عاد الحديث مجدداً عن تحوّل الجزائر إلى بلد غير نفطي ليُتداول في بعض الصحف الإنجليزية رغم الاحتياطيات الهامة التي يمتلكها البلد العربي من النفط والغاز، ناهيك عن احتياطيات الضخمة من الغاز والنفط الصخريين، مما يطرح تساؤلات حول حقيقة الأرقام المتضاربة وخلفياتها.
ففي 2018، قال الرئيس التنفيذي لشركة "إيني" الإيطالية العملاقة للنفط والغاز، كلاوديو ديسكالتسي، إن "الجزائر تملك احتياطيات من النفط والغاز والطاقة الشمسية تكفي لتغطية احتياجات الضفتين الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط".
بعد أن توقعت وسائل إعلام دولية في بداية الألفية احتمال خروج الجزائر من قائمة الدول النفطية في 2016، نظراً لتراجع احتياطياتها، وهو ما لم يحدث نظراً للاكتشافات السنوية التي تحققها شركة سوناطراك الجزائرية وشركاؤها الدوليون، مما عوض ما تم استهلاكه.
إنتاج يتراجع وطلب يتزايد
وأسندت وكالة بلومبرغ الأمريكية سبب توقعها خروج الجزائر من نادي الدول المصدرة للنفط، إلى تراجع مبيعاتها النفطية في الخارج إلى 290 ألف برميل فقط في اليوم يناير/كانون الثاني 2021، أي أقل بنسبة 36٪ مما كانت عليه في ديسمبر/كانون الأول 2020.
كما انخفضت صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي الخام والمسال بنحو 30٪ في عام 2020، بحسب بلومبرغ، التي أشارت إلى أن الجزائر المزيد من الغاز على أساس سنوي بينما ينخفض الإنتاج.
إذ انخفض إنتاج الجزائر من الغاز في عام 2019 إلى أدنى مستوى له منذ عقد على الأقل، وفقاً لمنتدى الدول المصدرة للغاز، موازاة مع استهلاك محطات الكهرباء والطاقة مزيداً من الغاز مع ارتفاع عدد السكان، مما يترك مجالاً أقل للتصدير.
وأعاقت التغييرات الإدارية المتكررة جهود سوناطراك السابقة لزيادة إنتاج الطاقة. إذ كان لديها 4 مديرين عامين بين 2019 و2020، و12 منذ 2010.
ولعب تراجع الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة دوراً في تقلص إنتاج النفط والغاز، بسبب قانون المحروقات الذي يحد من هيمنة الشركات متعددة الجنسيات على حقول النفط الجزائرية.
حيث تضغط الشركات النفطية العالمية على الجزائر لتعديل قانون المحروقات بالشكل الذي يزيد من حصصها للاستحواذ على نسب أعلى في حقول النفط والغاز لزيادة أرباحها، بينما يضغط الشارع الجزائري من أجل حفاظ البلاد على سيادتها على ثرواتها الطاقوية.
وتلزم القوانين الجزائرية الشركات الأجنبية أن يكون لها شريك جزائري لا تقل حصته عن 51% وألا تزيد حصتها عن 49%، وهذا ما لم يشجع الكثير منها على ضخ استثمارات كبيرة كما في السابق.
40 مليار دولار استثمارات جزائرية مرتقبة
تقلص إنتاج الجزائر النفطي من 1.1 مليون برميل يومياً في 2016 إلى 937 ألف برميل يومياً مطلع 2021، تماشياً مع اتفاق منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على خفض الإنتاج.
احتياطات الجزائر مازالت معتبرة حيث تبلغ 10 مليارات برميل، أو ما يعادل 1340 مليون طن، ما يكفي البلاد 27 عاماً المقبلة، ونحو 2368 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، بحسب ما أعلنه وزير الطاقة العائد إلى منصبه محمد عرقاب في 2020.
لكن هذه الأرقام أقل مما تم الإعلان عنه قبل 10 أعوام، حيث سجلت احتياطيات النفط حينها 12.2 مليار برميل، و4500 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، هذا يعني أن الجزائر فقدت أكثر من 47٪ من احتياطياتها الغازية، و18٪ من احتياطاتها النفطية.
وتعوض الجزائر ما يتم استخراجه من النفط والغاز عبر الاكتشافات الجديدة المحققة سنوياً، ما يمنح المسؤولين الجزائريين الثقة بالبقاء في نادي المصدرين للنفط لعقود.
فالجزائر أكبر بلد إفريقي مساحة، وأجزاء واسعة من أراضيها لم يتم مسحها واستكشاف ثرواتها في معظم أجزائها جيولوجياً، حسب عدة خبراء دوليين، بينهم عبدالمالك سراي.
وعلى سبيل المثال أعلنت شركة سوناطراك الجزائرية اكتشاف 18 حقلاً غازياً في 2020 فقط.
لذلك تسعى سوناطراك، المصنفة أكبر شركة في إفريقيا، لاستثمار 40 مليار دولار خلال الخمسة أعوام المقبلة، بهدف تطوير عمليات التنقيب والإنتاج، بما فيها التنقيب عن المحروقات في منطقتها الاقتصادية بالبحر الأبيض المتوسط.
زيادة إنتاج الوقود يقلص صادرات النفط
أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع الاستهلاك الداخلي للنفط، ليس فقط ارتفاع السكان، بل أيضاً لجوء الجزائر إلى رفع قدراتها التكريرية للنفط من أجل إنتاج الوقود ووقف استيراده من الخارج.
وارتفع حجم النفط المعالج بـ 7.4%، ليتجاوز 29.1 مليون طن في 2020 مقابل 27.2 مليون طن في 2019.
وهذه الزيادة في تكرير النفط سمحت بتحقيق الاكتفاء الذاتي في المازوت منذ مارس/آذار 2020، وتوقيف استيراد البنزين منذ آب/أغسطس من نفس العام، ما سمح بتوفير ملياري دولار كانت مخصصة لاستيراد الوقود، بل وتصدير كميات منه.
لكن بالمقابل، قلصت معالجة نفط حجم ما هو مخصص للتصدير إلى نحو 1.9 مليون طن سنوياً.
فزيادة التصنيع وتوسيع شبكة إيصال غاز المدينة إلى مدن وبلدات نائية يزيد من حجم الاستهلاك الداخلي للنفط والغاز، ويقلص من حجم التصدير، وإندونيسيا مثال على هذا النموذج حيث تحولت من بلد مصدر للنفط إلى بلد مستورد مما اضطرها للانسحاب من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
هل الغاز الصخري هو الحل؟
هذا أكثر ما يخشاه الجزائريون أن تلجأ الحكومة للحلول السهلة ولو على حساب البيئة والموارد المائية الشحيحة في المناطق الصحراوية التي توجد بها حقول النفط والغاز الصخريين.
فالجزائر تمتلك احتياطات ضخمة من الغاز والنفط الصخريين، جعلتها تحتل المركز الثالث عالمياً بالنسبة للغاز، والمرتبة الـ7 بالنسبة للنفط، بحسب الوكالة الجزائرية لتثمين موارد المحروقات.
وتقدر احتياطيات الغاز الصخري الجزائري بـ 9818 تريليون قدم مكعب (278 ترليون متر مكعب)، أي 117 ضعف احتياطات الغاز الطبيعي المثبتة.
أما النفط الصخري فتصل احتياطياته إلى 1194 مليار برميل من النفط الصخري، أي أكثر من 11 ضعف احتياطيات النفط التقليدي.
هذه الثروة الهائلة تُغري الحكومات الجزائرية لاستغلالها على غرار ما تفعل الولايات المتحدة، والتي أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم بفضل النفط الصخري، كما استغنت عن استيراد الغاز بل وأصبحت مصدرة للغاز الصخري.
وكانت سوناطراك تعتزم استثمار 70 مليار دولار لاستخراج الغاز الصخري في 2015، لكن الاحتجاجات الشعبية أوقفت هذه المشاريع.
وتحاول الحكومة البحث عن بدائل أخرى لحل المعضلة الطاقوية والحفاظ على مركزها كثالث أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا، في ظل دخول منافسين جدد إلى السوق.
واستغلال الطاقات المتجددة وعلى رأسها الطاقة الشمسية أحد الخيارات المطروحة لتلبية الاستهلاك الداخلي من الطاقة، وتخصيص معظم إنتاج المحروقات نحو التصدير.
وتسعى الجزائر لتوفير 27% من قدرات الطاقة الكهربائية عبر إنتاج ما لا يقل عن 22 ألف ميغاوات من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، منها ما لا يقل عن 13.5 ألف ميغاوات من الطاقة الشمسية الكهروضوئية بحلول عام 2030.
ويمثل هذا الخيار حلاً مثالياً بالنسبة للبيئة، خاصة أن معدل الإشعاع الشمسي بالأراضي الجزائرية هام ويتراوح ما بين 2000 و3900 ساعة سنوياً، لكنه غير كافٍ لتلبية احتياجات الجزائر المتزايدة من الطاقة.
ما يعني أن الجزائر ستسعى لتنويع مصادرها الطاقوية، على أمل أن يسمح التطور التكنولوجي في تسهيل استخراج النفط والغاز الصخريين دون الإضرار بالبيئة.