تواجه صناديق الثروة السيادية في دول الخليج تحديات على صعيد تفاقم الالتزامات المالية للموازنات العامة، وارتفاع العجز إلى مستويات قياسية، جراء تداعيات جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط خلال عام 2020.
وأدّى انخفاض أسعار الخام، الناجم عن الوباء، إلى زيادة كبيرة في متطلبات الاقتراض الإجمالية للحكومات الخليجية، التي سيتم الوفاء بها جزئياً عبر السحب من صناديق الثروة السيادية.
وبحسب تقارير مؤسسات التصنيف الدولية، قد تلجأ دول المنطقة إلى تسييل جزء من الاستثمارات الخارجية في صناديقها السيادية، لتخفيف حدة السحب من الاحتياطيات الأجنبية لدى البنوك المركزية، وعدم اضطراب أسعار صرف عملاتها. وفي ظل هذه الأزمة، ما المشاكل التي تواجهها هذه الصناديق، وما حجمها لدى الدول الخليجية، وإلى أي مدى يمكنها أن تُسهم في مواجهة الأزمة الحالية؟
بداية، ما هي صناديق الثروة السيادية في دول الخليج، وما حجمها؟
تعتبر صناديق الثروة السيادية كيانات استثمارية تُقدر بتريليونات الدولارات، وهي مُكلفة بإدارة الثروات والاحتياطيات المالية للدول، وتتكون من أصول متنوعة مثل العقارات والأسهم والسندات، وتمثل الأذرع الاستثمارية للدول ذات الفوائض المالية.
ومصطلح الصناديق السيادية يعبر عن صندوق يدير الاستثمارات تمتلكه الدولة، وتوصف تلك الصناديق بأنها كيانات تدير الفوائض المالية للدولة من أجل الاستثمار، ورغم أن سمعة ذلك النوع من صناديق الثروة السيادية في دول الخليج أو ظهورها إعلامياً يعتبر حديثاً نسبياً، فإن بعض تلك الصناديق نفسها تأسست قبل عقود طويلة، بل إن أحدها وهو الصندوق الكويتي هو أول صندوق سيادي في العالم، حيث تم تأسيسه عام 1953 تحت اسم سلطة الاستثمار الكويتية (KIA).
وتأسّس صندوق الثروة السيادي في أبوظبي عام 1976 تحت اسم هيئة أبوظبي للاستثمار، بينما أسست دبي صندوقها الخاص عام 2006، وتأسس صندوق الاستثمار القطري عام 2005، وكان لدى السعودية أكثر من صندوق سيادي حتى عام 2015، حينما تم دمج أغلبها تحت اسم الصندوق السيادي العام، وذلك في إطار رؤية 2030 لتنويع موارد الاقتصاد التي تبنّاها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وحالياً يتفاوت حجم الأموال في صناديق الثروة السيادية في دول الخليج بصورة لافتة؛ حيث تتصدر الإمارات الترتيب الأول خليجياً والرابع عالمياً بقيمة مالية تبلغ 1.213 تريليون دولار في صناديقها الاستثمارية، تليها الكويت بقيمة تبلغ 522 مليار دولار، وفي المركز الثالث خليجياً تأتي قطر بصناديق سيادية تبلغ قيمتها 328 مليار دولار، وفي المركز الرابع يأتي صندوق الاستثمار العام في السعودية بمبلغ 320 مليار دولار.
ويأتي صندوق الثروة السيادية الخاص بالبحرين والمعروف باسم "ممتلكات" في المركز الخامس، وبلغت قيمته حتى الآن نحو 16.6 مليار دولار، ثم صندوق الاحتياطي العام لسلطنة عمان، والذي تم إنشاؤه عام 1980، وتبلغ قيمته 14.2 مليار دولار.
صناديق الثروة السيادية في السعودية وعُمان أكثر عرضة للانخفاض
سيصل عجز ميزانيات دول الخليج إلى 490 مليار دولار في السنوات الأربع الممتدة من 2020 إلى 2023، وسط ارتفاع احتياجات التمويل مقابل انخفاض الإيرادات النفطية، بحسب تقديرات وكالة "ستاندرد آند بورز".
وفي تقرير حديث، قالت وكالة "موديز" لخدمات المستثمرين، إن السعودية وعُمان أكثر عرضة لانخفاض الأصول السيادية على المدى المتوسط، بسبب تداعيات جائحة كورونا والسحب المتزايد لتعويض انخفاض أسعار النفط.
وأضافت "موديز"، أن التداعيات ستؤدي إلى تآكل كبير في الهوامش الوقائية في السعودية وسلطنة عمان، ما يقلل القوة المالية لصناديقهما السيادية ويزيد المخاطر الخارجية.
وجاء في التقرير: "في حالة عُمان، سيؤدي العجز المزدوج الكبير إلى انخفاض في كل من الاحتياطيات الدولية وأصول صناديق الثروة السيادية، ما يزيد من مخاطر الضعف الخارجية على المدى المتوسط".
وأفاد بأن مخزون أصول صناديق الثروة السيادية في قطر وأبوظبي، ما يزال أكثر من كاف لتغطية عقود من العجز المالي عند المستويات الحالية.
وفي الكويت، رصد التقرير أن العجز المالي الضخم أدى إلى استنفاد الجزء السائل من صندوق الاحتياطي العام الأصغر. وأشار إلى زيادة مخاطر السيولة بالكويت في ظل عدم وجود قانون للديون، رغم المخزون الضخم من الأصول المحتفظ بها في صندوق الأجيال القادمة.
معاناة كويتية بسبب تراكم الديون
وفق بيانات رسمية، فإن الكويت مطالبة بسداد أقساط ديون داخلية وخارجية بقيمة 14 مليار دولار خلال السنوات السبع المقبلة، منها 8 مليارات دولار سندات دولية تُستحق في مارس/آذار 2022.
وتزيد التحديات أمام الكويت قياساً على دول المنطقة، بسبب الصعوبات التشريعية لإصدار قانون الدين العام المتوقف منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017. وتحتاج الكويت إلى تسييل 15 مليار دولار كحد أقصى لتغطية نفقات الميزانية العامة خلال العام المالي المقبل (2021/ 2022)، والذي يبدأ مطلع أبريل/نيسان القادم، وفق تقديرات وكالة "موديز".
وترتب على الأزمة المالية في الكويت تعديل النظرة المستقبلية لتصنيف الدين السيادي للبلاد إلى نظرة سلبية من مستقرة، وسط مخاطر على صعيد السيولة في الأجل القريب مرتبطة بصندوق خزانة الدولة، بحسب وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني.
وتواجه الكويت خيارات صعبة مع رفض إقرار قانون الدين العام، أو فرض ضرائب لزيادة مداخيلها أسوة بدول المنطقة، ما يدفعها إلى تسييل أصول صندوقها السيادي على نحو عاجل.
تعيش الكويت حالياً إحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية، بسبب تأثيرات فيروس كورونا، وانخفاض أسعار النفط، المصدر الرئيسي لأكثر من 90% من الإيرادات الحكومية. ولمواجهة الأزمة قررت البلاد خفض حجم النفقات بالميزانية العامة للسنة المالية 2020-2021 بنحو 945 مليون دينار (3.1 مليارات دولار)، في ظل تداعيات غير مسبوقة.
كما عدلت تقديرات الميزانية الحالية، لتخفض المصروفات إلى 21.5 مليار دينار (70.4 مليار دولار)، والإيرادات إلى 7.5 مليار دينار (24.57 مليار دولار)، بنسبة تراجع 53% عن المستهدف مطلع العام. ورفعت الحكومة الكويتية توقعاتها لعجز الميزانية العامة إلى 14 مليار دينار (45.68 مليار دولار) خلال العام الحالي، الذي ينتهي في مارس/آذار القادم، بينما يرتفع العجز إلى 12 مليار دينار (40 مليار دولار) بالعام المالي المقبل.
وتكبّدت الصناديق السيادية حول العالم بالطبع خسائر كبيرة، بسبب تداعيات وباء كورونا الكارثية على الاقتصاد العالمي، حيث انخفضت أسهم غالبية الشركات الكبرى في جميع بورصات العالم، وبحسب تقرير لرويترز أواخر مارس/آذار الماضي، خسرت صناديق الثروة السيادية حول العالم أكثر من 225 مليار دولار، كان نصيب الصناديق الخليجية منها 300 مليار دولار.