عادت قطر لنشاطها الدبلوماسي المعتاد في المنطقة، بعد المصالحة الخليجية التي تم التوصل لها في 5 يناير/كانون الثاني الماضي، وحيث إن الدبلوماسية القطرية لم تتوقف بالأصل خلال الأزمة الخليجية ونجحت بتحقيق بعض الوساطات والاختراقات، إلا أنها تنشط الآن بشكل مكثف في ملفات إقليمية ودولية معقدة.
وخلال السنوات الماضية، نجحت الوساطة القطرية في تحجيم أو إنهاء أزمات وصراعات عديدة بالمنطقة، سواء بين دول أو جماعات سياسية أو حركات مسلحة أو حتى قوى معارضة. ويعود ذلك إلى نجاحها بتكوين علاقات مع جميع الأطراف المختلفة وكسبها لثقتهم على اعتبارها وسيطاً معتدلاً، بالإضافة إلى الأهمية التي توليها لهذا الدور الذي عرف عنها خلال الأعوام الـ20 الماضية.
أبرز الملفات التي لعبت قطر سابقاً دور الوسيط فيها
من أبرز وساطات قطر في السنوات الأخيرة، الإفراج عن أسرى جيبوتيين لدى إريتريا (2016)، والإفراج عن جنود لبنانيين مختطفين لدى "جبهة النصرة" (2015)، واتفاق قبيلتي "التبو" و"الطوارق" بليبيا (2015)، واتفاق دارفور غربي السودان (2013)، ومفاوضات الحكومة الأفغانية وواشنطن مع حركة "طالبان" (متواصلة).
وكذلك المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" الفلسطينيتين (2012)، ووثيقة سلام دارفور (2011)، والمصالحة بين جيبوتي وإريتريا (2011)، و"اتفاق الدوحة" الخاص بلبنان (2008)، وأزمة الممرضات البلغاريات بليبيا (2008).
كما لعبت قطر دوراً بارزاً في التوصل إلى هدنة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل خلال الحروب التي شنتها الأخيرة على قطاع غزة أعوام 2008 و2012 و2014.
ودخلت الدوحة على خط الوساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، في محاولة لتقريب وجهات النظر بينهما في قضايا منها الاتفاق النووي. كما ترعى قطر مفاوضات سلام تاريخية بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، وقادت وساطتها إلى توقيع اتفاق تاريخي بين الحركة وواشنطن.
النشاط الدبلوماسي القطري ينطلق بقوة بعد المصالحة الخليجية
وفق بتول دوغان عكاش، الباحثة في الشؤون الخليجية، في حديث لوكالة الأناضول، فإن "وساطة الدوحة مكنتها من الجلوس على طاولة المفاوضات في مناطق شديدة الحساسية، كلبنان والسودان وسوريا وأفغانستان واليمن والاتفاق النووي مع إيران، كما أن "الملامح الرئيسية لدور الوساطة القطرية تتمثل في جلب واستضافة الأطراف في الدوحة، وإرسال مندوبين إلى هذه المفاوضات، وتقديم وعود استثمارية للأطراف لما بعد الصراع".
وتابعت عكاش أن "دور الوساطة القطري يهدف إلى إنتاج سياسة خارجية متخصصة في المنطقة وعلى الصعيد الدولي.. لذلك فإن مبدأ الوساطة في مناطق الصراع هو أحد عناصر السياسة الخارجية لقطر، منذ عهد الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة (1995-2013)".
وعززت أنشطة الوساطة "أمن قطر السياسي كدولة صغيرة الحجم وفتحت لها مجالاً للمناورة في المنطقة قبل وبعد الربيع العربي (بداية من 2011)، وزادت من مصداقيتها على الساحة الدولية"، بحسب الباحثة عكاش.
وفي الفترة التي اشتد فيها التوتر في المنطقة مع أزمة الخليج، لم تلعب قطر دوراً تنفيذياً في نقطة الوساطة، لا سيما في المشاكل الداخلية باليمن والسودان والتوتر النووي مع إيران. ولكن بعد حل الأزمة الخليجية، فإن إعلان قطر بدء جهود عملية مصالحة خليجية مع إيران، هو مؤشر هام على أنها تريد تأكيد دورها كوسيط في هذا الملف.
1- الأزمة الإيرانية
وجاءت زيارة وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، لإيران مطلع فبراير/شباط الماضي، في إطار جهود الدوحة للوساطة بين واشنطن وطهران ونزع فتيل التصعيد بالمنطقة عبر دعم الدبلوماسية للعودة إلى الاتفاق النووي (لعام 2015). والتقي "آل ثاني"، خلال الزيارة، بالرئيس الإيراني حسن روحاني، ونظيره محمد جواد ظريف.
وفي 23 فبراير/شباط الماضي، بحث وزير خارجية قطر مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، قضايا إقليمية، بينها إيران وأفغانستان. وبعدها بثلاثة أيام، عقد اجتماعاً في الدوحة مع سفراء بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي الدول الأوروبية في الاتفاق النووي مع إيران.
وشدد "آل ثاني" على "عمل بلاده الدؤوب في هذا الاتجاه وموقفها الثابت المشجع على الدبلوماسية والحوار". وأكد "استعداد قطر الدائم للعمل البناء ودعم كافة الجهود التي تصب في صالح استقرار المنطقة والأمن والسلم الدوليين".
وفي يناير/كانون الثاني 2020، أعلنت إيران تعليق جميع تعهداتها الواردة بالاتفاق النووي، رداً على اغتيال واشنطن، قبلها بأيام، قائد "فيلق القدس"، قاسم سليماني، في غارة جوية ببغداد. وفي مايو/أيار 2018، انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي الموقع بين إيران ومجموعة (5+1)، وينص الاتفاق على التزام طهران بالتخلي، لمدة لا تقل عن 10 سنوات، عن أجزاء حيوية من برنامجها النووي، وتقييده بشكل كبير، بهدف منعها من امتلاك القدرة على تطوير أسلحة نووية، مقابل رفع العقوبات عنها.
2- الأزمة اللبنانية
في ملف وساطة آخر، زار رئيس الوزراء اللبناني المكلف، سعد الحريري، الدوحة في 18 فبراير/شباط الماضي، بعد أيام من زيارة وزير خارجية قطر لبيروت.
وأجرى الحريري، المكلف بتشكيل الحكومة منذ 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مباحثات مع كل من أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ووزير خارجيتها، تطرقت إلى الصعوبات أمام تشكيل الحكومة.
وأكد أمير قطر، خلال اللقاء، دعمه للبنان، مشدداً على ضرورة الإسراع بتشكيل حكومة جديدة لمواجهة "الأزمات والتحديات". وقبلها، أعرب وزير خارجية قطر، في بيروت، عن استعداد بلاده لتسهيل ولادة الحكومة، في ظل علاقة الدوحة بجميع الجهات اللبنانية المعنية.
وجراء خلافات سياسية داخلية، يعجز لبنان عن تشكيل حكومة لتخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، التي استقالت في 10 أغسطس/آب الماضي، بعد 6 أيام من انفجار كارثي بمرفأ بيروت.
3- أزمة السودان وإثيوبيا
في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، زار نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قطر وبحث مع أميرها ووزير خارجيتها ملفات، بينها أزمتا سد "النهضة" والحدود المتنازع عليها بين السودان وإثيوبيا.
وتشهد الحدود السودانية الإثيوبية توترات، انطلقت شرارتها بهجوم مسلح استهدف قوة للجيش السوداني في جبل "طورية" (شرق)، منتصف ديسمبر/كانون الأول 2020.
وكانت هذه أول زيارة يجريها وفد سوداني رفيع المستوى للدوحة، منذ عزل الرئيس عمر البشير، في 11 أبريل/نيسان 2019.
4- السلام في أفغانستان
لا تزال قطر تضطلع بدور رئيسي في عملية السلام الأفغانية، وفي 23 فبراير/شباط الماضي، بحث مطلق القحطاني، مبعوث وزير خارجية قطر لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات، مع مسؤولين باكستانيين رفيعي المستوى مسار عملية السلام في أفغانستان.
وشملت لقاءاته كلاً من وزير الخارجية الباكستاني، مخدوم شاه محمود قريشي، ووزير الشؤون الداخلية، شيخ رشيد أحمد، وقائد أركان الجيش، الجنرال قمر جاويد باجواه.
وبوساطة قطرية، انطلقت في 12 سبتمبر/أيلول الماضي، مفاوضات سلام تاريخية في الدوحة بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان"، بدعم من الولايات المتحدة، لإنهاء 42 عاماً من النزاعات المسلحة بأفغانستان.
وقبلها، لعبت قطر دور الوسيط في مفاوضات بين واشنطن و"طالبان" أسفرت عن توقيع اتفاق تاريخي، في 29 فبراير/شباط الماضي، يقضي بانسحاب أمريكي تدريجي من أفغانستان وتبادل للأسرى.
5- تركيا والسعودية
في 8 يناير/كانون الثاني الماضي، أعرب وزير خارجية قطر عن استعداد بلاده للإسهام في وساطة بين تركيا وبعض دول الخليج. وقال "آل ثاني" إن "الخلافات بين تركيا وبعض الدول بالمجلس (التعاون الخليجي) قد تكون لأسباب ثنائية، ولا تعني قطر بشكل مباشر".
وتابع: "إذا طُلب منا الإسهام في جسر الهوة بين تركيا وأي دولة بالمجلس، نحن نرحّب بذلك، وهذا الدور في كافة الملفات". وبعد ثلاثة أيام، أعرب القحطاني عن استعداد بلاده للوساطة بين تركيا والسعودية، وكذلك بين الأخيرة وإيران.
وأردف: "إذا رأت هاتان الدولتان أن يكون لدولة قطر دور في هذه الوساطة، ففي الإمكان القيام بهذا". وتابع: "من مصلحة الجميع أن يكون هناك علاقات ودية بين هذه الدول، خاصة بين دول أساسية ورئيسية، مثل السعودية وتركيا وإيران".