بدأت إيران إنتاج اليورانيوم المعدني، وهذا يعني خطوة أقرب نحو امتلاك سلاح نووي. وأمريكا أعلنت أنها لن ترفع العقوبات قبل التزام طهران، بينما تصر إيران على أن ترفع إدارة بايدن العقوبات أولاً.
يمكن القول إن النقطة التي يقف عندها الملف الأخطر في صراعات الشرق الأوسط حالياً- وهو الاتفاق النووي الإيراني- تشبه إلى حد كبير طرفين يرغب كلاهما في بداية جديدة للعلاقة بينهما لكن تراكمات فترة الخلاف بينهما تمنع كلاً منهما من أخذ الخطوة الأولى نحو التصالح.
إذ كان توقيع الاتفاق النووي أواخر عام 2015 بتوقيع الولايات المتحدة (تحت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما) وروسيا والصين وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيران هو أول مرة تشهد رفع واشنطن للعقوبات المفروضة على طهران منذ عام 1979، ثم جاء انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018 وإعادة فرض تلك العقوبات وتشديدها لتبدأ من جديد جولة التوتر الحالية في العلاقات بين إيران وأمريكا.
وبعد تولي الرئيس جو بايدن (الذي كان نائباً لأوباما) ليفتح الطريق أمام العودة مرة أخرى للاتفاق النووي كما كان قد أعلن أثناء حملته الانتخابية، لكن الأمور وصلت الآن لنقطة من يبدأ أولاً؟ إيران تصر على أن ترفع واشنطن العقوبات أولاً، بينما يصر بايدن على أن تعود طهران للالتزام ببنود الاتفاق النووي وبخاصة نسبة تخصيب اليورانيوم التي حددها الاتفاق ب 3.67% بينما وصلت إيران إلى نسبة 20% بالفعل.
هذا هو موقف إيران
موقف إيران أعلنه المرشد علي خامنئي وهو ضرورة رفع العقوبات أولاً حتى تفي بلاده بالتزاماتها الناشئة عن الاتفاق النووي، وهو الموقف الذي أكده نواب إيرانيون تحدثوا لوكالة الأناضول التركية رافضين تقديم بلادهم أية تنازلات للولايات المتحدة.
وقال عضو البرلمان الإيراني عن محافظة شمال خراسان (شمال) محمد باكمهر، للأناضول، إن بلاده لن تقدم على العودة إلى مفاوضات مع الولايات المتحدة حول برنامج الصواريخ وقضايا أخرى، مضيفاً: "ستقوم الحكومة الإيرانية بتنفيذ القوانين التي أقرها مجلس الشورى، لأن الشعب يطالب الحكومة باتخاذ خطوات ملموسة ضد تعنت الإدارات الأمريكية المتعاقبة لبلاده".
وأوضح باكمهر أن "توقيع الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة مر عليه سنوات، وإذا كان يحتاج إلى تعديل لتفادي بعض أوجه القصور، فلا يمكن طرحه الآن، فلا جدوى من الحديث بشأن عدم تلبية الاتفاق لاحتياجات الأطراف الموقعة عليه"، وتابع: "إيران لم تستسلم للفوضى التي يعمل الجانب الأمريكي على إحداثها، أو تتراجع عن حقوقها الناشئة عن الاتفاق، طهران يمكنها دائماً تحويل العقوبات إلى فرص وأثبتت بالفعل عدم جدواها".
ومضى باكمهر متسائلاً: "من سيعوض الضرر الذي لحق بالشعب الإيراني؟"، مؤكداً أن طهران ليس لديها علاقات مصرفية مع دول الاتحاد الأوروبي، ولا يمكننا دفع رسوم عضوية الأمم المتحدة، بسبب فرض العقوبات. وقال النائب الإيراني إن بلاده ليست الطرف الذي تراجع عن الاتفاق النووي، محملاً الجانب الأمريكي مسؤولية تبعات توقف العمل ببنود الاتفاق.
وهذا هو موقف إدارة بايدن
على الجانب الآخر، أصر بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن على أن الخطوة الأولى لا بد أن تأتي من جانب طهران، إذ رد بايدن على سؤال "هل سترفع الولايات المتحدة العقوبات أولاً كي تعيد الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات؟" بالنفي "لا"، وذلك في مقابلة مع شبكة CBS بثت الأحد 7 فبراير/شباط.
وكان بلينكن قد عبر أيضاً عن نفس الموقف لشبكة CNN بقوله: إذا أرادت إيران العودة للالتزام بواجباتها التي يفرضها الاتفاق النووي سوف نفعل الأمر نفسه، وبعدها سنعمل مع حلفائنا وشركائنا في محاولة التوصل لاتفاق أقوى وأطول أمداً يشمل بعضاً من القضايا الأخرى مثل برنامج إيران الصاروخي والأفعال التي تهدد الاستقرار في المنطقة.
ويشير بايدن هنا إلى ملفي التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن من جهة وإلى برنامج الصواريخ الباليستية من جهة أخرى، وهي الملفات التي تشترط دول الجوار مثل السعودية وكذلك إسرائيل أن يتضمنها أي اتفاق جديد، وكانت تلك الدول معترضة من الأصل على اتفاق 2015 لتلك الأسباب.
لكن إيران أعلنت الأربعاء 10 فبراير/شباط عن تطور جديد أثار قلقاً في الأوساط الدبلوماسية الغربية وفي المنطقة أيضاً، إذ قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن طهران شرعت في إنتاج اليورانيوم المعدني في انتهاك للاتفاق النووي، مشيرة إلى أن معدن اليورانيوم يعتبر مادة أساسية في صناعة الأسلحة النووية.
وأوضح نائب إيراني آخر هو محمد مرتجى الدين للأناضول أن بلاده ستستمر في تخصيب اليورانيوم وفق القانون الذي أقره البرلمان الإيراني (رداً على اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي) وأنه لا مجال لإعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي.
وأضاف مرتجى الدين، الذي شغل منصب نائب الرئيس في عهد محمود أحمدي نجاد: "البرلمان الإيراني يعارض التفاوض مع الولايات المتحدة. ومرشد الثورة (خامنئي) اتخذ قراراً نهائياً بشأنها، ولا يمكن للحكومة أن تذهب إلى مفاوضات جديدة".
كما نفى النائب الإيراني احتمالات عودة بلاده للمفاوضات على برنامج إيران الصاروخي، قائلاً: "العالم يعرف أن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها، ويجب على بايدن أن يكون أكثر ذكاءً من سلفه ترامب".
هل وصلت الأمور لطريق مسدود إذاً؟
الموقف إذاً يبدو وكأنه وصل إلى طريق مسدود بالفعل، خصوصاً أن إدارة بايدن تخضع لضغوط هائلة من جانب الجمهوريين داخلياً ومن جانب الحلفاء والشركاء في المنطقة من جانب آخر، وفي إيران سيكون التراجع كارثياً على الوضع الداخلي، بحسب محللين.
لكن كما يقال لا شيء مستحيل في السياسة ولا توجد ثوابت لا تتغير، فالفيصل دائماً هو المصلحة، والمؤكد هنا هو أن المسار التصادمي الحالي لا يصب في مصلحة أي من الأطراف. فامتلاك إيران لسلاح نووي يمثل تهديداً مباشراً لدول الجوار وخصوصاً السعودية التي كان ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان قد أعلن بوضوح أن بلاده ستمتلك هي الأخرى سلاحاً نووياً إذا ما امتلكته إيران. كما أن إسرائيل- التي تمتلك بالفعل أسلحة نووية- تهدد باستمرار أنها ستوجه ضربات عسكرية لطهران ولو بصورة منفردة إذا ما اقتربت إيران من امتلاك سلاح نووي بالفعل.
وربما يكون المخرج للموقف الحالي هو خطوات تدريجية متزامنة من جانب واشنطن وطهران، وهو ما عبرت عنه الخارجية الروسية أمس الخميس 11 فبراير/شباط عندما حذرت إدارة بايدن من المماطلة في رفع العقوبات عن طهران، مع الإقرار باستحالة رفعها دفعة واحدة، إضافة إلى دعوة إيران إلى التحلي بضبط النفس بعدما بدأت بإنتاج اليورانيوم المعدني.
ولخص سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، المخرج بأنه على الولايات المتحدة وطهران تنسيق إجراءاتهما من أجل العودة بسرعة إلى الاتفاق النووي، إذ قال لوكالة "نوفوستي": "المهمة الأساسية، في رأينا، تتمثل في إيجاد حلول من شأنها أن تتيح للولايات المتحدة الشروع في عملية العودة إلى الاتفاق النووي، ما يعني من بين أمور أخرى، رفع العقوبات المفروضة على طهران. لن يكون من الممكن القيام بذلك دفعة واحدة، ولكن من الخطأ أيضاً تأخير هذا الأمر". وأضاف: "نتحدث عن ذلك للأمريكيين بكل صراحة".
كما أعرب ريابكوف عن أمل موسكو في أن يتم التوصل إلى حل وسط بشأن عودة إيران والولايات المتحدة إلى التزاماتهما في الاتفاق النووي قبل 21 فبراير/شباط، وهو يوم حدده قانون تم تبنيه في إيران، موعداً لاتخاذ الخطوة التالية في إلغاء طهران التزاماتها الواردة في الاتفاق النووي.
وفي الوقت نفسه دعت موسكو طهران إلى "ضبط النفس" بعد بدء إنتاج اليورانيوم المعدني لتغذية مفاعل الأبحاث الإيراني في انتهاك آخر للاتفاق النووي. وقال ريابكوف: "نتفهم المنطق الذي يكمن وراء أفعالهم والأسباب التي تدفع إيران إلى القيام بذلك. لكن من الضروري البرهنة على ضبط للنفس وعلى نهج مسؤول"، مضيفاً: "بالطبع كل هذا لا يزيدنا تفاؤلاً، ويمثل خطوات جديدة تظهر من خلالها إيران عزمها على عدم القبول بالوضع الراهن".
والواقع أن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف كان قد طرح مخرجاً مشابهاً للأزمة الخاصة بمن يعود أولاً إلى الاتفاق النووي عندما أشار مطلع الشهر الجاري إلى وجود آليات تسمح بما يسمى العودة المتزامنة لتنسيق عودة كل من الطرفين (طهران وواشنطن) بضمانة أوروبية، ليكون هذا حلاً لحالة الجمود الدبلوماسي التي أحاطت بالاتفاق النووي.