سترفع إدارة بايدن السرية عن تقرير استخباراتي حول اغتيال جمال خاشقجي، وفقاً لأفريل هينز، مديرة المخابرات الوطنية الأمريكية الجديدة، وهو ما قد يلقي بظلال كثيفة على العلاقات الأمريكية السعودية.
ويعني القرار أنه من المرجح أن تلقي الولايات المتحدة اللوم رسمياً على اغتيال جمال خاشقجي الوحشي على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وذكرت تقارير إعلامية أن أجهزة المخابرات الأمريكية حددت بدرجة متوسطة إلى عالية من الثقة أن الأمير محمد أمر بالقتل، لم يتم الإعلان عن هذا التقييم رسمياً. ونفى ولي العهد أنه أمر بالجريمة التي نفذت في القنصلية السعودية في إسطنبول.
سيُنشَر التقرير وهو ملخص غير سري للنتائج أصدره مدير الاستخبارات الوطنية عبر مجتمع الاستخبارات، في وقتٍ مبكِّرٍ من الأسبوع المقبل، وفقاً لما نقله تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية عن أشخاصٍ وصفهم معدو التقرير بالمُطَّلِعين على الأمر.
إشادة أممية
وأشادت أغنيس كالامارد، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بعمليات القتل خارج نطاق القانون، قائلة إن المعلومات ستوفر "القطعة الأساسية المفقودة في أحجية إعدام جمال خاشقجي".
وقالت كالامارد إنها تأمل في أن تظهر معلومات أخرى أيضاً، مثل أي تفاصيل جديدة حول مكان رفات خاشقجي.
كما أشارت كالامارد، التي سيتم تعيينها رئيسة جديدة لمنظمة العفو الدولية في وقت لاحق من هذا العام، إلى التهديدات الأخرى التي ورد أن عملاء الأمير محمد وجههوها ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمسؤولين السعوديين السابقين في كندا والنرويج، مشيرة إلى أنه "إذا كانت لدى المخابرات الأمريكية معلومات عن هؤلاء العملاء، فأعتقد أنه ينبغي عليهم حقاً إتاحة هذه المعلومات للجمهور".
قُتِلَ خاشقجي بوحشية في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وهو صحفي سعودي منفيٌّ كتب انتقاداتٍ لقيادة المملكة من موطنه الجديد في ولاية فيرجينيا الأمريكية، بما في ذلك أعمدة لصحيفة Washington Post الأمريكية. واستُدرِجَ إلى القنصلية السعودية في إسطنبول للحصول على أوراق لازمة له، إذ كان يخطِّط للزواج من مواطنة تركية، وخُدِّرَ ومُزِّقَت أوصاله على يد عملاء سعوديين، وفقاً لتحقيقات الحكومة التركية والأمم المتحدة.
وسقطت الشكوك على الفور على الوريث الطموح للعرش السعودي، الذي كان يعزِّز سلطته داخل العائلة الملكية السعودية، التي غالباً ما تكون منقسمة. ورغم مزاعم الحكومة السعودية بأنه لم يكن متورِّطًا، خلصت وكالة الاستخبارات المركزية، في تقييمٍ سُرِّبَ في وقتٍ لاحق من ذلك العام، إلى أن وليّ العهد هو من أمر بالاغتيال.
ترامب وصف الاغتيال بالعملية المارقة
لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كان حليفاً قوياً للأمير محمد واختار السعودية كأول محطة لجولاته الخارجية، أصرَّ على استبعاد استنتاجات جهاز الاستخبارات الخاص به، واصفاً الجريمة بأنها "عملية مارقة"، واستمرَّ في حماية وليّ العهد السعودي. وفي حديثه عنه، تفاخَرَ في مقابلةٍ مع الصحفي الاستقصائي الأمريكي بوب وودوارد بأنه "أنقذه" من محاولات الكونغرس لتحميله المسؤولية عن القتل.
وفي أوائل العام 2019 أقرَّ الكونغرس قانوناً يمنح إدارة ترامب 30 يوماً لتقديم تقرير غير سري من مكتب مدير الاستخبارات الوطنية مع "تحديدٍ ودليلٍ فيما يتعلَّق بالمعرفة السابقة ودور أيِّ مسؤولٍ حالي أو سابق في المملكة السعودية.. على التوجيه أو الأمر أو التلاعب بالأدلة في الخاصة بعملية اغتيال جمال خاشقجي".
وتجاهَلَ ترامب هذا القرار، وفي فبراير/شباط 2020 أبلغ مدير مكتب الاستخبارات الوطنية التابع له قادة الكونغرس بأنه "غير قادر على تقديم معلومات إضافية على المستوى غير السري".
وفي يوليو/تموز من العام نفسه، أخبرهم مدير الاستخبارات الوطنية جون راتكليف، رداً على طلبات إضافة من المُشرِّعين، بأنه لن يُقدَّم أيُّ شيء. وكان قد خلص بعد مراجعةٍ إضافية، كما كتب لهم، إلا أن "الكشف عن التفاصيل الإضافية المتعلِّقة بمقتل خاشقجي من شأنه أن يقوِّض مصادر وأساليب الاستخبارات الأمريكية".
في الوقت نفسه، كتب راتكليف: "لقد قررت أنه لا يوجد سوى حجة هامشية حول "المصلحة العامة" لرفع السرية.
الأمر اختلف بعد وصول بايدن للبيت الأبيض
ولكن بعد وصول بايدن الذي طالما انتقد السياسات السعودية للحكم تغير الأمر.
خلال الحملة الانتخابية لعام 2020، شن بايدن هجمات لاذعة ضد ولي العهد، قائلاً إن المملكة العربية السعودية بحاجة إلى أن تُعامل على أنها "منبوذة". من المتوقع أن تسعى إدارة بايدن إلى الحد من مبيعات الأسلحة للسعودية، لكنها قد تتخذ أيضاً إجراءات أكثر استهدافاً ضد الأمير محمد، بما في ذلك العقوبات المالية.
وفي جلسة استماع أفريل هاينز لتولي منصب مديرة الاستخبارات الوطنية لبايدن، سأل السناتور رون وايدن (ديمقراطية) عمَّا إذا كانت هاينز ستصدر التقرير، فأجابت هاينز: "نعم. في الواقع سوف نتبع القانون".
وفي بيانٍ عبر مكتبه، قال وايدن هذا الأسبوع إنه "بعد أربع سنوات من تجاهل دونالد ترامب وتمكينه التجاوز السعودي عن القانون، اتخذ الرئيس بايدن بالفعل خطواتٍ لاستعادة المساءلة من خلال إنهاء الدعم للحرب المروِّعة التي تقودها السعودية في اليمن، وإيقاف مبيعات الأسلحة مؤقتاً، واعداً باتِّباع القانون ونشر التقرير عن اغتيال جمال خاشقجي. إنني أحثُّ الإدارة على البناء على هذه الخطوات من خلال فرض عواقب حقيقية على المسؤولين السعوديين نظير هذه الانتهاكات وغيرها".
ما تأثير التقرير الاستخباراتي بشأن اغتيال جمال خاشقجي على العلاقات الأمريكية السعودية؟
وتأتي خطط إصدار التقرير في الوقت الذي تراجعت فيه العلاقات الأمريكية السعودية إلى مستوى متدنٍّ جديد في الأسابيع الأخيرة، مع إلغاء الإدارة الأمريكية لمبيعات الأسلحة، وانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان وملاحقة المعارضين في المملكة، وتعهُّد الإدارة الأمريكية بـ"إعادة ضبط" العلاقات مع المملكة.
وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين بساكي، يوم الثلاثاء 16 فبراير/شباط، إن الرئيس بايدن، الذي لم يتواصل مباشرةً مع حكَّام السعودية، لن يتحدَّث مع وليّ العهد، الزعيم الفعلي للمملكة.
وأضافت المتحدثة باسم البيت الأبيض: "لقد أوضحنا من البداية أننا سوف نعيد تقييم علاقاتنا مع السعودية، وأحد الأسئلة التي تم طرحها سابقاً كان حول ما إذا كان الرئيس بايدن سيتحدث مع الأمير محمد بن سلمان"، موضحة أن الطبيعي أن التواصل يكون من نظير إلى نظير.
وقالت: "نظير الرئيس هو الملك سلمان، وأتوقَّع أن يجري الرئيس محادثةً معه في الوقت المناسب".
وتابعت: "لكن أقول أيضاً إن السعودية في موقف الدفاع عن النفس أمام تهديدات من المنطقة ولديهم احتياجات للدفاع عن أنفسهم، وسنواصل العمل معهم على ذلك، مع التوضيح أن هناك أموراً نختلف حولها وأموراً تقلقنا، وهذا بالتأكيد تحول عن نهج الإدارة السابقة".
سيثير إصدار تقرير خاشقجي أيضاً مجموعة من الأسئلة الجديدة بشأن العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وقد يضيف تقرير خاشقجي إلى التوتُّر البادي في العلاقات. قال ديفيد أوتاواي، الخبير في الشأن السعودي في مركز ويلسون الدولي في واشنطن: "أعتقد أن ذلك سيجعل بايدن يصل إلى مقصده. سيتعيَّن عليه تحديد علاقته بالقيادة السعودية وكذلك الخطوات التي سيتَّخذها بناءً على ذلك".
وأضاف: "هناك أشياء كثيرة تؤثِّر على العلاقة، وأشعر أنها تتدهور".
ولم يرد مسؤولٌ كبير بوزارة الخارجية السعودية على أسئلةٍ حول إصدار التقرير أو جوانب أخرى من العلاقات الأمريكية السعودية. وقال متحدثٌ باسم مكتب مدير الاستخبارات الوطنية إنه "لن يعلِّق على توقيت أو محتويات التقرير غير السري"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
هناك حدود للتغيير المتوقع في العلاقة
وإذا كان التقرير الاستخباراتي يشير إلى الأمير محمد بن سلمان باعتباره مسؤولاً عن جريمة القتل، فإنه سيثير سؤالاً عما سيفعله بايدن لمحاسبته، حسبما يتساءل بروس ريدل، محلل سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومدير في معهد بروكينغز في حديثه لصحيفة The Guardian.
ولكن رغم كل ذلك فإن إدارة بايدن قدمت إشارات على أنه سيكون هناك حدود لتغيير مواقفها من السعودية، إذ قالت إنها ستواصل إمداد المملكة السعودية- أكبر زبونٍ للأسلحة الأمريكية في العالم- بوسائل الدفاع عن نفسها ضد خصومها الإقليميين، بما في ذلك إيران والمتمرِّدون الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن المجاورة، وأشارت إلى أنها تريد الاستمرار في شراكةٍ قوية لمكافحة الإرهاب.
غير أن الإدارة أوضحت أنها، على عكس سابقتها، ستضغط على السعوديين من أجل إنهاءٍ دبلوماسي لحربهم في اليمن وتخفيف تطرُّفهم، ولن تسمح للرياض بالتدخُّل في خططها للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي عقده باراك أوباما في 2015.
محكمة أمريكية تنظر في القضية
وحتى بدون ضغوط الكونغرس، كانت الجهود لفرض إصدار التقرير تتحرَّك بسرعةٍ من خلال المحكمة الفيدرالية في المنطقة الجنوبية من نيويورك، حسب صحيفة Washington Post.
وكانت أول قضيتين رفعتهما مبادرة "عدالة المجتمع المفتوح"، بموجب قانون حرية المعلومات، هي طلباً عام 2019 لـ"جميع السجلات" المتعلِّقة بالقتل والمسؤول عنه، بما في ذلك تقرير وكالة الاستخبارات المركزية السري. وطلبت إدارة ترامب في ديسمبر/كانون الأول، بأمرٍ من المحكمة، تمديد الموعد النهائي، فيما طلبت إدارة بايدن الآن تمديداً إضافياً حتى الشهر المقبل.
وطلبت قضيةٌ منفصلة رُفِعَت في الصيف الماضي إصدار وثيقة مدير الاستخبارات الوطنية، المُكوَّنة من صفحتين. وفي وقتٍ متأخِّر من يوم الأربعاء، 17 فبراير/شباط، طلبت وزارة العدل تمديداً لمدة أسبوعين، حتى 3 مارس/آذار، للردِّ على طلبات مبادرة عدالة المجتمع المفتوح لإصدار حكم موجز. وقالت الإدارة إنها بحاجةٍ إلى مزيدٍ من الوقت لـ"تقييم القضايا التي قد تؤثِّر على موقف الحكومة في هذه الأمور".
وردَّت مبادرة عدالة المجتمع المفتوح بالموافقة على تمديدٍ لمدة أسبوع واحد، قائلةً إنه "بحلول 24 فبراير/شباط، يجب على الحكومة الأمريكية تقديم تحديث موضوعي للمحكمة فيما يتعلَّق بالخطوات التالية في هذه الحالة، بما في ذلك على وجه الخصوص ما إذا كانت الحكومة تنوي الاستمرار في حجب تقرير مدير الاستخبارات الوطنية عن خاشقجي بالكامل".