بعد فترة من الهدوء، شهد الصومال مؤخراً، توترات واضطرابات، وسط اتهامات من قِبل حكومته للإمارات بالوقوف وراء هذه الأحداث، فما مدى صحة هذه الاتهامات وما الأسباب الحقيقية وراء الأزمة بين الصومال والإمارات؟
وشهدت مقديشو، الجمعة الماضي، مواجهات مسلحة بين القوات الحكومية وقوات موالية لكتلة المرشحين في سباق الرئاسة (تتألف من 14 مرشحاً رئاسياً)، إثر محاولة بعض المرشحين التوجه إلى ساحة "الجندي المجهول"، التي كان من المقرر عقد مظاهرات فيها في اليوم ذاته.
وتقول الكتلة، إن هدف تحركاتها هو "التصدي لممارسات الحكومة" فيما يتعلق بالانتخابات، بشأن طريقة إجرائها واللجان الموكولة إليها إدارة السباق، ومن أبرز أعضائها الرئيس السابق حسن شيخ محمود.
أسباب الخلاف الصومالي
وتسود الصومال حالة من الاحتقان السياسي، نتيجة خلافات بين الحكومة من جهة، ورؤساء الأقاليم والمعارضة من جهة أخرى، حول بعض التفاصيل المتعلقة بآلية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وأدت تلك الخلافات إلى تأجيل الانتخابات أكثر من مرة، دون تحديد موعد واضح لها رغم عقد عدة جولات حوارية، كان آخرها أوائل الشهر الجاري.
وفقاً لاتفاقية سبتمبر/أيلول 2020، كانت الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول 2020 والانتخابات الرئاسية في 8 فبراير/شباط 2021. وبينما تم تأجيل الانتخابات البرلمانية، لم تُجر الانتخابات الرئاسية. ولم يتم تحديد مواعيد جديدة للانتخابات بعد.
واتهم الصومال في وقت سابق، قوى خارجية، لم يسمّها، بالعمل على "عرقلة" جهود التوصل إلى اتفاق نهائي تمهيداً لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد.
وقال بيان لوزارة الخارجية الصومالية: "إنه رغم استعداد الحكومة الصومالية ورؤساء الأقاليم الفيدرالية لمعالجة المسائل الخلافية، ظل تأثير قوى خارجية عقبة أمام انتهاء الأزمة التي قد تمهد الطريق لإجراء الانتخابات".
وأشار البيان إلى أن الحكومة الصومالية كانت تسعى لتطبيق نموذج انتخابي (صوت واحد لشخص واحد)، من أجل تمكين الشعب من التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
إلا أن هذا النموذج الانتخابي، وفق البيان، لم يتحقق نتيجة اعتراض بعض رؤساء الأقاليم الفيدرالية عليه، ومن أجل الوصول إلى اتفاق شامل، وافقت الحكومة على اقتراح بديل حول تطبيق نموذج انتخابات (غير مباشرة).
وتعليقاً على تصعيد المواجهات المسلحة الأخيرة، عبّر البيان عن أسفه لمحاولة كتلة المرشحين في سباق الرئاسة تنظيم مظاهرات "غير مشروعة" عشية إجراء المفاوضات بين الحكومة ورؤساء الأقاليم الفيدرالية في العاصمة مقديشو.
ما سبب الخلاف بين رئيس الصومال والإمارات وسر غضب أبوظبي الشديد منه؟
وتحوّل الصومال مؤخراً إلى ساحة للنزاعات في منطقة الخليج والشرق الأوسط.
فمثل دول القرن الإفريقي الأخرى، اتخذت الحكومة الصومالية موقفاً محايداً تجاه الأزمة الخليجية. لكن الإمارات العربية المتحدة رأت في صمت مقديشو أنه دليل على انتمائها للمعسكر المؤيد لقطر، ولم تكن أبوظبي مسرورة بذلك، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Monitor.
في عام 2017، عندما تولى الرئيس محمد عبدالله فرماجو منصبه، عممت تقارير تفيد بأن قطر وتركيا موّلتا حملته ومزاعم أخرى للمسؤولين المعينين في مناصب بارزة داخل إدارة فرماجو الذين لهم علاقات بالدوحة وأنقرة أثارت قلق أبوظبي.
وأوردت تقارير أن محمد رفض 80 مليون دولار من السعودية، بعد بدء الأزمة مباشرة، لقطع العلاقات مع قطر. ويمكن القول إن قرار الصومال البقاء محايداً، واهتمام الإمارات بتطوير العلاقات مع الإقليمين المنشقين في شمال الصومال، هما أهم العوامل التي تحدد كيف ترسم أبوظبي مسار عملها المستقبلي في البلاد.
واجهت العلاقة بين الصومال والإمارات المُضطربة والضبابية مشكلة حين صادرت السلطات الصومالية، في أبريل/نيسان 2018، حقائب نقود تحوي 9.6 مليون دولار على متن طائرة إماراتية في مطار مقديشو.
وفي حين أكدت الإمارات أن هذه الأموال كانت مخصصة لدفع رواتب الجنود الصوماليين الذين كانت تدربهم، أصرت السلطات الصومالية على أن هؤلاء الجنود كانوا يُستغلون لإثارة الفتنة ضد الحكومة المركزية.
وبعد بضعة أيام، اشتبه المسؤولون الصوماليون مرة أخرى، في أمتعة بمطار بوصاصو في بونتلاند، وحاولوا تفتيشها ولكن دون جدوى.
ونتج عن هذين الحادثين، اللذين وقعا أثناء رفض حكومة مقديشو إعلان موقف مؤيد للإمارات في أزمة مجلس التعاون الخليجي، القرار الإماراتي بإنهاء البرنامج التدريبي للجيش الصومالي وقطع مساعدات التنمية، حسبما ورد في تقرير لموقع Lobe Log الأمريكي.
وما يزيد من هذه المشكلات مع أبوظبي علاقة مقديشو الجيدة مع أنقرة والدوحة. إذ إن تركيا من بين أكبر مقدمي الخدمات الاقتصادية والاجتماعية للصومال. وأنشأت أيضاً قاعدة عسكرية بمقديشو في 2017 لتدريب 10 آلاف جندي صومالي. وإضافة إلى ذلك، زادت الصادرات التركية إلى الصومال من 5.1 مليون دولار عام 2010 إلى 123 مليون دولار عام 2017.
ومن جانبها، دعمت قطر الحكومة المركزية في مقديشو وتعهدت بتقديم مساعدة مالية لمشاريع البنية التحتية والتنمية الاجتماعية.
وفي أوائل عام 2019، تبرعت بـ68 مدرعة للقوات المسلحة الصومالية. وفي 20 أغسطس/آب من العام ذاته، وقّع البلدان اتفاقاً تبني قطر بموجبه ميناءً بحرياً جديداً في مدينة هوبيو المرفئية على الساحل الشرقي، وهو ما يعادل عملياً الاستثمارات الإماراتية بالمنشآت البحرية في إقليمي أرض الصومال وبونتلاند.
أبوظبي الراعي الرسمي للانفصاليين في الصومال
لا تخفي الإمارات كونها راعياً وداعماً للانفصاليين في أرض الصومال وبونتلاند الواقعتين بشمال الصومال، حيث استثمرت أبوظبي الوقت والطاقة والموارد المالية والعسكرية.
يقول تقرير موقع Lobe Log الأمريكي: "ربما يكون القادة الإماراتيون قد اتخذوا بالفعل قراراً بالمساعدة في إقامة دويلات سهلة الانقياد على طول الساحل الشرقي لإفريقيا، لتعكس عملياً الدولة المستقلة التي يسعى المتمردون الجنوبيون في اليمن حالياً لتأسيسها.
سر الصفقة الإثيوبية الإماراتية مع الانفصاليين
تزعم الحكومة الصومالية أن الإمارات تعمل الآن بنشاط على زعزعة استقرار البلاد، متهمةً إياها بتمويل قوات المعارضة. اشتدت هذه الشكوك بعد أن تجاوزت موانئ دبي العالمية، الحكومة المركزية للصومال ووقعت صفقة مع منطقة أرض الصومال شبه المستقلة لتطوير وتشغيل ميناء باربرا. حتى إن موانئ دبي العالمية جلبت استثمارات إثيوبية ومنحت أديس أبابا حصة في الميناء، حسب تقرير Middle East Monitor.
وأعلنت مقديشو أن الصفقة غير قانونية وحاولت منعها من خلال رفع شكوى إلى جامعة الدول العربية. وقال زعيم أرض الصومال موسى بيهي عبدي، إن حكومة فرماجو كانت تعلن الحرب بمحاولة عرقلة الصفقة. وبموجب الاتفاق، تستعد أرض الصومال للحصول على استثمارات تصل إلى 442 مليون دولار، ويمكن لاتفاقية منفصلة مع أبوظبي السماح للقواعد العسكرية الإماراتية في المنطقة بأن تدر مليار دولار إضافي، وفقاً لمجموعة الأزمات الدولية.
من شأن صفقات أبوظبي والصومال أن تمثل أخطاراً على أقطار عربية عدة، فهي تهدد الوحدة الوطنية للصومال عبر تقوية الكيانين الشماليين الانفصاليين، والأخطر أنها تتيح للعدو التاريخي للصومال، إثيوبيا، مزيداً من النفوذ في هذا البلد الممزق.
كما أنها تتيح الفرصة لمزيد من تعزيز نفوذ إثيوبيا في القرن الإفريقي، مما يعزز التنمر الإثيوبي على مصر والسودان سواء في ملف سد النهضة، أو الخلاف الحدودي مع الخرطوم.
والأخطر أن إضعاف الحكومة المركزية وإدخال الصومال في الاضطرابات مجدداً معناهما عودة إعطاء جرعة تنشيط للجماعات الإرهابية، لاسيما حركة شباب المجاهدين التي أبلت الحكومة الحالية بلاءً حسناً في مواجهتها.
وإذا نجحت خطط الإمارات باليمن والصومال على النحو الذي تريده، فربما يصبح العالم في مواجهة تحدٍّ جديد للاستقرار والسلام الإقليميين على الحافة الغربية للمحيط الهندي.
وهو ما يشير إلى أن اتهامات الحكومة الصومالية ليست بعيدة عن الحقيقة، حيث اتهم وزير الإعلام الصومالي، عثمان أبوبكر، الإمارات بأنها تريد جعل بلاده "مثل ليبيا واليمن، وتسعى لإثارة الفوضى"، في ردٍّ على بيان للخارجية الإماراتية وصف الحكومة الصومالية بـ"المؤقتة".
وقد يعزز من مصداقية هذه الاحتمالات الحملة الممنهجة للإعلام الموالي للإمارات والسعودية على الحكومة الصومالية، وأيضاً خسائر الإمارات التكتيكية في ليبيا بعد اختيار مجلس رئاسي جديد ورئيس حكومة وتراجع دور حفتر، ورغبتها في تعويض خسارتها بالصراع الإقليمي مع تركيا وقطر.