يواصل إيريك برنس، مؤسس شركة "بلاك ووتر" الأمنية الخاصة الأمريكية، ومَصدر طاقة لا ينضب في مجال التعاقدات الأمنية والعسكرية الخاصة، العمل بلا توقف. ومرة أخرى، تتهمه الأمم المتحدة بتخطيط وشن "عملية مرتزقة فاشلة".
وذكرت صحيفة The New York Times، في 19 فبراير/شباط، أنَّ مجلس الأمن الدولي تسلَّم تقريراً سرياً للأمم المتحدة يوضح بالتفصيل كيف "انتهك إيريك برنس حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، من خلال إرسال أسلحة إلى قائد ميليشيا كان يحاول الإطاحة بالحكومة المدعومة دولياً". ومن منظور وطني، قد يمثل ذلك أيضاً انتهاكاً لقوانين الحياد الأمريكية.
ووفقاً للتقرير الأممي، قال مراقبو الأمم المتحدة إنهم "تبيَّنوا أنَّ إيريك برنس قدَّم اقتراحاً بالعملية لحفتر بالقاهرة في 14 أبريل/نيسان 2019، أو بتاريخ قريب منه".
كيف وضع مؤسس "بلاك ووتر" خططاً لحفتر كي يطيح بالحكومة الليبية في طرابلس؟
يكشف التقرير كيف "نشر برنس قوة من المرتزقة الأجانب، مُسلَّحة بطائرات مسيَّرة هجومية، وزوارق حربية وقدرات حرب إلكترونية، بشرق ليبيا في ذروة معركة كبرى في عام 2019". ووفقاً لتقرير لاحق صادر عن مجلة Rolling Stone، اطلع حفتر على "خطط لعملية، من شأنها استخدام طائرتي هليكوبتر هجوميتين من طراز كوبرا إتش-1، مزوَّدتين بمدافع رشاشة دوارة عيار 20 ملم وطاقم من المرتزقة الأجانب؛ للانقضاض على 11 من أعداء حفتر السياسيين، وقتلهم أو أَسرهم".
إضافة إلى ذلك، شملت العملية خطة لتشكيل فرقة إعدام لتحديد مواقع قادة معارضين لحفتر واغتيالهم. ويقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي، إنه لا ينبغي أن يُشكِّل تقرير الأمم المتحدة مفاجأة. فلم يَعُد سراً منذ أكثر من عام، أنَّ الأمم المتحدة تُدقِّق في أنشطة برنس بليبيا، كما لم تكن الهيئة الدولية هي السلطة الوحيدة التي تنظر في أنشطة برنس هناك. ففي عام 2016، أفاد موقع The Intercept بأنَّ برنس كان "قيد التحقيق من وزارة العدل الأمريكية والوكالات الفيدرالية الأخرى؛ لمحاولته التوسط في الخدمات العسكرية لحكومات أجنبية وجرائم غسل أموال محتملة".
تفاصيل مثيرة حول مغامرات "بلاك ووتر" في ليبيا
لكن بالنظر إلى القتال المُطوَّل في الحرب الأهلية الحالية في ليبيا، فإنَّ التهم الأخيرة الموجهة إلى برنس تستحق النظر الجاد فيها. وهناك العديد من الأسباب للاعتقاد بأنَّ تقرير الأمم المتحدة، المُكوَّن من 120 صفحة ويحوي توثيقاً وافياً، جدير بالثقة، أهمها أنَّ بعض نقاطه الرئيسية أُبلِغ عنها مسبقاً وعلى نطاق واسع.
ويصف تقرير الأمم المتحدة كيف انخرط 20 من المرتزقة بعد وصولهم إلى بنغازي، في يونيو/حزيران 2019، في نزاع مع حفتر، الذي اتهمهم بالفشل في تسليم طائرات الهليكوبتر القتالية أمريكية الصنع التي وُعِد بها، وشحنوا بدلاً من ذلك نسخاً مدنية مُتعَبَة من مروحيات غازيل وبوما.
وفي مايو/أيار الماضي، نشرت صحيفة The New York Times عن ذلك، وأشارت إلى أنَّ رحلة 2019 نظمتها وموَّلتها شبكة من الشركات السرية التي يسيطر عليها كريستيان دورانت أو يملك جزءاً منها، وهو موظف سابق لدى برنس.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُتهَم فيها برنس بانتهاك قوانين تحظر عمليات نقل الأسلحة. فقد أشار موقع Common Dreams الأمريكي في مقال إلى أنه "في عام 2012، اتهمت الأمم المتحدة قوته الأمنية لمكافحة القرصنة في الصومال بارتكاب أفظع انتهاك لحظر الأسلحة يصدر عن شركة أمنية خاصة"، في إشارة إلى حظر الأسلحة الدولي المفروض على الصومال. وأفاد موقع The Intercept الأمريكي أيضاً بأنَّ برنس كان هدفاً لتحقيق أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي العام الماضي حول تسليح طائرات رش المحاصيل.
وكما هو مُتوقع، نفى برنس أي تورط له، قائلاً إنه "كان في جبال وايومنغ، ثم ذهب في رحلة برية إلى ألاسكا وكندا مع ابنه". وصرح لصحيفة The New York Times: "من الصعب إدارة عملية مرتزقة من المناطق النائية في شمال إقليم يوكون".
وبحسب محاميه ماثيو شوارتز: "لم يتورط برنس في أية عملية عسكرية مزعومة في ليبيا في عام 2019، أو في أي وقت آخر. ولم يقدم أسلحة ولا أفراداً ولا معدات عسكرية لأي شخص في ليبيا".
لكن برنس معروف بكذبه، فعندما استُجوِب ضمن تحقيق المستشار الخاص روبرت مولر، وجد رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب النائب آدم شيف شهادته مُضَلِّلة للغاية لدرجة أنه أحال إريك برنس رسمياً إلى وزارة العدل للنظر في احتمال مقاضاته جنائياً بسبب شهادة الزور.
محمد بن زايد وعلاقته بمؤسس "بلاك ووتر"
من جانبه، صرَّح روبرت يونغ بيلتون، مؤلف كتاب "Licensed To Kill: Hired Guns in the War on Terror- مُصرَح له بالقتل: أسلحة مُستَأجَرَة في الحرب على الإرهاب"، الذي تابع عن كثب أنشطة برنس لسنوات، بأنَّ "ما ينقص من أوراق إحالة النائب الأمريكي آدم شيف هي المناقشة التفصيلية التي أجراها برنس عن ليبيا مع المبعوث الروسي والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد الإمارات العربية المتحدة، في سيشيل". ووُثِّق هذا الاجتماع مشفوعاً بقَسَم -أي بعد حلف اليمين- في تحقيق مولر، لكن أُغفِل بسبب التركيز على جهود برنس لإنشاء قناة خلفية روسية.
وبالنظر إلى أنَّ برنس تربطه علاقة طويلة الأمد مع محمد بن زايد وتدخُّل الإمارات في ليبيا، بالإضافة إلى تدخلها المعروف أكثر في اليمن، يبدو أنَّ محمد بن زايد موَّل جزءاً على الأقل من السعر المُعلَن البالغ 80 مليون دولار لمؤامرات ومغامرات برنس في ليبيا.
ويبدو تورط الإمارات في مؤامرة برنس أكثر احتمالاً في ضوء تقرير BuzzFeed News لعام 2018 الذي يفيد بأنَّ الإمارات استأجرت "جيشاً خاصاً صغيراً" يتألف من عملاء القوات الخاصة الأمريكية السابقين وعناصر القوات الخاصة التابعة للبحرية الأمريكية، لاغتيال أنصاف علي مايو، الزعيم المحلي لحزب "الإصلاح" السياسي الإسلامي في اليمن. وأرادت الإمارات مقتل علي مايو ليس لأنه إرهابي، لكن لأنه ندَّد بدورها في الحرب التي عصفت باليمن منذ عام 2015.
هل تدعم إدارة بايدن عقوبات ضد برنس ومنظمته "بلاك ووتر"؟
وفي الوقت الذي باءت فيه مؤامرة برنس بالفشل في ليبيا، كانت الولايات المتحدة قد أعلنت رسمياً دعمها للجانب الآخر، أي الحكومة المُعترَف بها من الأمم المتحدة في طرابلس. ولم يكن أي جهد يبذله برنس لمساعدة حفتر ليتعارض مع مصالح السياسة الخارجية الأمريكية فحسب، بل سينتهك أيضاً قوانين الحياد الأمريكية. وعلى الرغم من تقرير الأمم المتحدة الدقيق الذي يدينه، لا يزال علينا أن نرى ما إذا كانت إدارة بايدن ستدعم قريباً عقوبات مقترحة ضد برنس وعصابته.
وإذا استمر تورُّط برنس المحتمل في الفوضى والعنف في ليبيا دون عقاب، فسيعني ذلك أنَّ هذا المُحرِّك في مجال الخدمات الأمنية الخاصة سيكون حراً في التخطيط وتنفيذ عمليات المرتزقة التالية في أي مكان في العالم يعتقد أنه قادر فيه على كسب المال.