بينما يبدو أن أمريكا تعود إلى طاولة الدبلوماسية العالمية في عهد الرئيس جو بايدن فإن بناء سياسة أمريكية جديدة بالشرق الأوسط يظل التحدي الأصعب أمامه، حيث يوجد لديه مشكلات مع حلفاء أمريكا وخصومها على السواء.
تقرير لموقع Modern Diplomacy كتبه عقيب ستار، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، يعرض فيه ما يُحتمل أن يمثل كتاب أسلوب تعامل الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الشرق الأوسط خلال ولايته الرئاسية.
تبني سياسة أمريكية جديدة بالشرق الأوسط أصبح ضرورة ملحة
سوف يواجه بايدن على الأرجح عدداً من التحديات، عندما يتعلق الأمر ببناء سياسة أمريكية بالشرق الأوسط؛ بسبب السياسات الكارثية التي انتهجها سلفه دونالد ترامب في المنطقة. فحتى في خطاب تنصيبه، أوضح بايدن أنها ستكون مرحلة اختبار، حسب ستار.
تجعل الفوضى التي خلفها ترامب في المنطقة مسألة بناء سياسة أمريكية جديدة بالشرق الأوسط ضرورة ملحة.
والتحديات التي يمكن أن تواجهها الإدارة الأمريكية الجديدة تتضمن الاتفاق النووي مع إيران والحرب المستعرة في اليمن وقضايا حقوق الإنسان والجمود في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وأوضح الكاتب أن هناك احتمالية أن ينتهج بايدن على صعيد السياسة الخارجية مع الشرق الأوسط النهج السياسي للرئيس الأسبق باراك أوباما، أو أنه سيتبع استراتيجيات جديدة سوف تُصاغ استناداً إلى طبيعة التحديات التي سوف يواجهها.
وبعض هذه الأزمات تتسم بالحاجة للسرعة لمعالجتها، ولكن هناك مؤشرات على أن قدرة وإرادة بايدن على إحداث تغيير أقل مما كان تقول قبل توليها السلطة.
هل يقبل بايدن بالعودة للاتفاق النووي الإيراني مع استمرار تدخلات طهران في المنطقة؟
وأوضح المقال أن السياسة الأمريكية تجاه طهران تأتي على قمة أولويات أجندة السياسة الخارجية الخاصة بإدارة بايدن. إذ إن الاتفاق النووي مع إيران كان يُنظر إليه على أنه خطوة كبيرة ومعلمٌ على طريق الدبلوماسية متعددة الأطراف، التي تخلى عنها ترامب في 2018 بدون أدنى مسؤولية. استهدفت حملة الضغط القصوى ضد إيران، التي انتهجها ترامب، إرضاء الحلفاء التقليديين الذين يواجهون عدواً معروفاً متمثلاً في إيران.
وقد تعهد بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي الموقع في 2015، وسوف يناقش كذلك برنامج إيران النووي، وفي المقابل سوف يخفف العقوبات. وفي إطار هذه العملية، يُتوقع أن واشنطن قد تضغط على طهران كي تسحب دعمها لوكلائها الإقليميين في العراق وسوريا واليمن ولبنان والأراضي الفلسطينية.
فضلاً عن أن الولايات المتحدة قد تسعى لتقييد صادرات إيران من الصواريخ الموجهة بدقة إلى حلفائها الإقليميين. ومع ذلك أوضحت إيران صراحةً أن هذه القضايا لن تُناقَش في حال التفاوض حول خطة العمل الشاملة المشتركة. الأكثر من هذا أن هذه الخطة قد تتعقد بسبب الاغتيال الأخير الذي طال كبير العلماء النوويين في إيران، وهو ما لم يدِنه البيت الأبيض وتتهم إيران إسرائيل بتنفيذه. لم تهدأ كذلك حالة الغضب الشعبي في اللحظة الراهنة، التي اشتعلت بسبب اغتيال الجنرال قاسم سليماني. وفي الوقت الراهن تبدو تركيبة الشرق الأوسط أكثر تعقيداً وصعوبة مما كانت عليه قبل 4 سنوات، لكن الحقيقة تقول إن إيران لن تقدر على تحمل صراع عسكري في اللحظة الراهنة التي يُكبَّل فيها اقتصادها في خضم جائحة فيروس كورونا والعقوبات المفروضة من الولايات المتحدة.
لا شك أن العودة رسمياً إلى الاتفاق النووي مع إيران سوف تستغرق وقتاً أطول؛ وذلك بسبب تعقيدات القضية والمشاكل الداخلية التي تواجهها الولايات المتحدة حالياً. ثمة احتمالية كذلك لحدوث تصعيد خطير في حال غياب اتفاق نووي؛ نتيجة أهداف إيران الرامية إلى سيناريوهات تشكيل قوة عسكرية معتمدة على الأسلحة النووية. وهكذا تبدو الدبلوماسية متعددة الأطراف الخيار الأفضل من أجل سلام المنطقة وأمنها.
وكان لافتاً في هذا الصدد قرار الرئيس الأمريكي توجيه ضربات جوية على منشآت تابعة لفصائل مدعومة من إيران في شرق سوريا، رداً على هجمات صاروخية على أهداف أمريكية بالعراق، معتبراً أن الضربات بمثابة رسالة قوية لإيران وأنصارها قائلاً: "لن تفلتوا من العقاب. احذروا".
وقال: "إن إيران لا يمكنها الإفلات من العقاب"، في الوقت الذي ندد فيه نظام بشار الأسد بالقصف الجوي ووصفه بـ"الجبان".
إسرائيل.. تغير في الخطاب وليس في الدعم
أوضح ستار أن نهج "إسرائيل أولاً" الذي اتبعته إدارة ترامب في المنطقة، جلب انتقادات كبيرة على الصعيد الدولي. يُنظر إلى الاتفاق الإبراهيمي، الذي وُقِّع في سبتمبر/أيلول الماضي ويقضي بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، على أنه أكبر إنجازات دونالد ترامب على صعيد السياسة الخارجية. غير أن هذا الاتفاق حطم التصور الإقليمي الممتد منذ عهد طويل، والقائل بأن السلام العربي الإسرائيلي لا يمكن تحقيقه بدون معالجة قضية الاعتراف بدولة للفلسطينيين.
وقال بايدن إنه يدعم اعتراف مزيد من الدول العربية بإسرائيل، ولكن في نفس الوقت تحتاج إسرائيل أن تعمل على إيجاد حلول حقيقية بين الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية. علاوة على هذا، لن تُظهر الإدارة الجديدة في البيت الأبيض نفس درجة التسامح تجاه التوسع الاستيطاني الإسرائيلي مثل الإدارة السابقة. إذ إن القيادة الأمريكية الجديدة لا ترغب في تجديد سياسات محددة اتبعتها إدارة ترامب. لا شك أن التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل يحظى بدعم من الحزبين الرئيسين في أمريكا الجمهوري والديمقراطي. إضافة إلى أن قرار نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس يبدو على الأرجح أنه لن يُلغى.
كما سبق أن قال وزير خارجية بايدن أنتوني بلينكن، أمام منظمة Democratic Majority for Israel إن أي قرار يتخذه بايدن تجاه إسرائيل لن تكون له علاقة بالمعونة العسكرية، التي وصفها بأنها "غير مشروطة".
التركيز على حقوق الإنسان
يعتقد الكاتب أن أي سياسة خارجية أمريكية جديدة بالشرق الأوسط تحت قيادة بايدن سوف تكون أقل ارتباطاً بالأيديولوجية وأكثر اعتماداً على المبادئ الأساسية. سوف تولي هذه المبادئ تركيزاً كبيراً إلى حقوق الإنسان، إذ يرى بعض المحللين أن حقوق الإنسان سوف تكون جوهر أجندة السياسة الخارجية في إدارة بايدن. ولذا لا تبدو هذه أنباءً سارة للحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، ومن بينهم السعودية وإسرائيل. ثمة مجموعة من الموضوعات إضافة إلى قضايا حقوق الإنسان: وهي تدخل السعودية في شؤون اليمن، ومبيعات الأسلحة إلى السعودية، واستمرار الشعور بعدم الثقة، وسجن النشطاء، وقضية اغتيال جمال خاشقجي، التي تخلق حالة من الشكوك بين واشنطن والرياض. ومن ثم فإن السعودية سوف تحظى بأوقات عسيرة مع إدارة بايدن. وبالمثل يمكن أن يُتوقع من الإدارة الجديدة أن تكون أقل تسامحاً تجاه موسكو وأنقرة، بسبب أنشطتهما الخارجية في منطقة الشرق الأوسط.
أزمة خاشقجي تشير إلى محدودية تغييرات بايدن في الشرق الأوسط
وفيما يتعلق بأزمة اغتيال خاشقجي، فإنه رغم أن إدارة بايدن وفت بوعدها بنشر التقرير الاستخباراتي الذي يشير إلى أن عملية الاغتيال أو الاستهداف تمت بأوامر من الأمير محمد بن سلمان، إلا أن النشطاء الليبراليين بمن فيهم قيادات في حزبه أبدوا خيبة أملهم في عدم فرض عقوبات على الأمير، والاكتفاء بفرض عقوبات على قيادت استخباراتية وأمنية يعتقد تورطها في العملية.
علماً بأن إدارة ترامب التي طالما انتقدها بايدن على دعمها للأمير محمد بن سلمان، كانت فرضت عقوبات على بعض الآخرين المتورطين في المؤامرة.
ووصل بايدن لهذا القرار بعد أسابيع من الجدل الذي تلقى خلاله نصيحة من فريق الأمن القومي المشكل حديثاً، بأنه لا توجد طريقة رسمية لمنع الأمير محمد من دخول الولايات المتحدة، أو توجيه تهم جنائية له، دون الإخلال بالعلاقة مع السعودية التي تعد أهم الحلفاء العرب لأمريكا، حسبما ورد في تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية.
وحاولت إدارة بايدن تخفيف مأزقها بالإعلان أن الولايات المتحدة تحتفظ بحقها في فرض عقوبات على ولي العهد في المستقبل، على خلفية خاشقجي، وهو ما قرأه بعض المحللين بأن غرضه امتصاص حدة الانتقادات الموجهة للإدارة من جانب المشرعين الديمقراطيين.
وترى The New York Times أن القرار مؤشر واضح على كيفية تغلب طبيعة بايدن الحذرة في العمل السياسي.
أوباما أم ترامب.. هل يواصل بايدن سحب القوات الأمريكية من المنطقة؟
أما فيما يتعلق بحرب اليمن، فيرى الكاتب أن إنهاء الدعم الأمريكي للسعودية في هذه الحرب، قد يؤدي إلى تنفير الحلفاء التقليديين لبعض الوقت، ولكن هذا لن يستمر بسبب المصالح المشتركة في المنطقة.
والأرجح أيضاً أن بايدن سوف يغير قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من المنطقة، نظراً إلى أن هذا قد يقلل النفوذ الأمريكي في المنطقة. يمكن أن تصير الأولوية الكبرى بالنسبة للسياسة الأمريكية بالشرق الأوسط هي التعامل مع مشكلات إيران، والإبقاء على علاقات معقولة مع إسرائيل.
كان حلفاء الولايات المتحدة التقليديون في الشرق الأوسط راضين وداعمين لسياسات ترامب في المنطقة، لكنهم لا ينظرون إلى بايدن الرئيس بعين 2021، بل بعين 2008-2016 عندما كان نائب الرئيس أوباما. اعتمدت العلاقات الثنائية لترامب دائماً على العلاقات الشخصية مع القادة الإقليميين، بينما يُتوقع من بايدن أن يتبنى نهجاً أكثر تعددية فيما يتعلق بالانخراط في العلاقات مع الحلفاء.
ومع ذلك يعتقد الباحثون أننا قد نشهد تغيراً جوهرياً في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بحماية المصالح الأمريكية الراسخة في الشرق الأوسط.
لكن يجب على بايدن تجنب تكرار أخطاء السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط التي حدثت في عهد أوباما، حسب موقع Irishtimes.
وفي هذا الصدد تمثل القضية الفلسطينية اختباراً حقيقياً، فعلى الرغم من أنه لا يستطيع التراجع عن كل الأذى الذي ألحقه ترامب بالفلسطينيين، إلا أنه يعتقد أن بايدن لن يحذو حذو ترامب بإطلاق يده لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما تعهد بإعادة المساهمات الأمريكية إلى وكالة الأمم المتحدة التي ترعى اللاجئين الفلسطينيين وللمؤسسات الفلسطينية ومشاريع التنمية، وقال إنه يعتزم إعادة الالتزام بـ"حل الدولتين" الذي رفضه سلفه وإسرائيل، ولكن يظل موقفه من القدس الأكثر غموضاً.