بعد عقود من الروابط الهادئة، تتسم العلاقات الصومالية الإماراتية، منذ أربع سنوات بالحساسية والتعقيد نسبياً، وفق محللين.
بداية التوتر بين البلدين كانت مع اندلاع الأزمة الخليجية، يونيو/حزيران 2017، نتيجة موقف الصومال المحايد منها، وهو ما شكل صدمة سياسية لـ"دول حصار" قطر، وبينها الإمارات، وحرص بعضها على ثني مقديشو عن موقفها، عبر ضغوط سياسية على شتى المحاور.
وفي 19 فبراير/شباط الجاري، شهدت مقديشو مواجهات مسلحة بين القوات الحكومية وأخرى موالية لمرشحين في سباق الرئاسة.
ودخلت الإمارات على الخط، بوصفها الحكومة الصومالية بـ"المؤقتة"، متهمة إياها بـ"اللجوء للعنف واستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين".
وهو ما ردت عليه مقديشو باتهام أبوظبي بأنها تريد جعل الصومال "مثل ليبيا واليمن وتسعى لإثارة الفوضى".
ولعل هذا الاتهام الصومالي يمثل علامة فارقة على مدى توتر العلاقات السياسية بين البلدين.
ويعاني كل من ليبيا واليمن من حرب داخلية بأبعاد إقليمية، وتدعم الإمارات في البلدين أطرافاً غير السلطة الشرعية.
بينما يتعافى الصومال من تداعيات حرب أهلية اندلعت إثر انهيار الحكومة المركزية عام 1991.
علاقات هادئة مع الصومال
في شتى المجالات، ظلت العلاقات بين البلدين متزنة، وخاصة بعد مرور الصومال من المرحلة الانتقالية إلى المرحلة الرسمية المعترف بها دولياً عام 2014.
وتحديداً منذ انتخاب الرئيس السابق، حسن شيخ محمود (2012-2017)، إذ اتسمت فترة رئاسته بسياسة "صفر مشاكل"، حيث كان يوازن بين التحديات الداخلية والخارجية، خاصة في التعاطي مع ملفات شائكة، منها الصراع مع كينيا على منطقة بحرية غنية بالنفط، والنشاط والنفوذ الدبلوماسي الإماراتي المتزايد في الصومال آنذاك.
وقال محمد ابتدون، باحث في مركز الصومال للدراسات، للأناضول، إن "دور الإمارات كان يقتصر على النشاط الإنساني خلال الفترة الانتقالية، حتى ظهر دورها السياسي، بعد تعيينها سفيراً فوق العادة لدى الصومال، بعدها بدأ الدور الإماراتي يتزايد سياسياً واقتصادياً في منطقة القرن الإفريقي (الصومال من بينها)".
و"منذ ذلك الوقت كانت الإمارات بيدٍ تدعم الصومال، عبر تدريب عناصر الجيش وصرف رواتبهم، وبيدٍ أخرى تنسج علاقات مع الأقاليم (الفيدرالية) من دون علم السلطة المركزية ولا الرجوع إليها"، وفق ابتدون.
واستطرد: "لكن السياسة المرنة التي كانت تنتهجها الحكومة السابقة، كانت كفيلة لتبقى العلاقات شبه هادئة مع توجس حكومي من تدخل إماراتي في ملفات صومالية داخلية".
وعزا ابتدون الهدوء الذي كان يسود العلاقات بين البلدين آنذاك إلى اختلاف الأجندات من رئيس صومالي إلى آخر في كيفية إدارة ملف العلاقات الخارجية، الذي لا يستند إلى أسس ومبادئ، بقدر ما هو مبني على رؤية القيادة في استعداء دولة والاقتراب من أخرى.
النفوذ الإماراتي في الصومال
في 2017 اتخذ الصومال موقفاً محايداً حين بدأت السعودية والإمارات والبحرين ومصر فرض حصار سياسي واقتصادي على قطر، بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الأخيرة، حتى الإعلان عن مصالحة خليجية في يناير/كانون الثاني الماضي.
وبالرغم من أن أزمة الخليج كانت بداية تدهور العلاقات بين الصومال والإمارات، إلا أن محللين يرون أن هناك عاملاً آخر ساهم كثيراً في توسيع هوة الخلافات بينهما.
وهذا العامل هو التزامن بين فترة رئاسة محمد عبدالله فرماجو للصومال، منذ 2017، والذي يرفع شعار "الصومال الكبير"، مع صعود النفوذ الإماراتي وتوسعه في مناطق ساحلية استراتيجية بالقرن الإفريقي، بدءاً من "عصب" الإريترية وجيبوتي وإقليم "صوماليلاند" (أرض الصومال) المتمتع بشبه حكم ذاتي (شمال) والمطالب بالانفصال.
ووفق أنور أحمد، باحث ومحلل سياسي، فإن "موقف مقديشو المحايد تجاه أزمة الخليج كان مغايراً تماماً لسياستها الخارجية المعهودة، والتي غالباً ما كانت تتوافق مع سياسة العواصم الخليجية، وكان بمثابة رمي الحجر في المياه الراكدة للعلاقات مع الإمارات، التي كانت تلعب الدور القيادي في تلك الأزمة".
وتابع أحمد للأناضول أن "محاولة الإمارات الضغط على الصومال للعدول عن موقفه، من خلال تجييش الولايات الفيدرالية ودفعها لتبني مواقف مناوئة للحكومة المركزية، صبت الزيت على النار في خضم التوتر السياسي بين الجانبين، وهو ما أدى إلى تصعيد لغة التصريحات السياسية بين الجانبين".
وأردف أن "توسع الإمارات وهيمنتها على موانئ القرن الإفريقي، بعد فسخ جيبوتي عقداً مع شركة دبي العالمية، من خلال إبرام اتفاقيات من دون مراعاة الجهات المعنية بهذا الشأن، كان من العوامل التي أثرت أيضاً على العلاقات بين البلدين".
ميناء بربرة
ومراراً اتهم الصومال قوى أجنبية بالتدخل في شؤونه الداخلية، عبر نسج علاقات مشبوهة مع رؤساء الأقاليم الفيدرالية، التي تعترض غالباً على مواقف مقديشو فيما يخص السياسة الخارجية.
وحول أسباب توتر العلاقات قال أويس عدو، أكاديمي ومحلل سياسي، للأناضول، إن جذور النزاع، حسب رؤية مقديشو، هي موقفها المحايد من الأزمة الخليجية واتفاقية ميناء بربرة الثلاثية بين إقليم صوماليلاند وإثيوبيا وشركة دبي العالمية، وهو ما أزم العلاقات لدرجة أن الصومال تقدم بشكوى للجامعة العربية والمحافل الدولية، باعتبار الاتفاقية انتهاكاً لسيادته.
وأضاف "عدو" للأناضول أن الاتفاقية واجهت رفضاً محلياً، داخل النخب السياسية والمؤسسات التشريعية، حيث صوت البرلمان ببطلان تلك الاتفاقية، التي قوضت أيضاً جهود استئناف المفاوضات بين صوماليلاند ومقديشو، برعاية تركية، وهو ما أعطى الأزمة زخماً تصاعدياً بلغ حد التراشق الإعلامي بين مسؤولين في البلدين العربيين.
ودائماً ينظر الصومال إلى التعامل الخارجي المباشر مع رؤساء الأقاليم الفيدرالية كجهة مستقلة، بعيداً عن الحكومة المركزية، كنوع من التدخل في شؤونه الداخلية واستقواء بالخارج.
علاقات شبه مقطوعة
وبشأن طبيعة العلاقات الراهنة بين مقديشو وأبوظبي، قال محمد شيخ، صحفي ومحلل سياسي، للأناضول، إنه منذ 2018 باتت العلاقات الدبلوماسية شبه مقطوعة، بعد توقف تام لجميع أشكال الدعم الإماراتي للصومال، على خلفية مصادرة مقديشو 9.6 ملايين دولار تعود للإمارات في مطار مقديشو، بذريعة التحقيق بشأنها.
وأضاف أنه بغض النظر عن التصريحات والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، من دون مراعاة المصالح المشتركة، ستبقى العلاقات باردة وفي أدنى مستوياتها في المرحلة الراهنة، بحكم المسائل الخلافية العالقة.
انتخابات الرئاسة
هذا الجفاء السياسي مرشح للاستمرار، وفق محللين، ما لم يختر البلدان خوض مرحلة جديدة من المحادثات والتعاطي مع المسائل الخلافية لإذابة التوتر بينهما.
وقال محمد الهاجر، باحث في مركز القرن للاستشارات والبحوث، للأناضول، إن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عاشت مرحلة الشد والجذب، طيلة السنوات الأربع الماضية، بحكم ملفات داخلية وخارجية أضرت بعقود من التعاون السياسي والإنساني.
وأضاف الهاجر أن عودة الحرارة إلى الهاتف بين مقديشو وأبوظبي مرهونة بما ستتمخض عنه الانتخابات الرئاسية المقبلة، فالإمارات تراهن على تغيير قد يطرأ في القصر الرئاسي، علها تجد من يتفهم مصالحها السياسية والاستراتيجية في المنطقة.
وتابع: "الصومال وقيادته المقبلة سينتهج سياسة أكثر مرونة من سابقتها لضبط السياسة الخارجية، من خلال تصفير المشاكل مع الدول المجاورة والإقليمية، لتعزيز الجهود المحلية، وإيصال البلاد إلى انتخابات رئاسية".
وجراء خلافات بين مقديشو والأقاليم بشأن العملية الانتخابية، يعجز الصومال عن إجراء انتخابات، بالرغم من انتهاء ولاية الرئيس في 8 فبراير/شباط الجاري، وولاية البرلمان بغرفتيه (الشيوخ والشعب)، في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي موسم الانتخابات تتصادم مصالح القوى الخارجية، وتتبدل توجهات السياسيين والمرشحين في السباق الرئاسي، وكل طرف خارجي يأمل أن يكون الرئيس القادم من حلفائه.