هل يجلس الإثيوبيون والسودانيون على طاولة المفاوضات ؟ لهذه الأسباب يبدو الأمر الآن مستحيلاً

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/12 الساعة 09:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/12 الساعة 09:53 بتوقيت غرينتش
رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان مع رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد/رويترز

منذ أن تجدد النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا، طُرحت وساطات إقليمية ودولية، لكنها لم تبارح محطة "طلب التهدئة" من البلدين.

فبالرغم من اتصالات كثيفة من الاتحادين الإفريقي والأوروبي وجنوب السودان، فإنها لم تثمر حتى الآن قبول الجارتين بالجلوس إلى طاولة الحوار.

وفي 24 فبراير/شباط الماضي، قال المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة السوداني، العميد الطاهر أبوهاجة، إن إثيوبيا ترفض الحوار؛ لأنه ليس لديها حجج وبراهين تثبت بها حقها.

وأضاف أن "إثيوبيا تقول إنها تُريد التفاوض حول الحدود، لكنه مشروط بانسحاب قواتنا"، ومن يستمع لهذا الحديث "يظن أن إثيوبيا هي الضحية والمظلومة".

وجددت إثيوبيا، في 23 فبراير/شباط، مطالبتها السودان بسحب جيشها من أراضٍ سيطرت عليها بمنطقة "الفشقة"، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

عناصر من ميليشيات منطقة أمهرة يستقلون شاحنتهم أثناء توجههم لمواجهة جبهة تحرير شعب تيغراي في سانجا، إثيوبيا/ رويترز

وبعد ساعات، ردت الخرطوم بالتشديد على أنها لن تنسحب من أراضي "الفشقة" (شرق)، مؤكدة أن جيشها استعاد، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أراضي سودانية كانت تسيطر عليها "ميليشيات إثيوبية" منذ 25 عاماً.

وقال المتحدث باسم الخارجية السودانية، منصور بولاد، في تصريح سابق للأناضول: "موقفنا هو عدم الانسحاب من الأراضي التي تم استردادها من القوات الإثيوبية في منطقة الفشقة على الحدود الشرقية؛ فهي أراض سودانية بموجب اتفاقية 1902".

والنزاع في منطقة "الفشقة" الحدودية قديم، لكنه ظل بين مزارعين إثيوبيين وسودانيين، حيث يهاجم مسلحون إثيوبيون مزارعين سودانيين بغرض السلب والنهب، وكثيراً ما سقط قتلى وجرحى، وفق الخرطوم.

وتتميز أراضي "الفشقة" السودانية، البالغة مساحتها 251 كيلومتراً مربعاً بخصوبتها الزراعية، وهي مقسمة إلى ثلاث مناطق: "الفشقة الكبرى" و"الفشقة الصغرى" و"المنطقة الجنوبية".

ويتهم السودان الجيش الإثيوبي بدعم ما يصفه بـ"الميليشيات الإثيوبية"، وهو ما تنفيه ديس أبابا، وتقول إنها "جماعات خارجة عن القانون".

موانع داخلية

الخوف من التصعيد بين الجارتين، وما قد تكون له من تداعيات على منطقة القرن الإفريقي بأكملها، دفع أطرافاً عديدة إلى التدخل، أحدثهم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.

ففي 22 فبراير، أجرى غوتيريش مكالمتين هاتفيتين مع رئيسَي وزراء السودان وإثيوبيا، للمساعدة في خفض التوتر، وفق المتحدث باسمه، ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحفي.

ووفق أمين إسماعيل مجذوب، محلل سياسي سوداني، فإن "الأزمة بين السودان وإثيوبيا أخذت وقتاً طويلاً ومنحى من التعقيد المستمر؛ بسبب مناورات إثيوبيا لكسب الوقت".

وأضاف مجذوب للأناضول أن "إثيوبيا لديها مهارات كبيرة في علم التفاوض، وتعمل الآن للاستفادة من الأزمة لإدارة أزماتها الداخلية، وكسب الوقت لإجراء الملء الثاني لسد النهضة المتوقع في يوليو/تموز المقبل، وكذلك إدارة أزمة إقليم تيغراي، وتهدئة الأوضاع حتى يتم حسم الشرعية والانتقال الذي يحدث إثيوبيا".

الاتجار بالبشر السودان
تواجه السودان تحديات كبيرة لمنع أنشطة شبكات الإتجار بالبشر – أرشيفية – رويترز

وتصر إثيوبيا على ملء ثانٍ للسد حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق مع السودان ومصر، بينما تتمسك الأخيرتان، وهما دولتا مصب نهر النيل، بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي، حتى لا يتم الإضرار بحقوقهما المائية.

​​​​​​​وبالنسبة للسودان، قال مجذوب إن "به متغيرات كبيرة تؤثر في عدم الدخول في تفاوض حالياً، وهي الأزمة الداخلية الخاصة بالاستقرار السياسي وتطبيق اتفاق السلام على الأرض".

ووقعت الحكومة السودانية وحركات مسلحة في "الجبهة الثورية" اتفاق سلام في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتابع أن "الوساطات التي بدأت بين الطرفين هي وساطة جنوب السودان ولم تقبلها إثيوبيا إلا بشروط، كما رفضت وساطة الاتحاد الأوروبي".

وتوقع مجذوب "قبول الطرفين بالتفاوض، فمن نواحٍ اقتصادية وعسكرية وجيواستراتيجية لا يستطيعان الدخول في حرب".

وأردف: "أعتقد أن الأمم المتحدة تستطيع إجراء هذا التفاوض عبر قرار صادر من مجلس الأمن، ومن دون ذلك صعب أن يكون هناك وسيط قوي يتمتع بقبول لدى الطرفين".

وضع معقد

في 18 فبراير/شباط بدأت تحركات إفريقية دشنها مبعوث الاتحاد الإفريقي، محمد الحسن ولد لبات، بلقائه رئيسي مجلس السيادة والوزراء في الخرطوم، بهدف خفض التوتر بين السودان وإثيوبيا.

كما أعلنت وزيرة الخارجية السودانية، مريم المهدي، أنها تسلمت، في 20 فبراير، رسالة من رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي، تتعلق بتخفيف التوتر مع إثيوبيا بشأن الحدود وسد "النهضة" الإثيوبي.

وسبق ذلك مبادرة سلفاكير ميارديت، رئيس جنوب السودان، التي رحبت بها الخرطوم، منتصف يناير/كانون الثاني الماضي.

فيما أعلنت أديس أبابا، في 13 فبراير/شباط، استعدادها لقبول الوساطة لتسوية النزاع، بمجرد إخلاء الجيش السوداني المنطقة التي "احتلها بالقوة".

الحرب الأهلية السودانية
الحرب الأهلية السودانية

ومبعوثاً من الاتحاد الأوروبي، زار بيكا هافستو، وزير خارجية فنلندا، الخرطوم يومي 7 و8 فبراير/شباط، وبحث مع مسؤولين سودانيين التوترات الحدودية مع إثيوبيا، ثم توجه إلى أديس أبابا للغرض ذاته.

وأعرب عطاف محمد المختار، محلل سياسي سوداني، عن اعتقاده بأن هذه الوساطات لا يمكن أن تنهي التوترات، فـ"القضية عميقة جداً".

وتابع المختار للأناضول أن "الأزمة شائكة، فالجيش السوداني أعاد انتشاره على أراضيه التي تغول عليها الإثيوبيون، لاسيما المتقاعدين من الجيش الإثيوبي في السنوات الماضية، ما جعل المنطقة عسكرية للجانب الإثيوبي، بالإضافة إلى استثمار قومية الأمهرا (الإثيوبية) في الأراضي السودانية، لا سيما منطقة الفشقة، من نافذين في إثيوبيا".

وأردف: "كما أنه لا يستطيع أحد أن يطالب السودان بسحب قواته من أراضيه التي أعاد استرجاعها، وهي مسألة تتفق عليها كل مكونات السلطة الانتقالية، عسكريين ومدنيين والشعب".

ورأى أنه "لا يمكن لآبي أحمد (رئيس وزراء إثيوبيا) أن يتخذ بمفرده قراراً بوقف التصعيد؛ لأن الأمهرا يقفون إلى جانبه في حربه على قومية التيغراي، ولا يستطيع أن يردعهم ويوقفهم من تأجيج الحرب في المناطق الحدودية مع السودان".

وزاد بأن "الوضع مقعد لا يستطيع أحد السيطرة عليه، خاصة أن ملف سد النهضة من الملفات المشتركة بين البلدين، ولا أعتقد أن إثيوبيا تريد سلاماً، خاصة أنهم في المفاوضات السابقة كانت استراتيجيتهم المناورات وإطالة أمد التفاوض وفرض سياسة الأمر الواقع".

ويطالب السودان بوضع العلامات الحدودية مع إثيوبيا بناء على اتفاقية 15 مايو/أيار 1902، التي وقعت في أديس أبابا بين إثيوبيا وبريطانيا (نيابة عن السودان).

فيما ترفض أديس أبابا الاعتراف بتلك الاتفاقية، وتطالب بالحوار لحسم الخلافات حول الحدود.

تحميل المزيد