جاءت دعوة الإمارات والسعودية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وهجوم أبوظبي على قانون قيصر الأمريكي الذي يعاقب من يتعامل مع النظام السوري، لتفتح الباب على تساؤلات حول أهداف هذه المواقف المفاجئة التي جاءت خلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للبلدين.
وبات السؤال المحوري، هل تمهد هذه المواقف لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية فقط أم أنها تسعى أيضاً إلى التقارب مع روسيا، في ظل قلق السعودية والإمارات من سياسات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وقال وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في أبوظبي، الثلاثاء 9 مارس/آذار 2021، إن عودة سوريا إلى محيطها أمر لا بد منه، معتبراً أن "عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في مصلحتها ومصلحة البلدان الأخرى في المنطقة".
واعتبر أن التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو "قانون قيصر" الأمريكي.
وبدت مواقف السعودية أكثر تحفظاً، إذ ربطت بين عودة سوريا وبين تحقيق المصالحة الداخلية، ولم تتطرق إلى قانون قيصر الأمريكي.
وقال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في اليوم التالي للتصريح الإماراتي إن الأزمة السورية تتطلب حلاً سياسياً، معتبراً أن سوريا في حاجة إلى العودة للحضن العربي والتمتع بالاستقرار والأمن.
وأوضح وزير الخارجية السعودي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، اليوم الاربعاء، أن حل الأزمة في سوريا يتطلب توافقاً بين أطراف الأزمة من معارضة وحكومة.
وكان لافتاً قول الوزير السعودي:" نحن متفقون مع أصدقائنا الروس على أهمية إيجاد مسار سياسي يؤدي إلى تسوية واستقرار الوضع في سوريا لأنه لا وجود لحل للأزمة السورية إلا من خلال المسار السياسي".
تحذير صارم من إدارة ترامب من مغبة اختراق قانون قيصر
ولأول مرة تُظهر السعودية بوادر لاستعدادها لقبول عودة سوريا للجامعة العربية، حيث يُعتقد أن موقفها كان الحاجزَ الرئيسي أمام هذه العودة.
وعلى العكس من الرياض، لدى الإمارات علاقة وثيقة ومعلنة مع النظام السوري، دفعت الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى تحذير الإمارات، تحديداً في يونيو/حزيران 2020، من تطبيق قانون قيصر على جهات إماراتية، في أعقاب إحياء العلاقات الدبلوماسية بين أبوظبي ودمشق.
ولكن رد الفعل الأمريكي على التصريح الإماراتي الأخير، لاسيما جاء أقل حدة من موقف إدارة ترامب (الذي كان حليفاً قوياً لأبوظبي).
ويستهدف قانون قيصر أي فرد أو كيان يتعامل مع النظام السوري، بغض النظر عن جنسيته، ويركز على 3 قطاعات، هي جيش النظام السوري، وصناعة النفط والغاز المحلية، وإعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ويفرض عقوبات على أي شخص يقدم الدعم أو المساندة للحكومة.
ويهدف القانون إلى الضغط السياسي والاقتصادي على الحكومة السورية، لإجبار الأسد على وقف هجماته ودعم الانتقال السياسي في سوريا، في إطار احترام حكم القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع محيطها.
رسالة إماراتية سعودية بطعم روسي قوي
كان لافتاً أكثر أن الهجوم على قانون قيصر من قبل وزير الخارجية الإماراتي، وكذلك حديث وزير الخارجية السعودي عن ضرورة عودة سوريا للجامعة العربية، قيلا في مؤتمرين صحفيين مشتركين منفصلين مع نظيرهما الروسي سيرغي لافروف
ما قد يشير إلى أن هذه الدعوة لعودة سوريا للجامعة وانتقاد القانون لا تتعلق فقط بموقف الإمارات المساند للنظام السوري فقط أو رغبة سعودية في عودة العلاقة مع الأسد، بل ترتبط أيضاً بمحاولة أبوظبي والرياض إرسال نكزات ورسائل خفيفة للحليف الأمريكي، في وقت تخشى الدولتان من تغيُّر سياسة واشنطن تجاههما، بعدما فقدا دونالد ترامب حليفهما المقرب، خاصة أن السعودية باتت علاقتها بواشنطن أكثر تعقيداً حتى من أبوظبي جراء نشر التقرير الاستخباراتي الأمريكي الذي حمل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المسؤولية عن مقتل جمال خاشقجي.
رسائل سابقة
وأبرمت الإمارات بشكل مبدئي صفقة لشراء طائرات إف 35 الشبحية وطائرات مسيرة، مع أمريكا، في نهاية عهد ترامب بموافقة إسرائيلية، ولكن لا يعرف مصيرها بعد مجيء بايدن وإعلانه نهاية الدعم الأمريكي العسكري للتدخل السعودي الإماراتي في اليمن، وبحث وقف مبيعات الأسلحة التي يمكن أن تستخدم في اليمن، ومراجعة صفقات الأسلحة التي أبرمها ترامب مع السعودية والإمارات.
كما جرى تداول حديث عن تفاوض سعودي مع روسيا من أجل الحصول على أنظمة صواريخ إس 400 مع نشر التقرير الاستخباراتي الأمريكي الذي يتهم الأمير محمد بن سلمان بأنه مسؤول عن اغتيال خاشقجي.
وحتى قبل مجيء إدارة بايدن، وفي معرض الضغوط التي مارسها يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، لإتمام صفقة طائرات إف 35، لمّح العتيبة إلى إمكانية ذهاب بلاده إلى دول أخرى كمصدر للتسليح، وسط أحاديث سابقة عن إمكانية شراء أبوظبي لطائرات سوخوي 35 الروسية، أو حتى الطائرة الشبحية سوخوي 57، التي سبق أن عرضتها موسكو على الإمارات.
وبالتالي قد يمثل هذا التصريح الإماراتي المنتقد لقانون قيصر محاولة إماراتية لجس النبض على محورين، الأول إظهار أن أبوظبي ماضية في توثيق علاقتها مع روسيا في ملفات عدة، والثاني في الملف السوري، عبر محاولة تخفيف الضغط عن الأسد ومحاولة تطبيع قبوله عربياً ودولياً خاصة أن قانون قيصر بات له تداعيات شديدة على الاقتصاد السوري لاسيما الليرة.
علاقة غريبة مع بشار الأسد
على عكس السعودية التي ليس لديها علاقات معروفة بالأسد، تنسج أبوظبي علاقة غريبة مع النظام السوري، رغم أنه يفترض أنه تابع لإيران التي تحتل جزرها الثلاث، وتهدد دول الخليج برمتها.
ولكن العداء المشترك الذي يجمع بين الأسد والرجل القوي في الإمارات الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي تجاه الديمقراطية والربيع العربي والإسلام السياسي المعتدل، يبدو أنه أكبر من كل الخلافات الاسراتيجية والمذهبية والسياسية.
وتظهر الدوافع الخفية لهذه العلاقة الوثيقة بين سوريا والإمارات، في العرض الذي قدمه الشيخ محمد بن زايد للأسد في بداية عام 2020 لمنحه 3 مليارات، وفقاً لما كشفه تقرير للصحفي البريطاني ديفيد هيرست، نشره موقع Middle East Eye البريطاني، في أبريل/نيسان 2020.
ومقابل هذا المبلغ، طلب أبوظبي من الأسد أن يحطم وقف إطلاق النار في إدلب الذي أبرم بوساطة روسية بين تركيا وقوات النظام السوري، بعد أن تدخلت تركيا بشكل غير مسبوق لمواجهة خرق الأسد لتفاهمات وقف إطلاق النار وهجومه على المعارضة السورية في إدلب.
وهو العرض الذي أغضب روسيا حليفة الأسد، والولايات المتحدة الأمريكية حليفة الإمارات على حد سواء.
كان هذا العرض بمثابة حلقة جديدة من دور إماراتي خفي للتلاعب بالثورة السورية منذ نشأتها، وبدأ هذا الدور في فترة كانت الإمارات فيها جزءاً من الناحية الشكلية، على الأقل، من التحالف العربي الغربي الداعم للثورة السورية في مواجهة نظام الأسد المدعوم من إيران، ولكن سرعان ما تكشف أن أبوظبي تستغل قربها من الثورة السورية لإضعاف صف الثوار وتفتيتهم ليتسنى للروس والأسد القضاء عليهم مثلما حدث في درعا بجنوب سوريا.
دمج الأسد في موجة التسويات بالمنطقة وأهداف اقتصادية
بالنسبة للإمارات، الخصم الرئيسي مازال هو تركيا وحلفاءها رغم التهدئة في الآونة الأخيرة.
ولقد تعرض نفوذ أبوظبي السياسي لضربة في ليبيا نتيجة هزيمة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، والمضي في التسوية، واضطرت الإمارات أيضاً للقبول بإنهاء المقاطعة لقطر، وهي تريد بعد هذه التراجعات إنقاذ حليفها الأسد، الذي تتميز علاقتها معه بأن باطنها أكبر من ظاهرها، ويبدو أنها عبر استهداف قانون قيصر تريد ضمه لقطار التسويات في المنطقة.
كما أن الإمارات لديها طموح اقتصادي في سوريا يكبحه قانون قيصر، وهذا الدور كان يجرى عبر العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وسوريا، التي استمرت حتى في عهد التأييد الشكلي الإماراتي للثورة السورية، ولعب رجال الأعمال المقربون للنظامين دوراً مهماً كحلقة وصل في هذه العلاقة، وكذلك يتعلق الجانب الاقتصادي برغبة إماراتية في أن تنال نصيباً من كعكة الإعمار السورية.
وهو ما بدا واضحاً في انتقاد وزير الخارجية الإماراتي لتأثير قانون قيصر على عمل القطاع الخاص وليس الدول فقط.
ماذا نفهم من رد الفعل الأمريكي؟
اللافت أنه بينما حذر الممثل الأمريكي الخاص المعني بشؤون سوريا في عهد الإدارة السابقة، جيمس جيفري قبل 8 أشهر، الإمارات من التقارب مع بشار الأسد أو اختراق قانون قيصر، قائلاً إن "أبوظبي تعلم أننا نعارض بشكل مطلق اتخاذ دول خطوات دبلوماسية تجاه سوريا"، فإن رد فعل الإدارة الحالية بدا أقل حدة (حتى الآن)، وخلا من أي عبارة تحذير للإمارات من مغبة إقامة علاقة اقتصادية مع نظام الأسد، ولم يلوح بتطبيق قانون قيصر على شركاتها.
فلقد بدا من الرد على التصريح الإماراتي أن الإدارة الأمريكية تحاول إرساء معادلة لربط أو مقايضة قانون قيصر بفتح الأسد لحوار سياسي مع المعارضة السورية، وتخفيفه لممارساته القمعية.
إذ علق متحدث باسم الخارجية الأمريكية في تصريح لموقع قناة الحرة الأمريكية، أمس الثلاثاء، على تصريحات وزير الخارجية الإماراتي، مؤكداً أهمية لجوء نظام بشار الأسد وداعميه للحوار السياسي وفتح المجال أمام المساعدات الإنسانية.
وقال المتحدث: "أعتقد أن الاستقرار في سوريا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين، ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان إبقاء الحل السياسي في متناول اليد".
وختم حديثه قائلاً: "يتحتم على النظام وداعميه الانخراط بجدية في الحوار السياسي، والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المجتمعات المحتاجة من أجل تحقيق نهاية مستدامة لمعاناة الشعب السوري".
ولكن السؤال هل تستطيع أمريكا الضغط على نظام الأسد وداعميه لفتح حوار حقيقي مع المعارضة، وألا يمكن للأسد أن يفتح حواراً مع المعارضة المستأنسة والمقربة من روسيا والتي يسمح لها الأسد بالاجتماع في دمشق، بحيث يصبح ذلك مبرراً لتخفيف العقوبات التي تسببت في ضغوط مالية كبيرة على النظام، ثم العودة مجدداً للمستوى السابق من القمع.
وفي ضوء العلاقة الوثيقة بين الإمارات والأسد، وتركز هذه العلاقة على العداء على الأجندة الديمقراطية في المنطقة، وبالتالي العداء لأغلب مكونات المعارضة السورية، ألا يمكن أن يكون هذا التصريح الإماراتي مجرد تمهيد لتحقيق هذا الهدف.
والرد الأمريكي على هجوم أبوظبي على قانون قيصر الذي يبدو هادئاً، قد يُفهم منه أن ما يحدث قد يكون أكبر من الإمارات وأن الموقفين الإماراتي والسعودي الداعيَين إلى عودة دمشق للجامعة العربية، قد يكونان جزءاً من محاولة لإطلاق تسوية واسعة في المنطقة مع إيران وأتباعها، قد تشمل الأسد، ومن الممكن أن تتوسع لتضم الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان.
ولكن تجربة الأسد والحوثيين التاريخية تحديداً، تكشف أنهما لا يقبلان شريكاً، وأن قبولهما لأي حوار هدفه الوحيد مزيد من الاستئثار.