هل الاتفاق النووي الإيراني هو العصا السحرية لجلب الاستقرار للمنطقة؟ كلا وهذه هي الأسباب

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/24 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/28 الساعة 08:14 بتوقيت غرينتش
الشرق الأوسط/ عربي بوست

أصبح ملف الاتفاق النووي الإيراني الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن وكأن إعادة إحياء ذلك الاتفاق تحمل معها حلاً سحرياً لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ككل، فما مدى دقة هذا الطرح؟

والاتفاق النووي هو التعريف الإعلامي لخطة العمل الشاملة المشتركة التي تم الاتفاق عليها بين القوى الكبرى (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا) وإيران، فيما يعرف أيضاً باتفاق 5+1 الموقع عام 2015 بشأن برنامج طهران النووي.

الاتفاق النووي الإيراني إيران أمريكا بايدن
بايدن، والمرشد الإيراني علي خامنئي – عربي بوست

الاتفاق وقعته إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وكان الرئيس الحالي جو بايدن نائباً لأوباما، وبحسب محللين، لا يزال بايدن مقتنعاً بأن ذلك الاتفاق الذي انسحب منه سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب يمثل حجر الزاوية في تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ككل.

ماذا تعني "عودة أمريكا"؟

تحدث الرئيس الأمريكي والمسؤولون في إدارته عن "عودة أمريكا إلى الطاولة" للتعبير عن استعادة دور واشنطن على المسرح السياسي الدولي على عكس السياسة الانعزالية التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وفي القلب من تلك العودة تأتي استعادة الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، إذ إن المنطقة التي تتمتع فيها واشنطن بالنفوذ الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وعلى الرغم من أن ملف البرنامج النووي يمثل أحد أسباب عدم الاستقرار في المنطقة بالفعل، فإن تركيز الإدارة الأمريكية على هذا الملف دون غيره يثير علامات استفهام بشأن ما يمكن أن يتحقق على طريق استعادة الاستقرار أو على الأقل وقف مسار التدهور ومعاناة شعوب المنطقة الممتدة منذ عقود.

القوات الأمريكية في سوريا
قوات أمريكية في سوريا – رويترز

فالوضع في سوريا لا يقل أهمية، بحسب كثير من المراقبين، عن الملف النووي الإيراني في علاقته بتحقيق الاستقرار في المنطقة. إذ تمثل سوريا فشلاً ذريعاً للسياسة الخارجية الأمريكية على مدى عقد من الزمان، وعندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية ضد حكم بشار الأسد المتسم بالفساد والقمع قبل 10 سنوات، كان بايدن نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، وتمحور هدف الولايات المتحدة الرئيسي في التخلص من نظام الأسد.

وحتى الآن لم تفشل واشنطن فقط في تحقيق الهدف الأساسي من سياستها، لكنها لم تحقق أي شيء من الأساس، وهو ما تناوله موقع Responsible Statecraft الأمريكي من منطلق أن الوضع في سوريا يمثل تحدياتٍ استراتيجية وإنسانية حادة، راصداً كيف أن إدارة بايدن لابد وأن تعيد تقييم سياسة الولايات المتحدة إزاء سوريا إذا ما كانت جادة في سعيها لاستعادة دورها ومن خلاله تعيد الاستقرار للمنطقة.

وفي ليبيا كان التدخل الأمريكي سبباً مباشراً في تعميق الصراع هناك، بحسب محللين أمريكيين، بعد أن أجرى الرئيس السابق دونالد ترامب اتصالاً هاتفياً بالجنرال خليفة حفتر في أبريل/نيسان 2019 بعد أن بدأ حفتر هجومه على طرابلس مقر الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً وأمريكياً بطبيعة الحال.

والآن بعد هزيمة حفتر وفشل مشروعه في فرض ديكتاتورية عسكرية في ليبيا وعودة المسار السياسي، يرى محللون أن الإدارة الأمريكية عليها أن تلقي بثقلها لإنجاح ذلك المسار فعلياً وأن تستخدم "عودتها" لضمان عودة الأمور إلى الحرب مرة أخرى.

ماذا حقق الاتفاق النووي خلال 3 سنوات؟

سوريا وليبيا نموذجان لقضايا الشرق الأوسط وصراعاته المتعددة والتي ظلت ولا تزال مشتعلة بينما كان الاتفاق النووي مع إيران سارياً منذ توقيعه عام 2015، وهو ما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية تحتاج لاستراتيجية أكثر شمولاً فيما يخص منطقة الشرق الأوسط ولا تركز فقط على إعادة إحياء الاتفاق النووي.

ونشرت مجلة Foreign Affairs الأمريكية تقريراً في هذا السياق عنوانه "الاستقرار في الشرق الأوسط يتطلب أكثر من مجرد اتفاق مع إيران"، رصد آراء محللين في كيف يمكن لواشنطن أن تكون جزءاً من حل إقليمي لا يتجاهل أياً من قضايا المنطقة.

تهديد خليفة حفتر بالحرب في ليبيا
الجنرال المتقاعد خليفة حفتر (رويترز)

إذ أعلن بايدن أنه ينوي بالفعل العودة للاتفاق النووي مع إيران والالتزام ببنوده مشترطاً عودة إيران للالتزام أولاً قبل رفع العقوبات عنها، وهو ما رفضته طهران التي تطالب بالعكس، أي أن ترفع واشنطن العقوبات أولاً، لكن عملية إحياء الاتفاق النووي ليست بتلك البساطة التي تتحدث عنها إدارة بايدن وقيادات إيران، فنجاح الاتفاق في تحقيق نوع من الاستقرار في المنطقة يعد تفكيراً غير واقعي، بحسب تقرير المجلة الأمريكية الذي استطلع آراء 210 مسؤولين سابقين وخبراء ومحللين سياسيين على دراية بشؤون المنطقة.

استطلاع آراء صناع قرار سابقين وحاليين في 15 دولة، أجرته "فورين أفيرز" بالتعاون مع معهد تشازام هاوس للدراسات، خلص إلى أن قضايا المنطقة ليست جميعها ناتجة عن سلوك إيران وبرنامجها النووي وبالتالي فإن تركيز إدارة بايدن على العودة للاتفاق النووي وتصوير ذلك على أنه عصا سحرية ستعيد الاستقرار للمنطقة غير صحيح.

فالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يمثل قضية جوهرية في المنطقة لا يمكن تجاهلها إذا ما أرادت الولايات المتحدة أن تحقق الاستقرار بالفعل كما تعلن، والآن في ظل تحرك الفلسطينيين نحو إجراء الانتخابات الأولى منذ 15 عاماً، يرى محللون وخبراء أن إدارة بايدن عليها أن تتخذ خطوات جادة للضغط على تل أبيب كي تلتزم بالقانون الدولي بصفتها سلطة احتلال، وألا تضع العراقيل أمام إجراء الانتخابات الفلسطينية حتى توجد سلطة واحدة منتخبة يمكن أن تتعامل معها الإدارة والمجتمع الدولي لإعادة إحياء مفاوضات إقرار السلام.

الحاجة إلى سياسة أمريكية جديدة في المنطقة

وفي هذا السياق يمكن التوقف عند موقف إدارة بايدن من العراق كنموذج آخر على فشل التركيز على إيران والاتفاق النووي وتجاهل قضايا المنطقة، فبايدن لم يذكر العراق مرة واحدة في تصريحاته منذ توليه منصبه يوم 20 يناير/كانون الثاني الماضي، لكن تعرض قاعدة أمريكية في إربيل لهجوم بالصواريخ قبل أيام اضطره لإجراء مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

مكالمة بايدن للكاظمي هي الثانية فقط لأحد قادة الشرق الأوسط، بعد مكالمته مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وهو ما يشير -بحسب مراقبين- إلى أن الشرق الأوسط ربما لا يأتي في مكانة متقدمة على أجندة الرئيس الأمريكي الذي يبدو وكأن تركيزه منصبّ فقط على إعادة إحياء الاتفاق النووي.

وربما يكون الوقت قد حان لواشنطن كي تعيد النظر بشكل جذري في سياستها الخاصة بالشرق الأوسط في ضوء كون سياستها القديمة قد عفا عليها الزمن، وأصبحت تمثل خطورة حقيقية ليس فقط على مصالح أمريكا ولكن على المنطقة نفسها، التي أصبحت على صفيح ساخن بالفعل، بحسب تقرير لمجلة Foreign Affairs.

والمقصود هنا أن سياسة أمريكا في المنطقة على مدار عقود كانت ترتكز على هدفين استراتيجيين هما الدعم المطلق لإسرائيل وضمان تفوقها العسكري من ناحية، وضمان تدفق النفط من المنطقة بأسعار مقبولة لواشنطن من ناحية أخرى، ثم جاءت رئاسة دونالد ترامب لتتسبب في أخذ صراعات المنطقة إلى مرحلة من الخطورة يراها أغلب المحللين غير مسبوقة.

جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران

والآن يبدو أن إدارة بايدن وضعت إحياء الاتفاق النووي مع إيران كركيزة أساسية لاستعادة نفس السياسة الأمريكية في المنطقة، وهو ما يبدو وكأن بايدن عازم على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن حول العالم، لكن التوقف عند الملف الوحيد في الشرق الأوسط الذي اتخذ فيه بايدن بالفعل قرارات متعددة يمكن أن يكون كاشفاً عما قد تؤدي إليه تلك السياسة الأمريكية.

والمقصود هنا هو ملف الحرب في اليمن الذي شهد التحرك الأول لبايدن في ملفات السياسة الخارجية، إذ اتخذ بايدن قراراً بوقف بوقف الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية التي ينفذها التحالف الذي تقوده السعودية على الحوثيين في شمال اليمن، ووقف أي صفقات أسلحة مرتبطة بها خططت لها إدارة ترامب في أيامها الأخيرة، وعين مبعوثاً خاصاً لليمن وألغى قرار إدارة ترامب تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية.

لكن خطوات بايدن لم تؤدِّ الهدف منها، بل صعّد الحوثيون من هجماتهم العسكرية داخل اليمن سعياً للسيطرة على محافظة مأرب وخارج اليمن بتكثيف هجماتهم بالصواريخ الباليستية والمسيرات المتفجرة على أهداف مدنية داخل السعودية، كما فشلت جهود تبادل الأسرى بين الحكومة اليمنية والحوثيين والتي كانت تجري في العاصمة الأردنية بإشراف المبعوث الأممي لليمن غريفيث، فيما أرجعه محللون إلى شعور الحوثيين بأنهم في موقف قوي بعد قرارات بايدن يجعلهم أقل ميلاً للقبول بتسوية سلمية.

والخلاصة هي أنه على الرغم من أن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران يمثل بلا شك أحد أبرز أسباب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، إلا أنه بالتأكيد ليس السبب الوحيد ولا الملف الوحيد الذي قد تؤدي تسويته لأن تنعم المنطقة بالاستقرار والسلام، فمن سوريا إلى لبنان إلى العراق إلى اليمن إلى ليبيا والصومال وفلسطين توجد صراعات أخرى لا تقل أهمية لاستقرار المنطقة.

تحميل المزيد