رغم انهيار أسعار النفط والأزمة المالية التي تسببت بها جائحة كورونا، فإن منطقة الشرق الأوسط شهدت زيادة في واردات الأسلحة خلال السنوات الماضية عكس معظم مناطق العالم، حتى إن دولة عربية تصدرت قائمة أكبر مستوردي الأسلحة في العالم.
وقال معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI في تقرير له صدر اليوم الإثنين 15 مارس/آذار 2021، إن شحنات الأسلحة الدولية كانت ثابتة في الفترة من 2016 إلى 2020، منهية أكثر من عقد من الزيادة، حيث إن هذه هي المرة الأولى منذ 2001-2005 التي لم يزد فيها حجم شحنات الأسلحة الرئيسية بين الدول -وهو مؤشر للطلب- عن الخمس سنوات السابقة لفترة القياس.
ولكن في الشرق الأوسط كان الوضع مختلفاً، حيث استحوذت دول الشرق الأوسط على أكبر زيادة في واردات الأسلحة، بارتفاع قدره 25% في 2016-2020 مقارنة بالفترة من 2011 إلى 2015.
تأثير كورونا على واردات الأسلحة
وبينما أدى الوباء إلى إغلاق الاقتصادات في جميع أنحاء العالم ودفع العديد من البلدان إلى ركود عميق، قال المعهد إن من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان من المرجح استمرار التباطؤ في عمليات التسليم، خاصة أن هذه الأرقام تغطي خمس سنوات من بينها سنة واحدة يظهر فيها تأثير الجائحة التي ظهرت نهاية 2019.
ولكن هناك اعتقاد بأن "الآثار الاقتصادية لوباء COVID-19، على سبيل المثال، قد تدفع بعض البلدان إلى إعادة تقييم وارداتها من الأسلحة في السنوات المقبلة. ومع ذلك، في الوقت نفسه، وقعت العديد من الدول عقود أسلحة كبيرة في ذروة الجائحة"، حسبما يقول بيتر وايزمان كبير الباحثين في معهد ستوكهولم.
وتشير إحصاءات أخرى وأكثر تركيزاً على فترة الجائحة إلى أن الإنفاق الدفاعي في منطقة الخليج تحديداً قفز بنسبة 5.4% في عام 2020 عن العام السابق إلى 100 مليار دولار، لكن من المتوقع أن ينخفض إلى 90.6 مليار دولار هذا العام و89.4 مليار دولار في عام 2022.
الولايات المتحدة توسع نصيبها من كعكة الدمار
مع امتلاكها 96 دولة عميلاً لأسلحتها، تظل الولايات المتحدة أكبر مصدر للأسلحة في العالم، مع زيادة حصتها العالمية من صادرات الأسلحة من 32 إلى 37%.
وما يقرب من نصف (47%) من عمليات تصدير الأسلحة الأمريكية ذهب إلى الشرق الأوسط.
وقال المعهد إن روسيا، ثاني أكبر مصدر في العالم، تمثل خمس شحنات الأسلحة العالمية، لكن مبيعاتها تراجعت بنسبة 22% مقارنة بالفترة من 2011 إلى 2015، ويرجع ذلك أساساً إلى انخفاض كبير في واردات الهند.
وكانت فرنسا، ثالث أكبر دولة مصدرة للسلاح في العالم، بنسبة 8%، بعد أن سجلت عدة صفقات كبيرة، أبرزها مع الهند ومصر وقطر، بينما جاءت ألمانيا والصين في المركزين الرابع والخامس من قائمة أكبر خمس دول مصدرة، بينما لم تكن بريطانيا ضمن القائمة.
اللافت هو حدوث زيادات كبيرة في عمليات التصدير من قبل ثلاثة من أكبر خمس دول مصدرة للأسلحة (الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا) قابلها إلى حد كبير انخفاض صادرات الأسلحة الروسية والصينية.
قد تكون المفارقة هنا أن هذه الزيادة الكبيرة لصادرات الدول الغربية من السلاح، تتزامن مع صعود خطاب حقوق الإنسان والحديث الأوروبي بالأخص عن حظر تصدير الأسلحة للدول المنتهكة لها.
وقال بيتر وايزمان، كبير الباحثين في معهد ستوكهولم، إنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان التباطؤ في تسليم الأسلحة سيستمر.
الخوف من الصين ما زال المحرك الأكبر لتجارة السلاح
كانت آسيا وأوقيانوسيا أكبر المناطق المستوردة للأسلحة الرئيسية، حيث تلقت 42% من عمليات نقل الأسلحة العالمية في 2016-2020.
كانت الهند وأستراليا والصين وكوريا الجنوبية وباكستان من أكبر المستوردين في المنطقة.
وقال بيتر ويزمان، كبير الباحثين في معهد ستوكهولم: "بالنسبة للعديد من الدول في آسيا وأوقيانوسيا، فإن الإدراك المتزايد للصين كتهديد هو المحرك الرئيسي لواردات الأسلحة".
الشرق الأوسط.. الدول العربية أكبر المستوردين للسلاح في العالم
لكن منطقة الشرق الأوسط هي التي شهدت أكبر زيادة في مبيعات السلاح بنسبة 25% عند مقارنة الفترة من 2016 إلى 2020 بالخمس السنوات السابقة لها، رغم أنها الأكثر تضرراً اقتصادياً من الجائحة جراء انهيار النفط التي بلغت أسعاره في أبريل/نيسان 2020 مستوى تحت الصفر.
لم يمنع ذلك ارتفاع واردات الأسلحة في المنطقة حتى في عام الجائحة (2020)، حيث تقدم الصفقة المبدئية التي أبرمتها الإمارات مع الولايات المتحدة في أيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة بقيمة 23 مليار دولارلشراء طائرات إف 35 وطائرات مسيرة نموذجاً واضحاً لذلك (قد لا تحسب قيمة هذه الصفقة ضمن فترة القياس ولكنها تقدم مؤشراً لاتجاهات التسلح).
ويعزى الارتفاع الكبير في منطقة الشرق الأوسط في الغالب إلى عمليات الشراء الكبرى التي قامت بها السعودية (زيادة بنسبة 61%) ومصر (زيادة بنسبة 136%) وقطر (زيادة بنسبة 361%).
وأبرمت الدول العربية الثلاث صفقات سلاح ضخمة خاصة في مجال الطائرات الحربية، حيث واصلت السعودية اقتناء طائرات إف 15 الأمريكية الشهيرة، بينما اشترت مصر طائرات ميغ 29 وسوخوي 35 من روسيا، فيما اشترت قطر طائرات رافال الفرنسية، وتعاقدت على طائرات إف 15 الأمريكية، وطائرات تايفون يورو فايتر التي ينتجتها تكتل من أربع دول أوروبية.
في المقابل، لم تبرم الإمارات أي صفقة كبيرة في مجال الطائرات الحربية خلال السنوات الماضية، ويبدو أنها كانت تخطط لاقتناء طائرات إف 35 الأمريكية الشبحية ولذا لم تحاول شراء أي من الطائرات الجيل الرابع والنصف، ولكن حتى الآن لم تحسم إدارة بايدن موقفها من صفقة إف 35 الإماراتية التي تم الموافقة عليها بشكل مبدئي في نهاية عهد ترامب.
وتم تعليق هذه الصفقة من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة ضمن عملية مراجعة واسعة لصفقات السلاح مع السعودية والإمارات تحديداً.
وتعتبر السعودية أكبر مستورد للسلاح في العالم، حيث استحوذت على 11% من الواردات العالمية خلال هذه الفترة، لتتفوق على الهند التي كانت تحتل هذا المركز في السنوات الماضية.
وكان كبار المستوردين الآخرين هم الهند ومصر وأستراليا والصين.
وعلق بيتر وايزمان قائلاً: "الحروب الجارية في اليمن وليبيا، والمنافسات بين دول منطقة الخليج، والتهديدات ضد إيران، والتوترات المتزايدة بشأن احتياطيات النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، كلها عوامل عززت الطلب على الأسلحة في المنطقة".
وتأسس معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام في العاصمة السويدية عام 1966 لتوفير البيانات والتحليلات والتوصيات في المجالات العسكرية، وتستند أبحاثهم إلى مصادر مفتوحة وموجهة إلى صناع القرار والباحثين ووسائل الإعلام والجمهور، ولتجنب الأخطاء الإحصائية، يقارن الباحثون فترات تمتد لمدة خمس سنوات.