على مدار الأيام القليلة الماضية، حظيت الانتخابات الداخلية لحركة حماس في قطاع غزة باهتمام وسائل الإعلام المحلية والإسرائيلية والإقليمية، في مشهد يعكس مدى الاهتمام بما ستسفر عنه نتائج هذه الانتخابات على كافة هذه الأصعدة.
وانتهت الانتخابات يوم 10 مارس/آذار، بإعلان فوز يحيى السنوار بولاية ثانية لرئاسة حركة حماس في قطاع غزة، في وقت كانت تنظر فيه الحكومة الإسرائيلية بترقب كبير لما ستسفر عنه النتائج خصوصاً في ظل تقارب الأصوات بين المتنافسين.
وتابع الإسرائيليون باهتمام بالغ نتائج الانتخابات الداخلية للحركة، فكتب أليئور ليفي، في صحيفة يديعوت أحرونوت، أن "نتائج الانتخابات الداخلية لحماس ستؤثر على مسار التنظيم الذي يسيطر على غزة في السنوات المقبلة، كما أن الحركة تشهد في هذه الأيام منافسات شديدة للوصول إلى قيادتها، مما سيكون له انعكاسات على طريقة وسياسات الحركة الخارجية".
وشهدت الانتخابات التي انطلقت في مطلع فبراير/شباط 2021، منافسة شديدة بين السنوار وعضو المكتب السياسي للحركة نزار عوض الله، شملت إجراء أربع جولات إعادة بسبب تقارب النتائج، ليحسمها السنوار في الجولة الأخيرة بأغلبية طفيفة.
فوز السنوار يطرح بعض الأسئلة عن قيادته الجديدة لحركة حماس حتى عام 2025، ومستقبل العلاقة مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي.
فوز السنوار والتوقعات الإسرائيلية
نظرت إسرائيل باهتمام كبير لهذا التقارب في التنافس والذي استلزم إعادة التصويت عدة مرات، قبل أن يحسم السنوار الوضع. وذكر الكاتب الإسرائيلي في صحيفة معاريف تال ليف في تغريدة له، قبل إعلان النتائج النهائية بفوز السنوار، أننا "أمام دراما حقيقية في غزة، التقديرات الاستخبارية تشير إلى فوز السنوار، وسيكون لذلك انعكاس علينا".
فوز السنوار بـ167 صوتاً مقابل 147 صوتاً لصالح عوض الله، يعني أن نصف أعضاء مجلس شورى الحركة في قطاع غزة تقريباً لم يكونوا مع بقاء السنوار، وهو ما كانت تنظر له إسرائيل بكثير من الاهتمام.
سعيد بشارات، رئيس تحرير شبكة الهدهد للشؤون الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست" إن الاهتمام الإسرائيلي بنتائج انتخابات حركة حماس كان استثنائياً في هذه الدورة الانتخابية، فالتوقعات الاستخبارية الإسرائيلية كانت تشير إلى أن حماس ستواجه أزمة في قواعدها التنظيمية بسبب وجود آراء ووجهات نظر لتأجيل هذه الجولة الانتخابية لما بعد استحقاق الانتخابات التشريعية.
وأضاف أن التوقع الإسرائيلي كان يشير إلى أن تشهد الحركة تمرداً داخلياً في حال لم تكن نتائج الانتخابات لصالحها، ولكن هذا التقدير الاستخباري كان مخطئاً، وحاولت إسرائيل أن تبث أشكالاً من الدعاية الموجهة عبر مراسليها للتأثير على سير العملية الانتخابية، على أمل أن يسهم ذلك في إضعاف الحركة والتأثير على قرارها.
أزمات داخلية أمام السنوار
خاضت حركة حماس هذا الاستحقاق الانتخابي في ظروف تشهد فيه الأراضي الفلسطينية استحقاقاً سياسياً هاماً يتمثل في التحضير لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، الأمر الذي وضع الحركة في دائرة الضوء والتركيز الإعلامي، لمعرفة توجهات قيادتها الجديدة فيما يخص الاستمرار بنهج القيادة السابقة، أو العدول عنها من خلال تبني سياسة مختلفة.
كما تواجه الحركة في غزة أزمات كبيرة تتعلق باستمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ العام 2007، الأمر الذي ساهم في تردي الوضع الاقتصادي لمئات الآلاف من الأسر، رغم تبني قيادة الحركة في دورتها السابقة في العام 2017 خيار "كسر الحصار" كعنوان رئيسي لها، فإنها لم تنجح بتحقيقه حتى اللحظة.
حسام الدجني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة، قال لـ"عربي بوست" إن السنوار في دورته الجديدة يواجه رزمة من الملفات التي تحتاج إلى حسم، أولها ملف الإصلاحات الداخلية داخل الحركة، في ضوء تصاعد حدة الانتقادات التي خرجت من بعض قيادات الحركة، لطبيعة النظام الانتخابي السائد في الحركة، والذي يحتاج إلى إعادة النظر فيه، من خلال منح القيادات الوسطى والشباب دوراً أكبر فيه.
وأضاف الملف الثاني هو إدارة قطاع غزة، فالأوضاع الاقتصادية التي تزداد سوءاً عاماً بعد عام، يحتاج إلى أن يعيد السنوار النظر في الاستراتيجية التي تتبناها الحركة في إدارة الشأن العام لغزة، سواء من خلال فتح المجال أمام توظيف أكبر للعاطلين عن العمل عبر مشاريع التوظيف، وضرورة أن تقف حماس بوجه قرار السلطة الأخير بالتنقيب عن حقول الغاز في غزة، دون أن يكون للحركة رأي في هذا الاتفاق.
الأسرى والوضع الاقتصادي على قائمة أولويات السنوار
كان من اللافت أن يخرج السنوار بعد ساعات قليلة من فوزه برئاسة الحركة في قطاع غزة ليتحدث بإيجاز عن ملفين رئيسيين؛ الأول موجة للأسرى الفلسطينيين داخل السجون، بوضع الحركة قضيتهم كأولوية في ولايته القادمة. والملف الثاني هو وعده بتحسين الأوضاع الاقتصادية لسكان القطاع.
هذا يشير إلى أن الأولوية الجديدة لقيادة الحركة ستنحصر في ملفين رئيسيين؛ الأول يتعلق بتحسين أوضاع سكان القطاع الاقتصادية، والثاني مرتبط بإنهاء ملف الجنود الإسرائيليين لدى حماس.
العلاقة مع إسرائيل وملف الجنود
أوضح إياد القرا، رئيس التحرير السابق لصحيفة فلسطين المقربة من حماس، لـ"عربي بوست"، أن ملف العلاقة مع إسرائيل مرتبط بسلوكها هي، فالسنوار خلال ولايته الأولى في رئاسة الحركة بغزة، وضع ضوابط تحدد العلاقة بين حماس وإسرائيل، والكرة بالملعب الإسرائيلي لتحديد شكل العلاقة التي تراها مناسبة مع حركة حماس.
وبخصوص صفقة التبادل، يرى القرا أن "هذا الملف يعد محسوماً بالنسبة لحماس، فلا صفقة على المقاس الإسرائيلي، ما لم يشمل ذلك الإفراج عن أسرى فلسطينيين".
وأضاف أن الولاية الثانية للسنوار ستضع بعين الاعتبار قضية الأوضاع الاقتصادية لسكان القطاع، لذلك تحاول حماس من خلال سلوكها السابق ألا تضع العراقيل في طريق إتمام المصالحة مع حركة فتح، كون المصالحة الفلسطينية ستشكل نقطة لتخفيف الضغط الاقتصادي الواقع على الحركة.
تغييرات مطلوبة في السياسة الخارجية
وفيما يخص العلاقة بين حماس والدول المحيطة بها، فيرى حسام الدجني أنه على حماس أن تعيد النظر في علاقاتها مع بعض الدول، وأن تحاول الوقوف على مسافة واحدة بين دول الإقليم، لما لذلك من تبعات على صورة الحركة، خصوصاً في مرحلة تجديد النظام السياسي بعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.