تشهد المملكة العربية السعودية حالياً، الجانب السلبي لقرار وليّ العهد، الأمير محمد بن سلمان، المراهنة على عائلة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. فقد قالت جين ساكي، السكرتيرة الصحفية للرئيس الأمريكي جو بايدن، الأربعاء 24 فبراير/شباط، قبل مكالمة الرئيس الأمريكي والملك سلمان: "تتمثَّل نية الرئيس -كما هي نية هذه الحكومة- في إعادة ضبط علاقاتنا وتفاعلنا مع المملكة السعودية، وجعل النظراء يتواصلون مع بعضهم".
كيف خسر محمد بن سلمان رهانه على ترامب وصهره كوشنر؟
لقد استغرقت المحادثة الأولى بين بايدن والملك سلمان مدةً طويلةً كي تحدث بالفعل. وهذه حقيقةٌ ذات دلالة واضحة، وكذلك قرار الرئيس الأمريكي إنهاء دعم العمليات السعودية في حرب اليمن، علاوة على استعداده المُخيِّب لآمال الرياض للانخراط في الاتفاق النووي مع إيران، كما تقول شبكة CNN الأمريكية.
ستصدر الولايات المتحدة قريباً تقريراً استخباراتياً يُتوقَّع أن يعلن تواطؤ محمد بن سلمان في قتل وتمزيق جثمان الصحفي جمال خاشقجي. وكان الفضل جزئياً يعود للعلاقة الوثيقة بين وليّ العهد السعودي وصهر الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر، في إفلات المملكة حتى الآن من جريمة قتل الكاتب السعودي بصحيفة Washington Post الأمريكية.
والأمر لا يتوقَّف عند تناقض هذه الفظائع على شاكلة قتل خاشقجي، مع اللياقة الإنسانية، بل يمتد إلى تعارضه مع تركيز إدارة بايدن على الديمقراطية. ولا ينوي البيت الأبيض في ظلِّ إدارة بايدن محاكاة الرئيس السابق دونالد ترامب، من خلال ترسيخ سياساته في الشرق الأوسط إزاء المملكة السعودية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان قلقاً لأسابيع قبل مكالمة بايدن.
ما الذي يمكن أن يفعله بايدن مع محمد بن سلمان؟
وفقاً لموقع Axios الأمريكي، من المُتوقَّع أن تتبع ذلك عقوباتٌ على السعوديين المتَّهمين بالمشاركة في القتل، رغم أنه من غير المُرجَّح أن يكون محمد بن سلمان مستهدفاً بشكلٍ مباشر بهذه العقوبات.
وإذ يتجاهل بايدن، محمد بن سلمان، فإنه بذلك يدلي بإشارةٍ عامة إلى أن الولايات المتحدة تبحث عن تغييرٍ في السلوك. ولن يكون تجنُّب وليّ العهد مستداماً إلا لفترةٍ طويلة، فهو بالفعل القوة الدافعة بالرياض، في حين يبلغ الملك سلمان 85 عاماً، والثروات النفطية للمملكة وموقعها الاستراتيجي يعنيان أنها ستظلُّ حليفةً للولايات المتحدة.
وقال ديفي رونديل، رئيس البعثة الأمريكية السابق في الرياض، لموقع Axios: "إنه لأمرٌ مثيرٌ للغاية. حتى أكون صريحاً، أجد كلَّ شيءٍ خطيراً إلى حدٍّ ما".
ويشير رونديل إلى أنه "إضافة إلى التعاون مع الولايات المتحدة ضد إيران وفي مكافحة الإرهاب، تدعم المملكة الاستقرار بأسواق النفط وفي المنطقة من خلال مساعداتها للحكومات العربية الأخرى. واضطلعت المملكة بدورٍ من وراء الكواليس في تعزيز العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي".
ويضيف رونديل، أن "المملكة تقوم بذلك من منطلق المصلحة الذاتية بالأساس. لكنها أيضاً على استعدادٍ للتحوُّط من رهاناتها". لكن خلال السنوات الأربع المقبلة، سيكون من الصعب الحصول على إذنٍ من بايدن بفعل ما تريده المملكة، ومن غير المُرجَّح أن ينجح الإطراء السعودي مع بايدن مثلما فتن ترامب.
لكن هل تملك إدارة بايدن خيار استمرار تجاهل ولي العهد السعودي؟
يقول تقرير لموقع Politico الأمريكي، إن الحاكم السعودي الفعلي، الذي تشمل ألقابه رئاسة وزارة الدفاع أيضاً، قد أصبح "محل ازدراءِ" كثيرين في واشنطن، بسبب تصرفاته المتهورة، علاوة على حملات القمع التي يشنها على خصومه السياسيين. وكل ذلك جعل عديداً من النشطاء الحقوقيين يذهبون إلى حد المطالبة بأن تفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية عليه هو شخصياً، وهي مطالبة قد تكتسب مزيداً من التأييد والدعم إذا أُصدِر تقرير الاستخبارات الأمريكية الذي ظل سِرياً مدة طويلة، عن جريمة اغتيال خاشقجي.
وتقبّل الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الدورَ المركزي لولي العهد السعودي في حكم البلاد على أنه حقيقة واقعة، ولم يكتفِ بذلك، بل تحجج بمبيعات السعودية من الأسلحة الأمريكية ذريعةً للدفاع عن ولي العهد، حتى بعد مقتل خاشقجي، وحمايته من أي جزاء أو عقوبات أخرى. لكن من جهة أخرى فإن ثمة حقيقة قائمة، وهي أن ولي العهد، الذي ما زال في منتصف الثلاثينيات من عمره فقط، يمكن القول إنه يقع عليه مستقبل المملكة نفسها، فهل تملك إدارة بايدن تجاهله؟
يقول علي الشهابي، رجل الأعمال السعودي الذي له صِلات بالعائلة المالكة، لموقع بوليتكو: "لا يمكنهم إنجاز أي شيء إذا لم يتعاملوا مع محمد بن سلمان. الملك حاضر لكنه كبير في السن، إنه أشبه برئيس مجلس إدارة، وهو لا يشارك في تسيير القضايا اليومية. ومن ثم فهم في نهاية الأمر سيجدون أنفسهم مضطرين إلى التحدث مباشرة إلى محمد بن سلمان".
ومع ذلك، فإن آخرين يُشددون على أنه ما دام الملك حياً فلا داعي للاندفاع، وأن أي تعامل أمريكي مع ولي العهد يجب أن يكون في حده الأدنى، أو بطريقة غير مباشرة. ويأتي من بين المؤيدين لهذا الرأي برايان كاتوليس، الباحث بـ"مركز التقدم الأمريكي"، والذي يذهب إلى أن "إدارة بايدن لا ينبغي لها أن تتعامل مع محمد بن سلمان إلا بعد الإجابة عن قائمة أطول من الأسئلة، حول ما هو الأفضل لمصالح الولايات المتحدة وقِيمها، والسبل التي سيعمَدون إليها لإعادة ضبط العلاقة" مع السعودية، في ظل وجوده.
من جانب آخر، فإن التغييرات التي أحدثها محمد بن سلمان ببلاده، والتي منحته بعض الدعم الخارجي في بداية حكمه، جاءت مع مزيد من القمع السياسي الداخلي بالمملكة، وتضمنت إجراءاتٍ مثل قمع أي منافسين محتملين لولي العهد على السلطة، والمعارضين، والناشطين في مجال حقوق المرأة.
ومن ثم، فحتى لو أصبح ملكاً للبلاد فمن غير المرجح أن يتلقى بن سلمان معاملة خاصة خلال فترة بايدن الرئاسية، وواقع الأمر أنه قد يواجه عقوبات اقتصادية.
وكانت مديرة الاستخبارات الوطنية الحالية، أفريل هاينز، قد وعدت بنشر تقرير الاستخبارات عن جريمة اغتيال خاشقجي، الذي كان ترامب قد حجبه عن الكونغرس. ومن المتوقع أن يصدر التقرير خلال وقت قريب، وفي حال صدقت التقارير الإعلامية التي أشارت إلى أن مسؤولي الاستخبارات الأمريكية قد خلصوا إلى أن ولي العهد قد أمر باغتيال خاشقجي، فإن ذلك قد يعزز جهود منظمات حقوق الإنسان، التي ترمي إلى محاسبة ولي العهد، من خلال العقوبات وغيرها من الوسائل.