مقابلة الأمير هاري وميغان ماركل مع أوبرا وينفري كان لها هدف رئيسي من جانبهما وهو دفع العائلة الملكية للاعتذار عما تعرّضا له من ضغوط خصوصاً التعليقات العنصرية بخصوص لون بشرة ابنهما آرتشي، فهل تحقق لهما ما أرادا؟
كانت المقابلة التي أجرتها المذيعة الأشهر عالمياً أوبرا وينفري مع الثنائي الملكي السابق لصالح قناة CBS الأمريكية وتم بثها الأسبوع الماضي قد أثارت إعصاراً من الجدل داخل المملكة المتحدة وباقي دول الكومنولث بسبب الطبيعة الشخصية والحساسة للغاية لما كشف عنه هاري وميغان، إذ وجهت ميغان اتهامات للعائلة الملكية بالعنصرية لتعبير بعضهم عن القلق من لون بشرة طفلها الأول آرتشي قبل ولادته، كما تحدثت عن وصولها لمرحلة التفكير في الانتحار وأمور أخرى مسيئة للعائلة.
لجوء ميغان لمحكمة الرأي العام
حمل البيان الذي أصدره قصر باكنغهام حول مقابلة هاري وميغان جملة لفتت أنظار المحللين والمؤرخين المتخصصين في شؤون العائلة الملكية الأقدم تاريخياً، وبالتحديد جملة "بينما قد تختلف بعض الروايات، إلا أن ما قيل سيتم التعامل معه بجدية وستتعامل معه الأسرة بخصوصية"، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
تلك الجملة تشير إلى التعليقات العنصرية التي قالت ميغان وهاري إن بعض أفراد العائلة الملكية أثاروها بشأن لون بشرة آرتشي قبل ولادته، وهي التعليقات التي سببت ألماً كبيراً للزوجة الأمريكية وزوجها الأمير هاري وكانت أهم أسباب تفكيرهما في التخلي عن دورهما داخل العائلة الملكية ومغادرة بريطانيا للإقامة في الولايات المتحدة.
ويبدو أن هاري وميغان قد استنفدا جميع الطرق المتاحة في إطار المؤسسة الملكية للتقدم بشكوى بشأن تلك التعليقات العنصرية دون الحصول على إجابة شافية أو عقاب من أدلوا بها، وفي النهاية كان لجوؤهما لمحكمة الرأي العام من خلال إثارة الأمر في حوار تلفزيوني مع المذيعة الأشهر عالمياً هو الملاذ الأخير لدفع العائلة الملكية لإصدار اعتذار علني في هذا السياق، بحسب ما قاله متخصصون للشبكة الأمريكية.
مارسيا مودي، الصحفية وكاتبة السير الذاتية لأفراد العائلات الملكية، قالت لـ"سي إن إن" إنه "من الواضح أن هاري وميغان يشعران بشكل صادق بأنهما تعرّضا لسوء المعاملة من جانب أفراد من الأسرة ويبحثان عن حل يخلصهما من ذلك الشعور السلبي"، مضيفة: "للأسف اصطدم أسلوبهما في الحديث علناً (في هذه الأمور) بقواعد مؤسسية ثابتة هي عدم الشكوى وعدم الكشف. وعلى الأرجح لن يحصلا أبداً على الحل الذي يرغبان فيه".
ما أسباب عدم الاعتذار الملكي؟
جزء من المشكلة أو المأزق هنا مرتبط بطبيعة العائلة الملكية نفسها، فهي تمثل أكثر من شيء واحد في الوقت نفسه؛ فهي مؤسسة تجارية وأسرة وملكية دستورية. ويوجد في تلك التركيبة المعقدة موظفون ومهام دستورية طبقاً لدستور المملكة المتحدة وتحاول الحفاظ على دعم العامة لتبرير وجود العائلة من الأساس، وكل هذا يتم في وجود إعلام يسعى وراء أدق تفاصيل الأسرة التي تحاول إحاطة أفرادها بسياج من السرية.
وينتج عن هذا الواقع المتشابك والمتناقض سوابق غريبة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتحميل المسؤولية للعائلة الملكية، وهذا ما عبرت عنه كاثرين هيدون، الباحثة المسؤولة في Institute for Government، بقولها: "لو تقدم مساعد أو موظف ملكي بشكوى أنه تعرض للتنمر من جانب أحد أفراد العائلة الملكية يتم التعامل مع الشكوى من خلال المدير المسؤول. لكن كيف يمكن للدوقة "ميغان" أن تشكو من تعرضها لتعليقات عنصرية من جانب أحد أفراد العائلة؟ هذه مسألة أكثر تعقيداً بكثير".
الحديث عن ضرورة إصدار العائلة الملكية وبالتحديد رأس العائلة الملكة إليزابيث الثانية اعتذاراً علنياً باسم القصر لهاري وميغان عما تعرّضا له من معاملة سيئة، خصوصاً التعليقات العنصرية بشأن لون بشرة ابنهما، كانت قد انطلقت منذ بدأت القناة الأمريكية في بث مقاطع ترويجية للمقابلة مع أوبرا وينفري.
ونشرت صحيفة The Mirror البريطانية تقريراً بعنوان "مناشدة الملكة أن تصدر اعتذاراً علنياً لميغان ماركل"، رصد قيام صاني هيوستن، المذيعة الأمريكية، بتبني الدعوة لأن يتقدم أفراد العائلة الملكية باعتذار علني لميغان قبل أن يتم بث المقابلة الصادمة كاملة، إذ أصرت صاني على أن العنصرية التي تعرضت لها ميغان أمر لا يمكن أن يمر دون عقاب ودون اعتذار علني عنه من جانب الملكة وباقي كبار العائلة الملكية.
وتسببت التسريبات من داخل القصر الملكي بشأن قيام ميغان بالتنمر على بعض العاملين في القصر في غضب عارم من جانب مساندي ميغان وهاري، خصوصاً في الولايات المتحدة حيث يقيمان الآن، وبدا الأمر كما لو أن الفريق الداعم لهما متركز في الإعلام الأمريكي بينما الفريق الأكثر دعماً للقصر متركز في الإعلام البريطاني، ويعتقد بعض المراقبين أن هذا الاستقطاب على الأرجح سيزداد حدة في الفترة المقبلة.
هذا الجدل بشأن الاعتذار العلني الذي يتمناه هاري وميغان من جانب القصر والأسباب التي ترجح أنه لن يحدث بسبب طبيعة التقاليد الملكية تمثل بعداً آخر في ردود الأفعال التي أثارتها تلك المقابلة، وأبرزها مصير العائلة الملكية نفسها بعد رحيل الملكة الحالية إليزابيث الثانية التي تجلس على العرش منذ أكثر من 69 عاماً.
ويعتبر احترام التاج في بريطانيا والعلاقة بين القصر والحكومة جزءاً آخر من المشكلة المتعلقة بإصدار اعتذار علني، بمعنى أن حرص العائلة على الاحتفاظ بخصوصية أفرادها يجعل الأمور معقدة للغاية، وهذا ما عبر عنه أندرو بليك، الخبير الدستوري في جامعة الملك في لندن: "على مدى العقود القليلة الماضية، بدأت كثير من المساحات الحكومية والخدمة العامة تخضع للتدقيق العام. لكن فيما يخص العائلة الملكية، الاهتمام بالعرش يعني أن الأمور تتم بشروط العائلة بشكل عام".
ويفسر بليك ذلك بأن "هناك ميلاً لأن يتم استثناء القصر الملكي من أمور مثل طلبات حرية تبادل المعلومات ورفع السرية عن المستندات" التي لا تصبح متاحة للعامة مثل محاضر ومستندات الحكومة، مضيفاً: "على الأرجح لن نعرف أبداً كيف تعاملت الملكة مع أي من فصول هذه المأساة الممتدة، باستثناء ما يصلنا من خلال التسريبات الإعلامية المتناثرة".
فعلى الرغم مما أثارته مقابلة هاري وميغان من جدل بشأن العائلة الملكية ووصف البعض للأمر كله بأنه "فضيحة" قد تطيح بالعائلة نفسها، فإن تاريخ عائلة ويندسور الملكية يعج بالوقائع التي وضعت مستقبل الأسرة في مهب الريح لكنها مرّت دون أن يحدث أي من ذلك.
وبعض تلك الوقائع شمل تنازل الملك إدوارد الثامن عن العرش لأنه أحب سيدة أمريكية وتعرض أحد أفراد العائلة لمزاعم تتعلق بانتهاكات جنسية، إضافة إلى كارثة مقتل والدة هاري نفسه الأميرة ديانا في نفق باريسي عام 1997 بعد مأساة زواجها وطلاقها من ولي العهد الأمير تشارلز وتفاصيلها التي أثرت بشكل لافت على شعبية العائلة والملكة إليزابيث نفسها.