“ترامب حذر منها”.. خطة الصين لغزو تايوان تسعى لتجاوز عجز بكين التاريخي أمام الجزيرة الحصينة

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/10 الساعة 14:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/14 الساعة 20:50 بتوقيت غرينتش
"لياونينغ" أول حاملة طائرات صينية تشارك في عرض عسكري/رويترز

هل تغزو الصين تايوان خلال السنوات القادمة؟. بات هذا السؤال يتردد في الأوساط الغربية واليابانية بشكل كبير، في ظل تزايد أسباب التوتر الذي تدفع لهذا الاحتمال داخل الصين وتايوان على حد سواء.

وحذر الأدميرال فيليب ديفيدسون، الضابط العسكري الأعلى في واشنطن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ مؤخراً من أن الصين قد تغزو تايوان في غضون السنوات الست المقبلة مع تسريع بكين لتحركاتها لتحل محل القوة العسكرية الأمريكية في آسيا، حسبما نقلت عنه The Guardian البريطانية.

ما موقف الشعب التايواني من الوحدة مع الصين؟

طبيعة الارتباط والعلاقة مع الصين مسألة غامضة ومحل خلاف داخل تايوان نفسها.

فتايوان كانت منفصلة فعلياً عن الصين لما يقرب من مئة عام، ولكن وضعها القانوني ملتبس حالياً.

واقعياً لم تكن تايوان جزءاً من الصين إلا في عهود قريبة، وكان سكانها مختلفين عرقياً ولغوياً عن الصين، إلى أن بدأ بعض الصينيين من المقاطعات الجنوبية يهاجرون للجزيرة خلال القرن الثالث عشر، ولكن ظل الاستيطان الصيني محدوداً، حتى مجيء الاحتلال الهولندي في القرن السابع عشر، والذي دخل في صراعات مع السكان الأصليين وقوى صينية مختلفة.

اللافت أن الهولنديين شجعوا هجرة الصينيين من جنوب البلاد لأسباب تجارية. 

وانتهت صراعات هذه الفترة، بضم تايوان للصين عام 1683، ولكن ظلت المناطق الداخلية التي يسكنها السكان الأصليون غير خاضعة لسيطرتها، فيما تم إكساب المناطق الساحلية الطابع الصيني، وخضعت الجزيرة للحكم الصيني لنحو 200 عام.

ولكن في ختام الحرب الصينية اليابانية الأولى في عام 1895، تنازلت إمبراطورية تشينغ الصينية عن تايوان لإمبراطورية اليابان، وفي ختام الحرب العالمية الثانية والحرب الصينية اليابانية الثانية في عام 1945، تم وضع تايوان تحت سيطرة الصين نيابة عن الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.

في 1949-1950، طرد الحزب الشيوعي الصيني حكومة الكومينتانغ من بكين فهربت لتايوان، في ختام الحرب الأهلية الصينية. 

سيطر حزب الكومينتانغ على تايوان وفرض حكماً  ديكتاتورياً، واعتبر البلاد ممثلة للصين الكبرى، وكانت حكومة تايوان بالفعل ممثلة للصين في الأمم المتحدة حتى السبعينيات. 

وجلب حزب الكومينتانغ معه، نخبة من بر الصين الرئيسي (من بكين وشمال الصين بشكل كبير)، وقدر عددهم عند تأسيس البلاد بـ1.2 مليون أغلبهم من العسكريين العاملين بالحكومة وكانوا يمثلون أقل من 15 % من سكان البلاد، ومثلت هذه النخبة الطبقة الحاكمة في تايوان، ذات الميول الصينية التقليدية (معادية للحزب الشيوعي وتعتبر نفسها حكام الصين الشرعيين).

شيانغ كاي شيك آخر رئيس لجمهورية الصين قبل الحكم الشيوعي والذي أصبح رئيساً لتايوان حتى عام 1975 مع الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور خلال زيارة الأخير إلى تايبيه في يونيو 1960/ ويكيبيديا
شيانغ كاي شيك آخر رئيس لجمهورية الصين قبل الحكم الشيوعي والذي أصبح رئيساً لتايوان حتى عام 1975 مع الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور خلال زيارة الأخير إلى تايبيه في يونيو 1960/ ويكيبيديا

وواصلت جمهورية الصين الشعبية وحزب الكومينتانغ القول بأن "الحرب الأهلية الصينية لم تنته بعد"، وهكذا طور هذان المعسكران السياسيان المتعارضان "إجماع 1992″ من أجل ترسيخ مكانة تايوان كمقاطعة تابعة لـ"الصين". 

مع النضال الشعبي في تايوان من أجل الديمقراطية الذي لعبت فيه الأغلبية المهاجرة من جنوب الصين قبل قرون (يتكلمون لهجات أو لغات مختلفة من الصينية الرئيسية، وتعرضوا لضغوط تاريخياً للحديث باللهجة الصينية الرئيسية)، دوراً في مقاومة الحزب الحاكم المدعوم من الأقلية المهاجرة من الصين في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين.

في مقابل مفهوم  دولة واحدة، كان الحزب الديمقراطي التقدمي يحاول تطوير "إجماع على اعتبار تايوان دولة مستقلة".

واللافت هنا أنه رغم أن الحزب الشيوعي وحزب الكومينتانغ خصمان تاريخيان منذ زمن الحرب الأهلية، ولكن يتقاربان في نظرتهما إلى فكرة أن تايوان جزء من الصين، حتى لو لم تكن الفكرة صريحة لدى الكومينتانغ، ويميل لتبنيها بشكل غامض ومتذبذب.

كان هذا يسمح بإمكانية إيجاد حل سياسي مشابه لمبدأ دولة ونظامين الذي اتبع مع عملية ضم هونغ كونغ للصين، ولكن مع صعود التيار الاستقلالي في تايوان يصبح هذا الخيار أصعب، خاصة مع الأجيال الجديدة من التايوانيين الأكثر ميلاً للاستقلال.

وحالياً يتم دعم استقلال تايوان داخلياً، من قبل تحالف عموم الخضر في تايوان ولكن معارضة من قبل تحالف عموم الأزرق، الذي يسعى إلى الاحتفاظ بالوضع الراهن الغامض إلى حد ما.

بكين أيضاً تغيرت

على الجانب الصيني، تزداد بكين جرأة وعدوانية في التعامل مع تايوان سواء عسكرياً أو سياسياً، كما أن اضطهاد الصين للإيغور وموقفها الحاد في تقليل الحكم الذاتي لهونغ كونغ يشير إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ يتبنى سياسة متشددة إزاء وحدة البلاد.

ولكن التغييرات العسكرية قد تكون هي العامل الأكثر إثارة للقلق عند طرح سؤال هل تغزو الصين تايوان؟.

فعلى عكس الشائع، كانت الصين منذ انفصال تايوان، غير  قادرة عسكرياً على غزو الجزيرة لأسباب متعددة.

وبالفعل في أكتوبر/تشرين الأول 1949، تم إحباط محاولة جمهورية الصين الشعبية للاستيلاء على جزيرة كينمن التي تسيطر عليها تايوان في معركة كونينغتو.

فرغم أن الصين أصبحت دولة عظمى منذ سيطرة الحزب الشيوعي عام 1949، إلا أنها ظلت متخلفة عسكرياً تعتمد بشكل كبير على ضخامة جيشها وهو أمر لم يكن ذا تأثير في حال وقوع  حرب بحرية مع تايوان.

وحتى بعد أن بدأت الصين تحصل على أسلحة سوفييتية وتقلد بعض المعدات العسكرية السوفييتية، ظلت أسلحتها أقل بكثير من الأسلحة الغربية التي تمتلكها تايوان التي بدأت  تطور جيشاً متقدماً على النمط الغربي، وإن كان صغيراً بالنسبة للجيش الصيني.

ومع تحقيق تايوان لتجربة اقتصادية ناجحة باعتبارها واحدة من أكبر نهضات النمور الآسيوية، ظلت الفجوة التكنولوجية تتزايد، إلا أن النهضة الاقتصادية الصينية التي بدأت تظهر ثمارها في التسعينيات جاءت لتقلل من هذه الفجوة بشكل كبير، ولكن هذا لم يعنِ أنها قادرة  على غزو تايوان. 

هل تستطيع الصين غزو تايوان؟

على الورق، فإن الميزان العسكري يميل بشدة إلى بكين، إذ تنفق الصين حوالي 25 ضعفاً على جيشها أكثر من تايوان، وفقاً لتقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ولديها ميزة واضحة في كل شيء من الصواريخ والطائرات المقاتلة إلى السفن الحربية ومستويات القوات- ناهيك عن ترسانتها النووية.

لكن في الواقع، من المرجح أن يكون أي غزو صيني لتايوان أكثر خطورة مما يبدو، فلقد استعدت تايوان لواحد منذ عقود، حتى لو كافحت مؤخراً لمواكبة القدرات العسكرية المتنامية للصين، وهي لديها جيش صغير ولكن مدرب، وصناعة عسكرية محلية متصلة بالصناعات الغربية.

كما أن الجزيرة الرئيسية في تايوان لديها دفاعات طبيعية: فهي محاطة ببحار هائج مع طقس لا يمكن التنبؤ به، ويوفر ساحلها الوعر أماكن قليلة بشاطئ واسع مناسب لسفن إنزال كبيرة يمكنها جلب قوات كافية لإخضاع سكانها البالغ عددهم 24 مليون نسمة.  

والتضاريس الجبلية للجزيرة مليئة بالأنفاق المصممة لإبقاء القادة الرئيسيين لتايوان على قيد الحياة، ويمكن أن توفر غطاءً للمتمردين إذا فرضت الصين سيطرتها على الجزيرة، حسبما ورد في تقرير لموقع Japan times.

وكشفت تايوان في عام 2018 عن خطة لتعزيز القدرات غير المتكافئة مثل أنظمة الصواريخ المتنقلة التي يمكن أن تتجنب الكشف، مما يجعل من غير المحتمل أن تتمكن بكين من تدمير جميع أسلحة تايوان الدفاعية بسرعة.  

كما أنه مع وجود الآلاف من صواريخ أرض – جو والمدافع المضادة للطائرات، يمكن أن تلحق تايوان خسائر فادحة بقوات الغزو الصينية قبل أن تصل إلى الجزيرة الرئيسية.

وقام الجيش التايواني بتحصين دفاعاته حول نقاط الإنزال الرئيسية ويقوم بانتظام بإجراء تدريبات للتدريب على صد القوات الصينية التي تصل عن طريق البحر والجو.  

وستواجه القوات الصينية التي ستصل إلى الشاطئ ما يقرب من 175 ألف جندي بدوام كامل وأكثر من مليون من جنود الاحتياط المستعدين لمقاومة الهجوم. 

الخيارات الأخرى لبكين، مثل حملة القصف العشوائي التي تقتل مئات الآلاف من المدنيين، ستلحق الضرر بالهدف النهائي للحزب الشيوعي المتمثل في إظهار تايوان كأرض مستعادة يسكنها ملايين المواطنين الصينيين المخلصين، حسبما ينقل موقع Japan times عن مايكل بيكلي، الذي يقدم نصائح للبنتاغون ومجتمعات المخابرات الأمريكية في ورقة عام 2017.

الأمر يتوقف على أمريكا

تعد المشاركة المحتملة للولايات المتحدة ورقة أساسية أساسية عند تقييم سيناريو الغزو.  

غيرت واشنطن الاعتراف الدبلوماسي من تايوان إلى الصين في عام 1979، لكنها لا تزال أهم حليف غير رسمي وداعم عسكري للجزيرة.  

لعقود من الزمان، حافظت الولايات المتحدة على سياسة ردع من الغموض الاستراتيجي، رافضة القول ما إذا كانت ستساعد تايوان عسكرياً في حالة حدوث غزو.  

ولكن واقعياً لطالما منعت القوة البحرية الأمريكية الصين من أي هجوم، على الرغم من أن الولايات المتحدة ألغت معاهدة الدفاع المشترك مع تايوان في عام 1979 كشرط لإقامة علاقات دبلوماسية مع بكين في ذلك الوقت.  

وينص قانون العلاقات مع تايوان الخاصة بمبيعات الأسلحة الأمريكية "على ضرورة الحفاظ على قدرة كافية لتايوان للدفاع عن النفس".

وعلى الأرجح فإن الخوف الصيني من التدخل الأمريكي، كان عاملاً مساعداً على عدم تفكير بكين في غزو تايوان، ولكن هذا الأمر قد بدأ يتغير. 

هل تتحارب واشنطن مع الصين بسبب تايوان؟

تزداد القدرات العسكرية الصينية حتى لو تلحق بأمريكا، وأصبح لدى الصين صواريخ باليستية مهمتها إغراق حاملات الطائرات الأمريكية التي تمثل القوى الضاربة الرئيسية القادرة على منع الغزو الصيني.

كتب راي داليو، الملياردير مؤسس Bridgewater Associates، أن الفشل في التدخل قد يضر بمكانة الولايات المتحدة على نطاق مماثل لمحاولة المملكة المتحدة الفاشلة استعادة السيطرة على قناة السويس في عام 1956.  

ويعتقد بعض المحللين أن قانون مكافحة الانفصال الصيني الذي سنته بكين غامض بشأن ما قد يؤدي في الواقع إلى نشوب نزاع مسلح، وحذرت وسائل الإعلام التي تديرها الدولة في الصين من أن أي انتشار عسكري أمريكي في تايوان من شأنه أن يؤدي إلى نشوب حرب.

وسبق أن أصدرت القوات الجوية الصينية مقطع فيديو يظهر قاذفات H-6 تقوم بضربة محاكاة على مدرج يبدو وكأنه واحد في قاعدة أندرسون الأمريكية الجوية في غوام، وهي منطقة انطلاق رئيسية لأي دعم أمريكي لتايوان.  

الطائرة  الشبحية الصينية J 20
الطائرة الشبحية الصينية J 20

وذكرت غلوبال تايمز أن الصواريخ الباليستية الصينية المتوسطة مثل DF-26 يمكن أن تدمر القواعد الأمريكية بينما تسقط دفاعاتها الجوية قوة النيران القادمة، وكل هذا يمثل مصدر قلق للمخططين العسكريين الأمريكيين.  

وسبق أن حذرت دراسة أجرتها جامعة سيدني العام الماضي من أن أمريكا "لم تعد تتمتع بأولوية عسكرية" على الصين وأن القواعد الأمريكية ومهابط الطائرات والموانئ في المنطقة "يمكن أن تصبح عديمة الجدوى من خلال الضربات الدقيقة في الساعات الأولى من الصراع".

قال دانييل راسل، المسؤول الكبير السابق بوزارة الخارجية في عهد الرئيس باراك أوباما، في تايبيه في الثالث من سبتمبر/أيلول: "إن استراتيجية بكين لا تستند فقط إلى تقويض المقاومة التايوانية، بل إنها تتضمن مقامرة أيضاً بشأن كيفية تعامل الولايات المتحدة مع قضية عبور المضيق". 

بكين تشعر أن الغرب يتدهور

أقوى دافع لزيادة الإصرار الصيني هو الاقتناع المتزايد في بكين بأن النظام الغربي، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، في حالة تدهور.

في النهاية، سيحتاج الرئيس الصيني إلى الأمر بأي هجوم. في العام الماضي قال شي إن "إعادة التوحيد السلمي لتايوان مع الصين"، ستكون الأفضل على الرغم من أنه لن "يتخلى عن استخدام القوة". ووصف اندماج تايوان مع الصين بأنه "أمر لا بد منه للتجديد العظيم للأمة الصينية في العصر الجديد"- وهو السبب الرئيسي الذي استخدمه لتبرير إلغاء حدود الفترة الرئاسية ليصبح أقوى زعيم للصين منذ ماو تسي تونغ.

بينما يحمل الغزو مخاطر هائلة على الحزب، أظهر الرئيس الصيني أنه سيتخذ إجراءات قوية بشأن النزاعات الإقليمية. 

واللافت أنه رغم موقف ترامب الحاد من الصين، إلا أن الرئيس دونالد ترامب عبر نفسه عن شكوكه بشأن استراتيجية تايوان، وكان المرشح الديمقراطي جو بايدن قد قال في وقت سابق إن على الكونغرس أن يقرر ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة الدفاع عن تايوان في أي هجوم.

الصين لا تستطيع غزو تايوان ولا تريد في الأغلب.

ولكن سياسياً، احتمال حل الأزمة سلمياً يتضاءل، واستمرار نمو القوة العسكرية الصينية سيجعل التدخل الأمريكي بعد سنوات أقل احتمالاً، والقدرة على هزيمة القوات التايوانية، أقل صعوبة.

ولعقود لم يكن لدى الصين السفن اللازمة لغزو تايوان مع أنظمة الدفاع الملائمة، ولا القدرات الجوية القادرة على ذلك.

الآن تمتلك الصين هذه القدرة كما يتضح من سلوكها التخويفي الأخير في مضيق تايوان. بينما اعتادت الصين إطلاق صواريخ على المضيق للإشارة إلى غضبها من تايوان، يمكنها الآن إطلاق طائرات في مجالها الجوي.

لم يعد الأمر كما كان الحال في التسعينيات، حين كان وجود حاملة طائرات أمريكية في مضيق تايوان كافياً لردع الصين، حسبما ينقل موقع ABC  الأمريكي عن الدكتورة ماسترو، الخبيرة في الشؤون العسكرية الصينية:

"والآن يذكرون الولايات المتحدة بأنهم يستطيعون إغراق هؤلاء إذا أرادوا ذلك، وبافتراض أن الولايات المتحدة لا تغير موقفها العسكري أو استراتيجيتها بشكل جذري"، قالت الدكتورة ماسترو إنها تتوقع أن تتمكن الصين من غزو تايوان "بنجاح بثقة عالية بحلول عام 2028".

ومع ذلك قالت إن ضباط الجيش الصينيين يعتقدون أن البلاد ستكون جاهزة في وقت أقرب بكثير- في وقت مبكر من العام أو العامين المقبلين.

تحميل المزيد