كمامة طبية أم عادية؟ جدل آخر يخص كورونا يطل برأسه رغم اللقاحات

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/15 الساعة 12:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/16 الساعة 07:37 بتوقيت غرينتش
الكمامة أساسية للحد من العدوى / رويترز

عاد الجدل المتعلق بارتداء الكمامة للوقاية من فيروس كورونا ليطل برأسه من جديد، لكن هذه المرة لا يتعلق النقاش بفرض ارتدائها من عدمه بل بنوع الكمامة المفروضة: طبية أم عادية؟

ورغم أن التوصل للقاحات كورونا وبدء حملات التطعيم بالفعل أواخر العام الماضي 2020 ومطلع العام الجاري كان قد زاد جرعة الأمل بقرب انتهاء الوباء وبالتالي الاقتراب من اختفاء أبرز مظاهره، وهي قناع الوجه أو الكمامة، فإن التقارير المتعددة بشأن المدى الزمني الذي قد يضطر معه الناس للتعايش مع الوباء قد أعاد نقاش الكمامة مرة أخرى.

تناول اللقاحات لا يعني وداعاً للكمامة

في البداية هناك ما يشبه الإجماع بين غالبية مسؤولي الصحة وخبراء الأوبئة حول العالم على أن تناول لقاحات كورونا لا يعني تخلي الشخص عن ارتداء الكمامة، وهذا الإجماع يعتبر من الأمور القليلة، إذ إننا بعد أكثر من عام من انتشار الفيروس وتحوله لجائحة عالمية لا تزال هناك أمور كثيرة لا يعرفها العالم عن الفيروس، وها هي نشأته نفسها محل صراع بين الصين من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى.

الصحة العالمية لقاح كورونا تونس فلسطين
صورة تعبيرية للقاح كورونا/رويترز

ميشال تال، خبيرة المناعة في جامعة ستانفورد، قالت لصحيفة نيويورك تايمز: "يعتقد كثير من الناس أنه فور تناولهم اللقاح، لن يضطروا إلى ارتداء الكمامات بعدها. سيكون من المهم حقاً لهم أن يعرفوا أنه ما يزال يتحتم عليهم الاستمرار في ارتداء الكمامات، لأنه ما يزال بإمكانهم نقل العدوى".

فقد أشارت التقارير المبدئية الخاصة بتأثير لقاحات كورونا إلى أنها تمثل دروعاً قوية في مواجهة الإصابة الخطيرة بالمرض، لكن هذا لا يضمن فاعليتها في الأنف بالتحديد، ويسهل وصول الأجسام المضادة إلى الرئتين -موضع الأعراض الحادة- أكثر  من الأنف أو الحلق، ومن ثم يسهل حمايتهما.

وقال ديبتا باتاتشاريا، خبير المناعة بجامعة أريزونا، لنيويورك تايمز: "الوقاية من درجة الإصابة الخطيرة أسهل، والوقاية من الدرجة الخفيفة أصعب. وإذا كان اللقاح فعالاً بنسبة 95% في الوقاية من الإصابة المصحوبة بأعراض، فستقل هذه النسبة في الوقاية من جميع درجات الإصابة".

الخلاصة هنا هي أن ارتداء الكمامة يبدو وكأنه أحد التغييرات التي فرضها وباء كورونا وسيستمر على الأقل حتى تتحقق مناعة القطيع العلمية، أي يحصل على الأقل 70% من السكان على جرعات اللقاح المطلوبة لتوليد أجسام مضادة للفيروس.

هل الكمامة الطبية أصبحت حتمية؟

من المهم هنا استرجاع النقاش أو الجدل أو حتى الصراع بشأن إصدار الحكومات قوانين تجعل ارتداء الكمامة إلزامياً وتفرض عقوبات على المخالفين. ففي البداية كانت هناك مقاومة شعبية لفرض الكمامة، خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة، وساهمت منظمة الصحة العالمية في تعميق الانقسام بعد أن كانت قد قللت من جدوى ارتداء الكمامة بالنسبة لغير حاملي عدوى كوفيد-19 وكان ذلك في مارس/آذار من العام الماضي.

وكان ذلك الجدال أكثر حدة في الولايات المتحدة ووصلت الأمور إلى درجة وقوع جرائم قتل في بعض الولايات التي فرضت ارتداء الكمامة ورفضها بعض المواطنين على اعتبار أنها اعتداء على حريتهم الشخصية التي يكفلها لهم الدستور.

كمامة طبية N95/ رويترز

لكن بعد مرور أكثر من عام وتحول الفيروس إلى وباء قاتل أودى بحياة أكثر من مليونين و400 ألف شخص حول العالم، أكثر من نصفهم في أمريكا وأوربا، إضافة إلى ظهور سلالة بريطانية من فيروس كورونا أكثر انتشاراَ وأكثر فتكاً، تحول النقاش بشأن الكمامة إلى انقسام حول نوعيتها.

ففي الشهر الماضي عادت الكمامة لتطل برأسها من جديد وتسببت في انقسام واضح بين الحكومات الأوروبية وسط انقسام العلماء حول ضرورة فرض الكمامة الطبية على المواطنين مقابل الاكتفاء بالكمامة العادية أو تغطية الأنف والفم بأي طريقة كانت.

والقصة هنا تتعلق بإجراءات الوقاية الصحية التي تفرضها الدول، والتي لا تحدد نوع الكمامة حتى الآن، لكن بعض مسؤولي الصحة يطالبون بجعل الكمامة الطبية أو ما تعرف بالكمامة N95 إلزامية بينما يعارضها آخرون لأسباب تتعلق بالتكلفة ومدى توفرها للجميع.

وفي الشهر الماضي اتخذت ولاية بافاريا الألمانية بالفعل قراراً بإلزام ارتداء الكمامة الطبية وتلا ذلك تعميم الحكومة الألمانية لنفس الإجراء داخل المحلات والمواصلات العامة، وفي 25 يناير/كانون الثاني انضمت النمسا لألمانيا في نفس الاتجاه، بينما اكتفت فرنسا حتى الآن بإصدار توصيات ضد ارتداء كمامات قماشية مصنوعة في المنزل؛ لأنها لا تحقق السلامة المحددة.

ويفسر لورانس يونغ، أستاذ علم الأورام الجزئي في كلية طب ورويك، المنطق العلمي المتسبب في الجدل الدائر بشأن نوع الكمامة بأن الكمامة العادية تحمي الآخرين من عدوى الفيروس، لكنها لا تحمي من يرتديها من أن يصاب بالعدوى من خلال استنشاقه رذاذاً حاملاً للفيروس من أشخاص مصابين بالعدوى، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية.

انقسام في أوروبا بشأن الكمامة الطبية

لكن فرض الكمامة الطبية لا يحظى بموافقة جميع دول الاتحاد الأوروبي ولا تزال إجراءات منظمة الصحة العالمية الخاصة بالوقاية لا تحدد نوعاً معيناً من الكمامات، وقالت ماريا فان كيركوف المديرة التقنية لكوفيد-19 في منظمة الصحة العالمية إنه لا يوجد بعد دليل على تغير طرق انتقال العدوى، مؤكدة على أن المنظمة لا تخطط لتغيير نصائحها بشأن الكمامة.

على الجانب الآخر يرى بعض خبراء الصحة العامة، ومنهم توماس تسيبيونكا رئيس معهد الدراسات المتقدمة لاقتصاد وسياسة الصحة في النمسا، أنه طالما أثبتت التجارب العلمية أن الكمامة الطبية إجراء حتمي لمنع انتقال العدوى، وأن الكمامة العادية لا تكفي، فيجب الالتزام بفرض الكمامة الطبية.

لكن المعضلة هنا هي أن التجارب السريرية المطلوبة لتأكيد فاعلية الكمامة في منع نقل العدوى أثناء الوباء لا تعتبر أمراً أخلاقياً أو مقبولاً بسبب حتمية تعريض من يخضعون للتجارب لاحتمال الإصابة بالفيروس الفتاك، وهنا جاء دور السياسيين الذين يعتمدون على الملاحظات العامة لتمرير إجراء كفرض الكمامة الطبية.

المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل

وهنا يأتي العامل الآخر في تحديد السياسات وفرض الإجراءات الصحية وهو التكلفة العالية للكمامة الطبية ومدى توفرها للجميع، ونتذكر هنا أنه في بداية الجائحة كان هناك نقص حاد في الكمامات الطبية الضرورية للأطقم الطبية من أطباء وهيئة تمريض بسبب إقبال المواطنين على شراء تلك الكمامات، وساعتها ناشد سياسيون ومسؤولو صحة المواطنين التوقف عن ذلك بدعوى أن تلك الكمامات مطلوبة فقط للأطقم الطبية التي تتعامل مع مرضى الفيروس مباشرة.

والآن تم حل مشكلة الإمداد وتوفرت الكمامات الطبية، لكن تظل المشكلة متمثلة في تكلفتها العالية التي قد لا يقدر عليها جميع المواطنين، وهو ما يجعل بعض الحكومات في أوروبا تعارض قرار فرضها داخل الاتحاد الأوروبي. 

والخلاصة هنا هي أن الجدل بشأن ارتداء الكمامة قد عاد ليطل برأسه من جديد ليضفي مزيداً من الغموض المحيط بوباء كورونا منذ انتشاره حول العالم العام الماضي ورغم التوصل للقاحات متعددة للفيروس.

تحميل المزيد