تناول تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي تأثيرات وتكاليف التعاون الأمني الأمريكي مع العديد من القوى في العالم، وأبرزها تلك التي في الشرق الأوسط. وتحدث الموقع عن تعهد الرئيس جو بايدن مؤخراً بوقف جميع أشكال الدعم للعمليات الهجومية في اليمن، ومبيعات الأسلحة المرتبطة بها. وهذا نبأ سار، حيث إن الحرب في اليمن دائرة منذ عام 2015 وخلّفت آلاف القتلى المدنيين جراء القصف العشوائي. والولايات المتحدة تتحمل المسؤولية وقد شوهت صورتها بتقديمها الدعم والأسلحة لتلك العمليات، التي تشنها السعودية والإمارات في المقام الأول.
لكن ما حدث ويحدث في اليمن ليس سوى أحد أعراض شيء أكبر بكثير، ألا وهو الطريقة التي تقدم بها الولايات المتحدة ودول أخرى التعاون الأمني والمساعدة على مستوى العالم. إن حالة اليمن مأساوية ومروعة، وجديرة بأن تصبح محط اهتمام الكثير من نشاط حقوق الإنسان. ولكن يوجد آخرون كُثُر تأثروا بالتعاون الأمني الأمريكي ومبيعات الأسلحة دون أن يحظوا باهتمام وسائل الإعلام.
"تقديم الدعم الأمني والعسكري الأمريكي لهذه الدول أسهل طريقة لمعالجة أزماتها"
تقول لورين وودز، الباحثة في الشؤون الأمنية بمركز السياسة الدولية في واشنطن، إن النهج الأمريكي يولي الحديث في الدفاع أهمية كبرى للتعاون الأمني لتعزيز الأمن على مستوى العالم. وهذا عن طريق التعاون مع قوات الأمن الأجنبية ومساعدتها بافتراض أن بناء قدرات القوات الأمنية في الدول الأخرى- الجيش والشرطة- يمكّن تلك الدول من تحمل قدر أكبر من المسؤولية عن أمنها ويقلل التكاليف والتدخل الأمريكي.
وقد نما هذا النهج مع نمو تدخل الولايات المتحدة في دول العالم. وبالنظر إلى الميزانية الضخمة لوزارة الدفاع، فتقديم المساعدة العسكرية غالباً ما يكون طريقة أسهل لمعالجة الأزمات العالمية من استخدام الأدوات الدبلوماسية أو الاقتصادية. وفي أغلب الأحيان، لا تكون المساعدات الأمنية والأسلحة الأمريكية أفضل الأدوات لمعالجة الأزمات، ولكن ثبت أنها كبيرة وحاضرة ومغرية، كما تقول وودز.
ومن الناحية النظرية، لا يرغب الجيش الأمريكي في نشر قواته في كل مكان أو يتعين عليه ذلك. لكن المشكلة تكمن في تنفيذها وفي غياب الرقابة الاستراتيجية التي يمكن أن تؤدي إلى كوارث إنسانية طويلة الأمد، في اليمن وخارجه. وقد تتعارض أيضاً مع السياسات طويلة المدى التي من المفترض أن تدعمها، وأحياناً لا تحمل معنى استراتيجياً كبيراً. على سبيل المثال قدمت الحكومة الأمريكية 630 مليون دولار لدعم المساعدات الإنسانية لليمن في السنة المالية 2020، وفي الوقت نفسه استمرت في بيع الأسلحة التي تدمر البلاد.
والولايات المتحدة تقدم مساعدات أمنية لـ147 دولة حول العالم، في شكل تدريبات عسكرية مشتركة، وصفقات أسلحة، ومساعدات تدريبية، وبرامج أخرى. وفي أفضل الحالات، قد تتخذ المساعدة الأمنية الأمريكية شكل تدريبات في مجال حقوق الإنسان، ولكن حتى هذه التدريبات كثيراً ما تفشل في تحقيق التأثير المقصود.
وتقول وودز من الممكن أن يساهم هذا النوع من المساعدات الأمنية في بناء العلاقات وبناء الاحترافية. لكنه لا يمثل الجزء الأكبر من نفقات الولايات المتحدة على المساعدة والتعاون الأمنيين، الذي يتمثل هدفهما الأساسي في تعزيز قوات الأمن بالتدريب والأسلحة والمعدات التي تحتاجها لاستخدام القوة. والأسوأ من ذلك أن قلة قليلة من هذه البرامج تحظى بالإشراف والاهتمام اللازمين لضمان امتثالها لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
دعم أمني تخصص له ميزانية أمريكية ضخمة
ومن المدهش أن الجزء الأكبر من ميزانية الدفاع المخصصة للمساعدة الأمنية، الذي يبلغ 16.56 مليار دولار، لا يُذكر في التقارير. (وبالمقارنة، بلغت الميزانية المقترحة للسنة المالية 2021 لكامل وزارة الخارجية والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة 44.12 مليار دولار). وهذا يساهم في غياب استراتيجية جادة تشمل الحكومة بأكملها. فإذا كان جزء من الحكومة يركز على أهداف دبلوماسية طويلة المدى في مناطق الصراع، والآخر يركز على بيع الأسلحة لتحقيق مكاسب عسكرية تكتيكية قصيرة المدى، فأين الاستراتيجية؟ ومن سيضمن الامتثال لها؟.
وهذا أحد الأسباب التي دفعت برنامج مراقبة المساعدة الأمنية، وهو برنامج تابع لمركز السياسة الدولية، إلى إنشاء قاعدة البيانات الأولى والوحيدة التي تضم جميع البيانات الرسمية المتاحة للجمهور عن المساعدة الأمنية الأمريكية ومبيعات الأسلحة والتدريب العسكري الأجنبي في مكان واحد. وحقيقة أن هذا كان يُفترض أن تفعله منظمة غير ربحية، وليس الحكومة الأمريكية، يخبرنا بالكثير.
وفضلاً عن نقص الرقابة والشفافية، هناك أيضاً مشكلة حقوق الإنسان والمسؤولية الأخلاقية، التي كثيراً ما يتجنبها الأمريكيون في عالم السياسة الخارجية، ويفضلون مصطلحات مثل الفاعلية والكفاءة ومراقبة وتقييم أولويات الدفاع. ولكن من الأهمية بمكان التحدث عن حقوق الإنسان، فضلاً عن العواقب الأخرى غير المقصودة للتعاون والمساعدة الأمنيين. لأن الإحجام عن تنفيذ العمليات بشكل مباشر يزيد من سهولة تحويل المسؤولية وغياب الرقابة عن الطريقة التي تُستخدم بها الأسلحة التي توفرها الولايات المتحدة، وأين ينتهي بها المطاف، وتأثيرها على المدنيين. ويفترض أن تراقب الحكومة الأمريكية الاستخدام النهائي للأسلحة التي تمنحها للدول الأخرى، لكن طريقتها في ذلك بعيدة كل البعد عن أن تكون شاملة، أو حتى كافية.
إدارة بايدن قد لا تختلف كثيراً عن ترامب في هذا الملف
تقول وودز، بعبارة أخرى، توجد مخاطر حقيقية في المشاركة في الحرب وتقديم الأسلحة من الخارج. حيث إن اليد التي تُسلّم البندقية، أو الذخيرة الموجهة بدقة، مع معرفة ما سيُفعل بها، مسؤولة عن مقتل المدنيين مثل من يطلق النار أو يلقي الذخيرة.
لقد تعهد بايدن باستعادة الدور الأمريكي على مستوى العالم، واستعادة مكانة أمريكا القيادية، وتحفيز الجهود العالمية المتعلقة بالتحديات المشتركة. والخطوات التي يتخذها لإنهاء الحرب في اليمن جديرة بالثناء.
ولكن في الوقت نفسه، تواصل الولايات المتحدة تزويد مصر بـ1.3 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي، رغم أن قوات الأمن القمعية المصرية مستمرة في الاعتقالات والإخفاء القسري وتعذيب المعتقلين، بمن فيهم الأطفال. وتقدم الولايات المتحدة للفلبين أيضاً مساعدات عسكرية ومساعدة لمكافحة الإرهاب، في حين لقي الآلاف من المشتبه بهم في تجارة المخدرات حتفهم في "حرب المخدرات".
وفضلاً عن ذلك، قدمت الولايات المتحدة مساعدات أمنية للجيش والشرطة في نيجيريا، في الوقت الذي يتعرض فيها المتظاهرون السلميون لحملات قمع عنيفة. وبعد ما يقرب من 20 عاماً من أحداث 11 سبتمبر/أيلول، تتعاون الولايات المتحدة مع دول حول العالم في استخدام القوة المميتة، بتكلفة مالية وبشرية كبيرة. والخسائر المترتبة على هذا التعاون الأمني لم تُقَّدَّر عواقبها بعد.