أعلن رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان يوم الخميس 25 فبراير/شباط عن محاولة انقلاب عسكرية لقادة الجيش ضده، ويأتي ذلك كأحدث تطور في سلسلة الأحداث الجارية في البلد الذي لا يزال يتعافى من آثار الحرب التي خسرها العام الماضي ضد أذربيجان.
الآن يتحدث السياسيون وخبراء التحليل السياسي عن يدٍ لروسيا في محاولة الانقلاب تلك، مشيرين إلى علاقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتوترة مع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، بحسب تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي.
باشينيان يهين موسكو
وكان باشينيان قد وجّه نوعاً من الإهانة لموسكو يوم الثلاثاء 23 فبراير/شباط بتصريحاته التي اشتكى فيها من صواريخ إسكندر الروسية، كما انطوت التصريحات التي أدلى بها على نوع من الانتقاد غير المباشر لاستراتيجية الكرملين التي تعمدت التقاعس عن التدخل في المعارك حتى يضعف الموقف الأرميني في الصراع، وذلك على الرغم من وضع روسيا الرسمي كحليف عسكري لأرمينيا.
وقال باشينيان عن الصواريخ يوم الثلاثاء: "لم ينفجروا، أو ربما انفجر 10% منهم". غير أن تصريحات قوبلت باعتراض الجنرالات العسكريين- الساخطين بالفعل على قرارات الإقالة التي اتخذها باشينيان بحق عديدين منهم في محاولة لتحديث القوات العسكرية للبلاد- ما أدى إلى اندلاع محاولة الانقلاب الأخيرة".
ووفقاً لما قاله المحلل السياسي الأرميني أرتور بارونيان لموقع The Daily Beast الأمريكي، فإن رئيس الأركان العامة الروسية، فاليري غيراسيموف، أجرى مكالمة مع نظيره الأرميني، الجنرال أونيك غاسباريان، في وقت سابق من اليوم. وبحسب بارونيان، فإن "موسكو أعطت إشارة واضحة للجنرال غاسباريان بالتخلص من رئيس وزراء البلاد".
على إثر ذلك وبتزعمٍ من الجنرال غاسباريان، وقّع عشرات من الجنرالات بياناً يدعون فيه إلى عزل باشينيان بسبب عجزه المزعوم "عن اتخاذ قرارات مناسبة في هذه الأزمة"، فيما يعد ذلك أول تدخل مباشر للجيش في السياسة الداخلية لأرمينيا منذ عام 2008، عندما قُتل 10 متظاهرين بعد أن شنَّ الجيش حملة لقمع الاحتجاجات التي كانت جارية في ساحة الحرية في العاصمة يريفان.
خسارة إقليم قره باغ هي السبب
من المفترض أن أرمينيا قد تعافت من هذه المأساة، وغيرت مسارها منذ ذلك الحين. وعلى مدى العقد الماضي، تطور في البلاد مجتمع مدني فعّال ونشط، تصدى لحلِّ بعض من أكثر القضايا الاجتماعية تفاقماً. غير أن التهديد باندلاع حرب مع أذربيجان على جبهة ناغورنو قره باغ ظلَّ تهديداً قائماً في الأجواء منذ عقود. وفي سبتمبر/أيلول الماضي اشتعل القتال، واستمرت الحرب لمدة ستة أسابيع، انقلبت الأوضاع خلالها في أرمينيا رأساً على عقب.
بعد الحرب، احتشد آلاف من المحتجين الساخطين في وسط يريفان، وألقوا باللوم على الحكومة في الهزيمة التي وقعت، وطالبوا باستقالة باشينيان وحكومته. وكان وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا قد أنقذ أرمينيا من هزيمة أشد وطأة في قره باغ، لكنه تركها معتمدة بشدة على روسيا في أمنها.
وعقب الأحداث الأخيرة، دعت المعارضة إلى الإطاحة برئيس الوزراء باشينيان وانضم الجيش علنياً إلى تلك الدعوات يوم الأربعاء 24 فبراير/شباط. وارتدى كثير من الرجال في حشود المتظاهرين الزي العسكري وقالوا إنهم لن يغادروا ساحة الحرية حتى رحيل باشينيان. كما نشر الجنرال غاسباريان يوم الخميس 25 فبراير/شباط بيانه الرسمي الذي دعا فيه إلى استقالة رئيس الوزراء وانتقد تعمُّده "تشويه سمعة" الجيش.
هل لروسيا فعلاً دور؟
وفي مقابلة حصرية مع موقع The Daily Beast، زعم منافس باشينيان الرئيسي، وزير الدفاع السابق فازغين مانوكيان، أنه قد حصل على دعم قوي من الجيش الروسي. وقال: "نحن نحمِّل باشينيان المسؤولية عن الفشل الدبلوماسي التام في مفاوضات السلام مع باكو وهزيمتنا في الحرب مع العدو الأذربيجاني"، وأضاف أنه "على اتصال مع جميع القادة"، وأنه يعلم أن "بعض العمليات [التي قررها باشينيان] كان أكثر من مشكوك فيها. والآن، فإن كل ما تمكن جيش البلاد من الفوز به من عام 1992 إلى عام 1993، قد خسره".
وتابع مانوكيان بالقول: "نحن نخطط لمحاكمة باشينيان والتحقيق في أسباب فقدنا لأراضِ وخسارة حياة خمسة آلاف شخص"، كما شدَّد على دعمه للمظاهرات السلمية فقط، لأن اشتعال حرب أهلية سيدمر أرمينيا التي تعاني بالفعل.
يدافع كثير من مؤيدي مانوكيان علانية عن الدعم الروسي للانقلاب. وبحسب ما يقولونه، فإن الحرب قد أظهرت لهم أنه لا الولايات المتحدة ولا فرنسا كانتا حاضرتين لإنقاذ أرمينيا. هذا في حين أن روسيا هي التي تفاوضت على السلام من أجل الشعب الأرميني.
على الجانب الآخر، يقول سيرغي ماركوف، المحلل السياسي المقرب من الكرملين الروسي، لموقع The Daily Beast: "بوتين ينظر إلى باشينيان على أنه خائن وعدو لم يف بوعوده عدة مرات".
وأشار ماركوف إلى أن الصراع بين بوتين وباشينيان يتجاوز مسألة الإهانة الأخيرة الخاصة بانتقاد الصواريخ الروسية. فوفقاً لتقارير إعلامية، ضغط بوتين دون جدوى من أجل إطلاق سراح صديقه، الرئيس السابق كوتشاريان، بعد اعتقاله عام 2019.
وأضاف ماركوف أن "بوتين اتصل بصديقه كوتشاريان في عيد ميلاده قبل بضعة أشهر ليبيّن له معارضته لهذا الاعتقال. والآن يود الكرملين أن يرى [باشينيان] وهو يتجرع كأس العار والهزيمة بأكملها حتى يرى الجميع ما يحدث عندما تكون دمية لأمريكا".
كيف علقت روسيا على بيان الجيش الأرميني و"محاولة الانقلاب"؟
في أول تعليق على التطورات الحاصلة بأرمينيا، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إنهم يتابعون بقلق كبيرٍ الأحداث الأخيرة بأرمينيا، وأفاد بيسكوف في تصريحات أدلى بها للصحفيين، بأن ما تشهده أرمينيا "شأن داخلي".
ودعا المسؤول الروسي الأطراف كافة إلى ضبط النفس، مؤكداً ثقته بأن "الوضع سيبقى ضمن الإطار الدستوري"، على حد تعبيره.
وفي وقت لاحق أعرب وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، لنظيره الأرميني آرا أيفازيان، عن "أمل موسكو في حل الأزمة السياسية المتصاعدة ببلده".
وأكدت وزارة الخارجية الروسية في بيان مقتضب، أن إيفازيان أطلع لافروف، خلال مكالمة هاتفية جرت بينهما الخميس، على آخر تطورات الأحداث في بلده، مشيراً إلى أن الجانب الروسي بدوره "شدد على أنه يعتبر هذا الوضع شأناً داخلياً لأرمينيا، ويأمل تسويته بطرق سلمية".
ماذا بعد؟
يقف رئيس الوزراء الأرميني، الآن، شبه وحيد في مواجهة "محاولة الانقلاب" عليه، بعد تأكيد موسكو عدم تدخُّلها في الشأن الداخلي الأرميني، فيما دعا الرئيس الأرميني الأسبق، روبرت كوتشاريان، المواطنين في بلاده إلى دعم مطالب الجيش والمعارضة باستقالة رئيس الوزراء نيكول باشينيان.
ونقلت وكالة "سبوتنيك أرمينيا" عن كوتشاريان، قوله إن "السلطة، التي خسرت الحرب وسلمت الأرض يجب أن ترحل"، مشيراً إلى أن "هذا هو الثمن الضروري لنهضتنا الوطنية في المقام الأول".
من جانبه، تحدث زعيم المعارضة في أرمينيا، فاغين مانوكيان، الخميس، شارحاً ما يحدث بالبلاد، قائلاً: "هذا ليس انقلاباً، للجيش حق دستوري في الإشارة إلى العدو الرئيسي الذي يهدد أمن أرمينيا، وقد أشار إلى أنه نيكول باشينيان".
ما التطورات التي أدت إلى هذا الحدث؟ وما علاقة أذربيجان به؟
تشهد أرمينيا توترات منذ عدة أشهر، حيث تنظم المعارضة مظاهرات شعبية مطالِبة برحيل باشينيان، محمّلةً إياه المسؤولية عن فقدان أرمينيا السيطرة على أجزاء واسعة من إقليم "قره باغ" خلال الجولة الأخيرة من الحرب مع أذربيجان.
وواجه باشينيان، في الأشهر الماضية، دعوات متكررة إلى التنحي، من بينها دعوات من رئيس البلاد، منذ التوقيع في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على اتفاق لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه بوساطة روسية، ليُنهي حرباً استمرت 44 يوماً مع أذربيجان، خسرت فيها بلاده آلافاً من الأرواح، فضلاً عن خسارة الأراضي.
وفي 27 سبتمبر/أيلول 2020، أطلق الجيش الأذربيجاني عملية لتحرير أراضيه بإقليم "قره باغ" والتي تسيطر عليها أرمينيا منذ عام 1992. وبعد معارك استمرت 44 يوماً، أعلنت روسيا وتركيا، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، توصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات محتلة.
وفي السياق ذاته، وصف الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، إعلان الجيش، اليوم، في أرمينيا بأنه "أزمة". ونقلت الخدمة الصحفية للرئاسة الأذرية عن علييف، قوله: "فيما يتعلق بفترة ما بعد الحرب، بإمكان الجميع الآن أن يروا أن أذربيجان تتطور، وأن أعمال إعادة الإعمار قد بدأت في قره باغ، وهناك أزمة بأرمينيا، فهم يلومون بعضهم البعض، ويهاجمون بعضهم البعض. الممثلون الأجانب لطالما أخبرونا بأن المجتمع الأرميني يُظهر الوحدة وأن هناك وحدة وطنية في المجتمع الأرميني. والآن نرى أين توجد هذه الوحدة الوطنية"، على حد تعبيره.