بعد ظهور السلالة البريطانية من فيروس كورونا، التي قيل إنها أكثر انتشاراً، وليس بالضرورة أكثر فتكاً، ظهرت أيضاً سلالة جنوب إفريقيا، ثم متغير ثالث في البرازيل، فهل السلالة البرازيلية أكثر خطورة؟
يفسر العلماء سبب ظهور متغير جديد أو كما يوصف إعلامياً بسلالة جديدة أو تحور جديد من فيروس كورونا بأنه أمر طبيعي، في ظل التفشي السريع للفيروس وتحوله لجائحة عالمية، وأن هذه التحورات ليست بالضرورة أكثر خطورة على من يصاب بها من الإصابة بالنسخة الأصلية من الفيروس التي ظهرت في مدينة ووهان الصينية أواخر عام 2019، رغم استمرار تحقيقات منظمة الصحة العالمية للوصول إلى رواية تحظى بإجماع عالمي بشأن أصل فيروس كورونا.
وقبل الدخول في التفاصيل المتاحة حتى الآن بشأن السلالة البرازيلية التي بدأت تظهر في دول أخرى مثل بريطانيا واليابان، يأتي في هذا السياق أهمية تطعيم الغالبية من السكان بلقاحات كورونا لأنها الوسيلة الوحيدة لوقف تحورات الفيروس إلى متغيرات قد تكون أكثر خطورة وأكثر مقاومة للقاحات.
قلق من انتشار سلالات كورونا حول العالم
وفي هذا السياق كانت مديرة مجمع دراسات الجينوم المعني بكورونا في بريطانيا، قد حذرت في فبراير/شباط الماضي، أن السلالة التي تم اكتشافها لأول مرة في مقاطعة كنت البريطانية قد تنتشر في أنحاء العالم، مضيفة أن مكافحة الفيروس ربما تستمر لعشرة أعوام على الأقل.
وقالت شارون بيكوك لهيئة الإذاعة البريطانية، إن السلالة البريطانية "اجتاحت البلد، ومن المرجح أن تجتاح العالم"، مضيفة أنه "عندما ننتصر على الفيروس أو يتحور بنفسه ويصبح غير خبيث، أي لا يسبب المرض يمكن أن نكفّ عن القلق بشأنه".
لكن النقطة الإيجابية حتى الآن هي أن أغلبية علماء الفيروسات يعتقدون أن اللقاحات الحالية لا تزال فعالة ضد المتغيرات التي ظهرت من الفيروس حتى الآن، ومنها البريطانية والجنوب إفريقية والبرازيلية أيضاً، رغم أن تقارير سابقة كانت قد أشارت إلى أن جنوب إفريقيا قررت تعليق استعمال لقاح أسترازينيكا البريطاني، لأن تجارب أجرتها أظهرت أنه قليل الفاعلية في مواجهة سلالتها من الفيروس.
وبعد اكتشاف سلالة بريطانيا التي تتسم بأنها أسرع انتشاراً من النسخة الأصلية من الفيروس، لكنها ليست بالضرورة أكثر فتكاً، وجد العلماء تشابهاً بين السلالة البريطانية وتلك المكتشفة في جنوب إفريقيا من الناحية البيولوجية، ولكن مع وجود طفرتين إضافيتين قد تتداخلان مع فاعلية لقاح أسترازينيكا.
وحتى وقت كتابة هذا التقرير اليوم الثلاثاء، 2 مارس/آذار 2021، تخطت حالات الإصابة بفيروس كورونا على مستوى العالم حاجز 115 مليون إصابة، تعافى منها ما يقرب من 91 مليوناً، بينما فقد أكثر من 2.5 مليون شخص حياتهم، بحسب موقع وورلدميترز كورونا.
ماذا عن سلالة كورونا في البرازيل؟
تم رصد متغيرين من فيروس كورونا المستجد في البرازيل، أو في الأشخاص القادمين من الدولة اللاتينية، يُسمَيان P1 وP2، وهما متشابهان، لكن متغير P1 هو الذي يثير القلق في بريطانيا بعد اكتشاف 6 إصابات به، 3 في إنجلترا و3 في اسكتلندا، وتُواصل السلطات رحلة البحث لاكتشاف المصابين به، وتحديد هوية أحدهم الذي لم يسجل بياناته بالكامل في "نظام الفحص والتتبع" لهيئة خدمات الصحة الوطنية البريطانية، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ويتشابه أيضاً المتغير البرازيلي من الفيروس مع متغيرات أو سلالات بريطانيا وجنوب إفريقيا، حيث طور انتشاراً كبيراً واعتمد بعض الصفات من طفرات المملكة المتحدة وجنوب إفريقيا.
وكان متغير P1 البرازيلي قد تم اكتشافه لأول مرة في اليابان، في أشخاص سافروا إليها من مدينة ماناوس البرازيلية، وأثبتت التحقيقات نشأة المُتغيِر في ماناوس، المدينة المطلة على نهر الأمازون التي عانت من موجة أولى عنيفة من إصابات فيروس كورونا المستجد، وصلت لذروتها في أبريل/نيسان الماضي.
وأشار مسح أُجرِي على المُتبرِّعِين بالدماء في أكتوبر/تشرين الأول، إلى أنَّ 76% من السكان لديهم أجساد مضادة، لذا يُفترَض أنهم منيعون ضد الإصابة على الأقل لفترة مؤقتة، لكن في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، ظهرت موجة كبيرة أخرى من الإصابات بين الأشخاص المتعافين من كوفيد. وينتشر مُتغيِّر P2 في البرازيل، لكن لديه تحورات أقل ولا تثير القلق بنفس قدر سلالة المُتغير الأول.
وصنَّفت الهيئة الاستشارية لتهديدات فيروسات الجهاز التنفسي الجديدة والناشئة في المملكة المتحدة (Nervtag) سلالة P1 بأنها "متغير مثير للقلق"، وهو أكثر قابلية للانتقال -مثل متغير Kent B118- لكنه قد يكون قادراً على الهروب المُستَضَد، بعبارة أخرى، قد لا تكون اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد فعّالة ضده، وقد لا يتمتع المتعافون الذين يحملون أجساماً مضادة بعد نوبة "كوفيد-19" بمناعة طبيعية لمقاومته.
كيف تختلف سلالة البرازيل عن المتغيرات الأخرى؟
تقول الهيئة الاستشارية لتهديدات فيروسات الجهاز التنفسي الجديدة والناشئة، إنَّ مُتغير P1 "يحتوي على 17 تغييراً فريداً من الأحماض الأمينية، و3 عمليات حذف، و4 طفرات مترادفة ومدخل نوكليوتيد واحد 4nt". وجميع المتغيرات لها عدد من الطفرات، ويكمن الشاغل الرئيسي في أنَّ P1 لديه 3 طفرات تستدعي القلق؛ هي: K417T وE484K وN501Y.
وطفرة E484K هي الأكثر إثارة للقلق من بينها. وهي موجودة أيضاً فيما يُسمَّى بالمُتغير الجنوب إفريقي، الذي يحتوي على تغيّرات متطابقة تقريباً في بروتين S (بروتين الحَسَكَة أو السنبلة)، وهو السبب الذي يدفع المملكة المتحدة للمواظبة على الفحوصات أينما تُكتَشَف إصابات بهذه الطفرة. وهناك أيضاً بعض الحالات التي شهد فيها مُتغير كينت، المعروف بانتشاره السريع، اكتساب الطفرة E484K. ويُعتقَد أنَّ هذه الطفرة تعطي المتغيرات بعض القدرة على الإفلات من اللقاحات. وهي تقلل من فاعليتها، لكنها مع ذلك لا تتغلب عليها تماماً.
والخبر الجيد، بحسب العلماء، هو أن دراسات تم إجراؤها مؤخراً أشارت إلى أن اللقاحات المتاحة الآن لا تزال قادرة على حماية الناس من الطفرات الجديدة، وأظهرت دراسة من شركة فايزر التي طورت أول لقاح لكورونا، ظهور أجسام مضادة للمتغيرات في عينات دم أخذت من 20 متلقياً للقاح.