مع بطء توزيع لقاحات فيروس كورونا حول العالم وعدم حصول دول كثيرة عليها بعد، وخصوصاً الدول النامية التي قد تحتاج لأشهر أو حتى أعوام لتطعيم كامل شعوبها، تستغل شبكات من العصابات هذا الظرف وتقوم بتصنيع وتصدير وحتى بيع لقاحات مزيفة، إذ ظهرت أنواع مختلفة منها في دول عدة، ولكن يبدو أن بدايتها كانت في الصين. فما حكاية هذه اللقاحات "المضروبة"؟ وأين ظهرت؟ وما مواصفاتها؟ وخطورة انتشارها؟
لقاحات مزيفة بالآلاف ظهرت فجأة، من أين أتت؟
منظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" أعلنت، الأربعاء 3 مارس/آذار 2021، أن الشرطة في الصين وجنوب إفريقيا صادرت مؤخراً آلاف الجرعات المزيفة من لقاحات كوفيد -19، محذرة من أن هذا لا يمثل سوى "قمة جبل الجليد" في الجرائم المتعلقة باللقاحات.
وقالت وكالة الإنتربول ومقرها ليون إنه تم العثور على حوالي 2400 جرعة تحتوي على لقاح مزيف في مستودع في جيرميستون خارج جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا، حيث تم ضبط أقنعة مزيفة، وتم اعتقال ثلاثة صينيين ومواطن زامبي.
وبحسب بيان لشرطة جنوب إفريقيا، فإن الأجانب الذين تم اعتقالهم، حاولوا تسويق اللقاحات المزيفة داخل جنوب إفريقيا. ومما يدلل على أن هذه اللقاحات قد يكون مصدرها شبكات إجرامية في الصين أيضاً، هو أن الإنتربول أعلن أن الشرطة في الصين نجحت بتحديد شبكة إجرامية تبيع لقاحات كورونا المزيفة في تحقيق تدعمه وكالة الإنتربول.
وبحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، فإن الصين نجحت بمداهمة منشآت التصنيع، مما أسفر عن اعتقال حوالي 80 مشتبهاً به وصادروا أكثر من 3000 لقاح مزيف في مكان الحادث.
مم تتكون هذه اللقاحات المزيفة وما خطورة انتشارها؟
في 15 فبراير/شباط الماضي، أعلنت الصين أنها "تتخذ إجراءات صارمة ضد الجرائم المتعلقة بلقاحات كورونا"، حيث اعتقلت العشرات بتهم إنتاج وتوزيع لقاحات مزيفة والتلاعب بالأسعار والتطعيمات غير القانونية.
ونقلت رويترز عن وكالة أنباء "شينخوا" الصينية الرسمية، أن السلطات اعتقلت 70 مشتبهاً به منتصف الشهر الماضي، وأن المشتبه بهم حققوا أرباحاً أولية بنحو 18 مليون يوان (2.8 مليون دولار) عن طريق تعبئة "محلول ملحي أو مياه معدنية" في 58 ألف جرعة من اللقاحات الزائفة.
وأضافت أنه في حالات أخرى، تم بيع لقاحات مزيفة بأسعار مرتفعة، ضمن برامج التطعيم الطارئة في المستشفيات، أو تم تهريبها إلى الخارج.
وحول خطورة هذه اللقاحات، كان الإنتربول قد أصدر في بداية العام الجاري "الإشعار البرتقالي" تحذيراً للسلطات في جميع أنحاء العالم، وتنبيهاً لها إلى ضرورة الاستعداد لشبكات الجريمة المنظمة التي ستعمل على الاستفادة من أزمة لقاحات كورونا، سواء على المستوى المادي أو عبر الإنترنت.
فيما قال الأمين العام للإنتربول، يورغن ستوك: "في الوقت الذي نرحب فيه بهذه النتيجة، يجدر بنا الانتباه إلى أن ما كشف عنه ليس إلا غيضاً من فيض الجرائم المتعلقة بلقاح كورونا"، مضيفاً أنه بالإضافة إلى الاعتقالات في جنوب إفريقيا والصين، فإنه تلقى أيضاً تقارير أخرى عن توزيع لقاحات مزيفة، لافتاً إلى عدم وجود لقاحات معتمدة مصرح ببيعها عبر الإنترنت، مشيراً إلى أن "أي لقاح يُعلن عنه على مواقع الويب أو الويب المظلم (Dark Web) لن يكون شرعياً ولم يخضع للاختبارات المطلوبة، وقد ينطوي على خطر كبير".
يُذكر أن ستوك كان قد حذّر في ديسمبر/كانون الأول من ارتفاع حاد في معدلات الجريمة المرتبطة بلقاحات كورونا بعد بدء طرحها، وشمل ذلك السرقات واقتحام المستودعات والهجمات على شحنات نقل اللقاح.
ما المناطق والدول التي ظهرت فيها لقاحات كورونا المزيفة حتى اللحظة؟
- الصين وجنوب إفريقيا
في 16 فبراير/شباط الماضي، أعلنت الصين عن اعتقال زعيم عصابة استطاع الاحتيال على مستشفيات وأشخاص وجمع ملايين الدولارات من بيع محلول ملحي ومياه معدنية على أنهما لقاحات فيروس كورونا.
وبحسب المعلومات التي نقلها موقع BBC البريطاني، فإن زعيم العصابة الذي يدعى "كونغ"، قد أجرى دراسة على تصاميم عبوات اللقاحات الأصلية قبل أن يصنع ما يزيد على 58 ألف عبوة من إنتاجه الخاص، مضيفة أن الرجل استطاع تهريب دفعة من اللقاحات إلى الخارج، لم يكن معروفاً إلى أين أُرسلت في حينها، لكن يبدو أنه عرف الآن إلى أين ذهبت بعد اكتشاف آلاف اللقاحات المزيفة التي يسوق لها صينيون في جنوب إفريقيا.
وقبل هذه الحادثة، كانت الصين قد أعلنت عن اعتقالات مشابهة شملت ما يزيد على 20 حالة، من بينها حالات تم اكتشافها أواخر العام الماضي، كما رصدت السلطات الصينية حالات أخرى لبيع لقاحات مزيفة في المستشفيات بأسعار مبالغ فيها، كما استطاع مجرمون آخرون تطبيق برامج تطعيم خاصة بهم وقام "أطباء القرى" بتلقيح الناس بلقاحات مزيفة في منازلهم وسياراتهم.
- المكسيك
وغير الصين وجنوب إفريقيا، أعلنت المكسيك في 18 فبراير/شباط الماضي عن اعتقال العديد من المجرمين شمال البلاد بزعم تهريبهم لقاحات مزيفة تشابه لقاحات "فايزر" المضادة لفيروس كورونا.
وقال مساعد وزير الصحة هوغو لوبيز جاتيل في مؤتمر صحفي: "لدينا دليل مباشر على أن اللقاحات الاحتيالية بيعت لما يصل إلى 40 ألف بيزو (حوالي 2000 دولار) للجرعة الواحدة"، مضيفاً أن اللقاحات المزيفة تم تقديمها على أنها لقاحات BioNTech-Pfizer ، والتي لا تتوفر إلا في المكسيك من خلال فرق التطعيم الحكومية، مشيراً إلى أن السلطات عثرت على عيادة خاصة تعرض لقاحات مزيفة للبيع في مدينة مونتيري في ولاية نويفو ليون الحدودية.
فيما قالت وزيرة السلامة العامة المكسيكية روزا إيشيلا رودريغيز إنه "تم ضبط اللقاحات المزيفة في نويفو ليون، وهي حقيقة نأسف لها، لأن استخدام هذا النوع من التطعيمات الملفقة يعرض صحة السكان للخطر".
- شرق وغرب إفريقيا
وفي 26 فبراير/شباط الماضي، أعلنت وكالة الإنتربول أن عصابات الجريمة المنظمة لديها جميع الشبكات والأساليب اللازمة لتهريب لقاحات كورونا المزيفة في جميع أنحاء إفريقيا.
ونقلت شبكة VOA الأمريكية عن جون باتريك بروم، محلل استخبارات الجريمة في الإنتربول، قوله إن العصابات الإجرامية في شرق إفريقيا تستورد أدوية مزيفة من آسيا، ومعظمها من الصين والهند، كما هو الحال في بقية القارة. وقال إن الأدوية المزيفة تفتقر إلى أي مكونات نشطة، والعديد منها يحتوي بالفعل على مواد ضارة.
وأضاف بروم: "تدخل اللقاحات والأدوية غير المشروعة في المقام الأول السوق من شرق إفريقيا من خلال تجنب اللوائح، وهناك إجرام قائم على العنف، وهناك أيضاً فساد، وفساد على عدد من المستويات المختلفة".
ومن المتوقع أن تنتج الصين والهند الكثير من إمدادات اللقاحات في إفريقيا. ونقلت شبكة VOA عن الصحفية النيجيرية "رونا ماير"، قولها إن مسؤولين حكوميين ومسؤولين تنفيذيين في شركات الأدوية يعملون مع المجرمين لتوزيع لقاحات وأدوية مضادة لكورونا مغشوشة في غرب إفريقيا، مضيفة أن هذا بالفعل "إشارة حمراء كبيرة".
وتقول ماير إنه لن يكون هناك لقاحات كافية، ومع ارتفاع معدلات الإصابة والوفيات في بعض البلدان، سيدخل المجرمون المنتجات المقلدة إلى سلاسل التوريد. وتشير إلى أنهم فعلوا ذلك بسهولة من قبل مع "الكلوروكين"، عندما ارتفع الطلب على عقار مضاد للملاريا العام الماضي بعد أن تم وصفه بأنه علاج لفيروس كورونا.
وبحسب الشبكة الأمريكية، صادرت السلطات في جميع أنحاء غرب ووسط إفريقيا كميات كبيرة من الكلوروكين المزيف، وأغلقت الشرطة في الكاميرون العديد من شركات تصنيع الأدوية التي تنتج الكلوروكين المزيف.
- إيطاليا
ولا يقتصر ظهور اللقاحات المزيفة والتحقيقات حولها على الدول النامية أو الفقيرة فقط، بل يبدو أنها تحاول شق طريقها نحو أوروبا أيضاً، ففي 20 فبراير/شباط 2021، أعلنت إيطاليا عن تحقيقها بوجود ملايين اللقاحات المزيفة لكورونا في البلاد. وأجرت الشرطة الإيطالية التي تتولى التحقيق في أدوية ولقاحات كورونا المزيفة، استجواباً لمسؤول محلي بمنطقة فينيتو كان أبلغ عن تلقيه عروضاً بنحو 27 مليون جرعة من لقاح فايزر خارج نظام التعاقد الأوروبي.
لأسابيع، أبلغ حاكم فينيتو، لوكا زايا، عن اتصال بعض الوسطاء المجهولين به وعرضهم بيع لقاحات، منها اللقاح الروسي والصيني، له بعد أن عبَّر علناً عن إحباطه من نقص شحنات اللقاح في إيطاليا، وقال إنه يريد شراء لقاحات منطقته الخاصة بمعزل عن المسار الحكومي الوطني.
وقال زايا إن رئيس الرعاية الصحية بالمنطقة والذي يتولى العروض د. لوتشيانو فلور، التقى فريق الرعاية الصحية التابع لقوات الدرك. وأكد الفريق أنه يفتش مكاتب فينيتو المحلية "للبحث عن مقدمي اللقاحات المزعومين خارج الاتفاقات مع السلطات المركزية".
لماذا قد يقبل البعض بتلقي لقاحات مشبوهة؟
تنتهز العصابات والشبكات الإجرامية الحالة التي تمر بها الدول، وتحاول تقديم بديل مزيف لدى كثير من الفئات السكانية التي قد تكون أكثر فقراً، وتقدم لهم اللقاح المزعوم الذي لم يحصلوا عليه بعد في المستشفيات ولا حتى العيادات الخاصة وبأسعار جيدة، وبحسب خبراء فقد نجحت هذه الطرق سابقاً في إغراء كثيرين، كما أن العصابات التي تتعامل تبيع اللقاحات السوق السوداء، تبذل قصارى جهدها لجعل منتجاتها تبدو مشروعة وتسوقها بشكل فريد، وقد تتعاون مع العديد من المستشفيات الصغيرة أو المراكز الأهلية التي لا يكون تركيز السلطات عليها كبيراً.
ويقول محققون في مثل هذه القضايا ببعض البلدان الإفريقية لشبكة VOA إنه حتى بعض الموظفين الحكوميين تورطوا في توزيع أدوية ولقاحات مزيفة على الأرض، بل والمتاجرة بها في تسويات سرية، وإنه في إحدى الحالات تم القبض على موظفين في شركة أدوية متعددة الجنسيات يساعدون شبكات إجرامية في توزيع لقاحات مزيفة في إفريقيا.
ويقول مارك ميكاليف، من المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، إن شمال إفريقيا يمكن أن تكون نقطة دخول رئيسية للقاحات المغشوشة، رغم أنه لم يتم الكشف بعد أن جرائم مماثلة هناك، مضيفاً أن الاتجار "غير المنضبط" بالأدوية المزيفة، مثل مسكن الآلام ترامادول، يحدث في جميع أنحاء دول المنطقة منذ عقود.
يقول ميكاليف لـVOA: أعتقد أن هناك خطراً كبيراً من توزيع لقاحات مزيفة على المنطقة المغاربية نفسها، والأراضي غير الخاضعة للسلطة الموحدة في ليبيا. وأيضاً في تونس وربما في المناطق الحدودية مع مصر، وربما في الجزائر.
وتستغل العصابات الإجرامية التي تتعامل بالأدوية واللقاحات المزيفة الثغرات في الخدمات الصحية، وهذا ينطبق بشكل خاص على لقاحات كورونا، واحتمالية انتشارها بالبلدان التي تعاني من هذا النوع من الثغرات.