحفيون أن فوز مرشح غير حكومي، ولاسيما لو كان معارضاً، يعني دخول النقابة في مواجهة غير متكافئة مع الحكومة.
فآخر نقيب مستقل يحيى قلاش، بدلاً من أن يخرج الصحفيين المصريين المعتقلين من السجون، كاد يُسجن هو نفسه.