عادت "فرقة النمر" أو "وحدة التدخل السريع" السعودية لواجهة الأحداث منذ نشرت إدارة جو بايدن التقرير الاستخباراتي حول مقتل جمال خاشقجي، فماذا نعرفه عن فرقة الاغتيالات التي تقول التقارير الأمريكية إنها تابعة لولي العهد؟
أمس الإثنين 1 مارس/آذار دعا المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس السعودية إلى "تفكيك وحدة الدعم السريع التابعة للحرس الملكي"، وذلك في إطار الحديث عن إجراءات إدارة الرئيس جو بايدن المتوقعة في أعقاب نشر التقرير الاستخباراتي الخاص بمقتل الصحفي المعارض في قنصلية بلاده في إسطنبول بتركيا في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018.
ماذا يعرفه العالم عن "فريق النمر"؟
بدأ الحديث عن "وحدة الدعم السريع" أو "وحدة التدخل السريع" أو "فرقة النمر" في أعقاب جريمة اغتيال خاشقجي التي هزت العالم، وكان موقع Middle East Eye البريطاني هو أول من نشر بعض التفاصيل عن فريق الاغتيالات وذلك في تقرير نشر أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2018، نقلاً عن مصادر لم يسمها.
كما نشرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC تقريراً آخر أكد نفس القصة، نقلاً عن مصدر داخل السعودية قريب له أحد أفراد فريق الاغتيالات وكان ذلك أيضاً في الأشهر القليلة التي تلت الجريمة التي نفذها فريق اغتيالات مكون من 15 فرداً يعملون في جهاز الاستخبارات السعودي وأجهزة أمنية أخرى.
لكن القضية التي رفعها سعد الجبري، مسؤول المخابرات السعودية السابق والذراع اليمنى لولي العهد السابق محمد بن نايف، أمام محكمة فيدرالية في واشنطن في أغسطس/آب الماضي ووجه فيها اتهامات لولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمحاولة اغتياله في كندا، حيث يقيم، حملت تفاصيل أكثر بشأن فرقة الاغتيالات وتكوينها وبعض العمليات التي قامت بتنفيذها.
وبعد عودة قضية اغتيال خاشقجي إلى الواجهة بعد نشر إدارة بايدن التقرير الاستخباراتي الجمعة الماضية 26 فبراير/شباط، اتخذ وجود فرقة الاغتيالات شكلاً أكثر غموضاً، بعد إعلان واشنطن معاقبة 76 سعودياً، دون الكشف عن هوياتهم، والدعوة لتفكيك "وحدة التدخل السريع التابعة للقصر الملكي"، بحسب الخارجية الأمريكية.
تأسيس "فرقة النمر" وعلاقتها بولي العهد
وبحسب ما تكشف من معلومات، من خلال ما تم نشره من تقارير ومن خلال المستندات التي قدمها الجبري للمحكمة الأمريكية في قضيته، يتضح أن تأسيس فرقة الاغتيالات يعود إلى عام 2017 ويبدو متزامناً مع تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد بقرار ملكي أصدره والده الملك سلمان ليحل محل ابن عمه الأمير محمد نايف وذلك في يونيو/حزيران 2017.
وبحسب تقرير موقع ميدل إيست آي البريطاني، تتكون "فرقة النمر" من عناصر تابعة لجهات عسكرية وأمنية سعودية ومرخص لها بتنفيذ عمليات سرية وتنفيذ إعدامات خارج القانون بحق معارضين لولي العهد داخل وخارج المملكة بطريقة "لا تلفت الأنظار ولا تثير ضجة في وسائل الإعلام أو على المستوى الدولي".
لكن جريمة اغتيال خاشقجي والطريقة التي تمت بها من استدراجه إلى القنصلية السعودية في إسطنبول وما صاحبها من إعلان مغادرته القنصلية وتسريب مقطع فيديو لشخص يرتدي ملابسه مغادراً لمبنى القنصلية وإنكار الرياض رسمياً معرفتها بمصيره ثم الإقرار بأنه قتل داخل القنصلية في مشاجرة مع مواطنين وغير ذلك من التفاصيل التي هزت العالم نظراً لبشاعة الجريمة، كلها أمور جعلت "فرقة الاغتيالات" حديث العالم، وهو ما يتعارض مع مفهوم السرية الذي قامت عليه.
ومما تم الكشف عنه من خلال تقرير الموقع البريطاني وأيضاً تقرير هيئة الإذاعة البريطانية، وأكدته لاحقاً المستندات التي قدمها الجبري للمحكمة الأمريكية، يبلغ عدد أعضاء "فرقة النمر" نحو 50 عنصراً عسكرياً وأمنياً ينتمون للقوات المسلحة وأجهزة المخابرات والأمن في السعودية التي تخضع لسيطرة ولي العهد بصفته وزيراً للدفاع والحاكم الفعلي للمملكة.
لكن تقريراً آخر بثه برنامج BBC News Night البريطاني سابقاً أشار إلى أن "فرقة اغتيالات مكونة من 50 ضابطاً سعودياً لتصفية معارضين سعوديين تم تأسيسها صيف 2018″، مشيراً إلى أن المخابرات المركزية الأمريكية أصبحت على علم في سبتمبر/أيلول 2018 بوجود "فرقة النمر" بقيادة نائب رئيس المخابرات السعودية أحمد عسيري للقيام بعمليات سرية تستهدف معارضين دون تحديد أحد بالاسم.
وكشف تقرير ميدل إيست آي أن الوسائل التي اتبعتها "فرقة النمر" في تصفية المعارضين تنوعت بين حوادث سيارات مخطط لها وحرق منازل أو حقن الهدف بمادة سامة أثناء قيامه بفحوصات طبية دورية، على سبيل المثال وليس الحصر.
ماذا يقول ولي العهد عن "فرقة النمر"؟
على الجانب الآخر، ينفي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وجود "فرقة النمر" كما نفى أنه أعطى الأمر بقتل جمال خاشقجي. ورغم اعتراف ولي العهد بأنه يتحمل "مسؤولية" مقتل المعارض السعودي في قنصلية بلاده على أساس أنه الحاكم الفعلي للمملكة، إلا أنه يصر على أن الجريمة نفذها "عملاء مارقون" من تلقاء أنفسهم وتم تقديمهم للمحاكمة.
وهو الموقف نفسه الذي تمسكت به المملكة في أعقاب نشر التقرير الاستخباراتي الأمريكي مؤخراً، واصفة إياه بأنه "توصل إلى استنتاجات خاطئة ومسيئة لقيادة المملكة" دون دليل، رافضة ما جاء فيه جملة وتفصيلاً، كما رفضت أيضاً مطالبات إدارة بايدن لتفكيك النظام المسؤول عن عملية الاغتيال قائلة إن "قضية خاشقجي قد تم إغلاقها".
أما نفي ولي العهد لعلاقته بفرقة النمر أو وجودها من الأساس، فجاء في معرض رده على استدعاء المحكمة الأمريكية له للمثول أمامها في قضية الجبري، وجاء الرد من خلال محاميه الأمريكي مايكل كيلوغ مستنداً على أساس أن توجيه الاتهام أو الاستدعاء أو إرسال مستندات الدعوى بحق موكله "محمد بن سلمان" تمثل انتهاكاً للقانون السعودي، لأن السعودية لم توقع على أي اتفاقية قانونية دولية تجيز استخدام تطبيق واتساب أو البريد الإلكتروني لتوجيه استدعاءات رسمية لمتهمين أمام المحاكم.
وجاء الرد على المحكمة يوم 9 ديسمبر/كانون الأول الماضي، رغم أن استدعاء المحكمة له كان في 10 أغسطس/ آب، متمثلاً في أكثر من 60 صفحة نفى فيها ادعاءات الجبري، زاعماً أن المسؤول السابق في جهاز المخابرات يحاول التغطية على جرائمه.
وركز دفاع ولي العهد على أن أنه محصن كرئيس دولة من الملاحقة القانونية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بحكم القانون الذي يحصن القادة السياسيين الأجانب الذين ما زالوا في مناصبهم من الملاحقة في المحاكم المدنية في الولايات المتحدة، وقال محامو بن سلمان إن رواية الجبري "مغرقة في الدراما، وتضمنت مقدمة أظهرت ولي العهد كأحد أشرار (روايات الكاتب وليام) شكسبير"، مضيفين أنه "بغضّ النظر عن مزاياها كعمل أدبي، فإن الشكوى فاشلة كدعوى قانونية".