نشرت صحيفة The Guardian البريطانية مقال رأي لأستاذ طب الأطفال في مركز بريستول للقاحات الأطفال، بجامعة بريستول، آدم فين، يتحدث فيه عن ضرورة استخدام اللقاحات في التصدي لمرض كوفيد-19 المنتشر حول العالم، وعرض فيه خمسة أشياء يرى أن هناك حاجةً لمعرفتها قبل المقارنة بين اللقاحات العديدة التي أنتجتها شركات الأدوية وحصلت على موافقات من الهيئات الصحية في عديد من البلاد.
وقال فين إن إمداد الجمهور بلقاحات كورونا تتواصل في بريطانيا وفي جميع أنحاء العالم، وسوف يكون هناك بيانات قريباً حول الفعالية الأولية لها. وبرغم أهمية اللقاحات بوصفها أدوات تساعد في إنقاذ الناس من الجائحة، وهو ما يقبله كثيرون، يحمل أشخاص آخرون آراء مختلفة حول أفضل طريقة لاستخدام اللقاحات، بجانب القلق من أن اللقاحات لن تكون فعالة مع السلالة الجديدة من فيروس كورونا المستجد.
وأكد أستاذ طب الأطفال أن هذه الآراء حقيقية وقد تبدو ذات وجاهة إذا نظرنا إلى الدراسة التي تشير إلى أن لقاح أسترازينيكا/أوكسفورد يوفر حماية طفيفة ضد المرض الذي تسببه السلالة الجديدة من فيروس كورونا المستجد المُكتشفة في جنوب إفريقيا، مما يعني أن الناس قد يحتاجون إلى جرعة ثالثة من اللقاح في وقت لاحق من هذا العام لحمايتهم من السلالات الأخرى (وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة لم تخضع لمراجعة الأقران).
لكن فين عاد وأكد ضرورة استيعاب ماهية اللقاحات، والطريقة التي نقيس بها فعاليتها، وما الذي يمكن أن تؤديه هذه اللقاحات وما الذي تعجز عن تأديته.
1- اللقاحات والأمراض التي تمنعها تختلف جميعاً فيما بينها
برغم وجود عديد من المبادئ العامة التي تُستخدم لفهم أنواع العدوى، فإن كلاً منها يتمتع بتفردٍ عن الأنواع الأخرى، بل إنها تتغير مع مرور الوقت، وتتنوع من مكان إلى آخر. يخلق هذا قدراً كبيراً من انعدام اليقين، ويعني أن علينا أن نراقب ما يحدث مراقبةً مستمرةً. تُعرف هذه العملية بالمراقبة، وبدونها لا يمكننا نشر اللقاحات بفعالية أو تعديل الأشياء التي نفعلها لتعزيز آثارها. يعني انعدام الاستقرار هذا أننا يجب أن نتوقع تغيُّر النصائح تغيراً متكرراً مع وصول المعلومات الجديدة في الأشهر القادمة حول أفضل طريقة لاستخدام اللقاحات.
2- اللقاحات لا تضْمن الحماية الكاملة من الأمراض
تمنع اللقاحات عادة الأمراض الشديدة بفعالية أكثر من الأمراض البسيطة. ونظرياً، يُفترض أن يمهد هذا الأمر الطريق أمام برهنة أنها تعمل جيداً ضد الأمراض الخطيرة. ولكن في كثير من أنواع العدوى، ومن بينها كوفيد-19، تكون الحالات الشديدة أندر مقارنة بالحالات الأخرى، وثمة حاجة إلى وجود دراسات موسعة تُجرى على مدى مُددٍ زمنيةٍ طويلةٍ لعرض مدى الفعالية التي كانت لدى هذه اللقاحات.
وخلال أي جائحة تكون هناك حاجة إلى التوصل إلى نتائج سريعة، ومن ثم فإن جميع الدراسات تقيس الوقاية من الحالات التي تكون بسيطة نسبياً، لكنها في نفس الوقت أكثر شيوعاً وانتشاراً، وذلك من أجل الحصول على نتائج القياس بسرعة.
تجدر الإشارة إلى أن تقديرات الفعالية المبلغ عنها لتجارب المرحلة الثالثة بالنسبة للقاحات المختلفة، تصف قدرتها على الوقاية من الأمراض الخفيفة نسبياً. ولذا في حالة تلقي أحد الأشخاص أي لقاح تصل فاعليته مثلاً إلى 80% ضد المرض الذي تصاحبه أعراض، فإن فرصة إصابتك بالمرض والشعور بالمرض يمكن أن تقل عن 20%، بل وقد تصل إلى صفر %، حتى في ظل عدم وصول أي لقاح إلى مستوى الفاعلية 100%، التي تكفل منح الحماية المطلقة من جميع الأعراض.
3- لا يمكن مقارنة الأرقام من النتائج المختلفة
سوف تتضمن كل تجربة أشخاصاً مختلفين من مناطق مختلفة، والتعريفات المستخدمة لتحديد ما إذا كانوا يحملون المرض أم لا، تختلف هي الأخرى، وذلك حسبما أشار فين. وشدد على أن الحالة الوحيدة التي يمكن خلالها التأكد من أن لقاحاً أفضل من نظيره، تحدث عندما يُقارن كلاهما "رأساً برأس" في نفس التجربة، وهو شيء نادر الحدوث. يصعب للغاية مقاومة إغراء المقارنات بين اللقاحات استناداً إلى نتائج تجارب المرحلة الثالثة، التي تختلف فيما بينها، لكن مثل هذه المقارنات تكون مضللة.
4- لا يمكن مقارنة نتائج التجارب العشوائية بنتائج الدراسات التي تحدث في الواقع
بحسب فين، تستخدم التجارب في الغالب أشخاصاً أصحاءً من الشباب الأقل عرضة للإصابة، وذلك لعديد من الأسباب. وعندما تصير اللقاحات صالحة للاستخدام العام، فإن الأشخاص الذين يقبلون تلقي اللقاح والذين يحصلون عليه، لا يجري فحصهم بنفس طريقة اختيار متطوعي التجارب العشوائية. بالنسبة للقاحات كورونا، فإن الناس الذين يحصلون عليها سيكونون في الغالب أكبر سناً من نظرائهم الخاضعين للدراسات، ومن المعروف أن الأشخاص الأكبر سناً تكون استجابتهم المناعية أضعف ويكونون أكثر عرضةً لأن يمرضوا بشدة من أنواع العدوى الفيروسية.
في التجارب، تحدد الاحتمالات من الذي سيحصل على اللقاح ومن الذي لن يحصل عليه. أما في الواقع، ثمة عديد من العوامل غير العشوائية التي تقود مجريات الأحداث، لذا فإن النتائج التي تقارن الأشخاص الحاصلين على اللقاح بغير الحاصلين عليه، يمكن أن تكون متحيزة. ومن أجل هذا، تأتي تقديرات فعالية اللقاح في الواقع أقل بكثير في العموم من تقديرات الفعالية الخاصة بالتجارب.
5- غالبية اللقاحات تقلل انتقال العدوى مما يخلق "مناعة القطيع".. ولكن مهلاً: لا ينطبق هذا على جميع اللقاحات!
يقول د. فين إن هذا يشكل أهمية حقيقية؛ لأنه يقدم حماية من أوجه القصور العديدة التي تعتري برامج اللقاحات الشاملة. بعض الأشخاص لا يحصلون على اللقاح؛ إما لأنه لم يصل إليهم، أو لأنهم يرفضونه.
وبعض الأشخاص الآخرين يحصلون على اللقاح ولا يؤدي عمله بنجاح معهم، أو لا يقدم حماية كاملة. إضافة إلى أن الحماية التي يقدمها اللقاح تضعف مع مرور الوقت، ويحدث هذا بصورة أسرع مع أشخاص دون غيرهم. وكل هذه الأشياء عندما تجتمع، تجعلك محاصراً داخل دائرة المشكلة. ولكن إذا كان الأشخاص الحاصلون على اللقاح أو بعضهم على الأقل لا يصابون بالعدوى على الإطلاق، أو إذا كانت الأعراض لديهم أخف وأقل عدوى للآخرين، يعني هذا أن معدل التكاثر الأساسي "R" لانتشار العدوى بين السكان يمكن أن يقل عن الواحد الصحيح، ويعني هذا أن العدوى سوف تزول في النهاية.
وبهذه الطريقة، فإن كل الأشخاص ممن لا يتمتعون بمناعة قوية سوف يتمتعون بحماية غير مباشرة عن طريق برنامج التلقيح. من أجل هذا ننتظر بفارغ الصبر كي نكتشف إذا كانت اللقاحات سوف تفعل هذا على نحو جيد، وما إذا كان بعضها سيكون أفضل من الأخرى.
وقال فين إن بيت القصيد هنا يكمن في أننا نحتاج إلى رؤية الصورة الأكبر كي نستوعب الطريقة التي تعمل بها اللقاحات؛ إذ إن النظر إلى لقاحات كورونا على مستوى الأفراد، أو المهن المحددة، أو المناطق، أو حتى على مستوى بلاد بأكملها، يعيق استيعاب كيفية تأثير التحصين على كامل السكان.
عندما تكون إمدادات اللقاح محدودة، فإن الاختيار الصحيح الرامي إلى إعطاء الجرعات للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة لا يفيدهم وحسب، بل يفيد كل أفراد المجتمع. ومن خلال خفض عدد الأشخاص المصابين إصابات خطيرة بأسرع ما يمكن، فإننا نستطيع بذلك تخفيف الضغط على المستشفيات، وهو ما يعد تهديداً لنا. ولنعلم أن نسب الكفاءة التي نقرأ عنها من التجارب المُبلغ عنها للقاحات المختلفة، ليست في ذاتها مؤشرات جيدة على تأثير هذه اللقاحات عندما تُستخدم استخداماً أكثر انتشاراً، حسبما ورد في المقال. سوف يعتمد ذلك اعتماداً أكبر على قرب توقيت استخدامها في الواقع ومدى نجاحها كذلك بالنسبة للأشخاص الأكثر عرضة للخطر ممن يحصلون عليها، وكذلك سوف يعتمد على مدى سرعة وشمولية إعطاء الجرعات التي لدينا.
لكن السؤال الأهم، يتعلق بمدى قدرة اللقاحات على تقليل انتقال العدوى. إذا كانت اللقاحات قادرة على أن تفعل ذلك بطريقة مقبولة، ويجب علينا أن نكون متفائلين بأنها سوف تفعل، فإن تحصين الأشخاص من جميع أنحاء العالم باللقاحات، وبأرقام تكفي للوصول إلى مناعة القطيع، يمكن أن يكون حقاً الطريق المؤدي إلى العودة إلى الوضع الطبيعي.