في سبيل بحثها عن حل للأزمة العالقة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، اقترحت تركيا حلاً جديداً لإنهاء أزمة اقتنائها المنظومة الدفاعية الروسية إس-400، مستشهدة بـ"النموذج اليوناني" في امتلاك منظومة إس-300 روسية الصنع.
وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الثلاثاء 9 فبراير/شباط 2021، لصحيفة "حرييت" التركية، إن أنقرة ليست بحاجة إلى إبقاء نظام الصواريخ الروسي يعمل طوال الوقت، وإن بلاده ستقترح تفعيلاً جزئياً فحسب لصواريخها في المفاوضات مع الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات على أنقرة بسبب هذه الصفقة أواخر 2020.
هذا التصريح يأتي عقب تأكيد إبراهيم كالين، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في محادثة هاتفية الأسبوع الماضي، مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، على ضرورة حل الخلاف المرتبط بالخلاف حول منظومة الصواريخ إس-400.
ما هو "النموذج اليوناني" الذي اقترحته تركيا لحل أزمة إس-400؟
وفق ما أكدته الصحيفة التركية، فإن أكار صرَّح للصحفيين قائلاً: "لسنا في حاجة إلى استعمالها باستمرار، يمكننا استخدامها حسب التهديدات" مشيراً إلى استخدام اليونان -عضو في حلف شمال الأطلسي أيضاً- لمنظومة إس-300 الروسية الصنع، والمنشورة في جزيرة كريت. مضيفاً: "هذه المحادثات يمكن إجراؤها تحت مظلة حلف شمال الأطلسي، الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ قال أيضاً إنه ينظر إلى هذا الموضوع إيجابياً".
استشهاد أكار بالنموذج اليوناني في اقتناء واستخدام منظومة إس-300 في جزيرة "كريت" قد يحرج واشنطن ويدفعها للقبول بهذا الحل، لأنه ليس من صالحها استمرار الأزمة مع حليفتها تركيا، واستغلال هذا الخلاف من قبل عدوتها روسيا. واشترت أثينا منظومة إس-300 من موسكو في التسعينيات، بعد أن ضغطت أنقرة بشدة على المالك الأصلي، قبرص اليونانية، للتخلي عنه. وتستخدم اليونان حالياً المنظومة الروسية في جزيرة كريت أثناء التدريبات أو الاختبارات العسكرية أو عند التهديدات المحتملة.
ويأتي التنازل التركي في محاولة لتهدئة واشنطن وكسب الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن، وذلك بعد أن فرضت إدارة ترامب عقوبات على المسؤولين الأتراك، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بموجب قانون يحظر التعاملات العسكرية الكبيرة مع روسيا. وتمت إزالة تركيا أيضاً من برنامج الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة F-35 من قبل البنتاغون، في عام 2019، بسبب "مخاوف من التجسس الروسي المحتمل على الطائرات الأمريكية الشبح من خلال منظومة إس-400".
هل تنجح تركيا في التوصل إلى حل للأزمة مع واشنطن؟
تحاول أنقرة إيجاد طرق جديدة للتعامل مع إدارة جو بايدن، وفتح بداية جيدة مع الإدارة المنتخبة حديثاً. وظهر بايدن خلال حملته الانتخابية باعتباره "منتقداً شرساً" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2019، بسبب العمليات العسكرية التي تنفذها أنقرة ضد الجماعات المسلحة الكردية في الشمال السوري، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تصنفها أنقرة تنظيماتٍ إرهابية.
وحول الاقتراح التركي الجديد، يقول الصحفي التركي رجب صويلو في موقع MEE البريطاني، إن ترامب أصدر سابقاً عرضاً شبيهاً، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حيث كانت تتطلب الصفقة المقترحة الإبقاء على إس-400 معطلة، وفي المقابل وعدت تركيا بعودة برنامج F-35، وبيع أنظمة صواريخ باتريوت أمريكية الصنع.
لكن أنقرة رفضت في ذلك الوقت المقترح الأمريكي، لأن أنقرة كانت لديها "شروط مسبقة"، واعتبرت الطلب الأمريكي بإرسال مسؤولين عسكريين أمريكيين لتفقد حالة أنظمة إس-400 من وقت لآخر، انتهاكاً لسيادة تركيا.
وكرَّر أكار، في المقابلة، اقتراحه بإنشاء "مجموعة دراسة" حول إس-400 في إطار حلف شمال الأطلسي، وهي خطة اصطدمت بجدار مع المسؤولين الأمريكيين عدة مرات، ورفض السفير الأمريكي ديفيد ساترفيلد هذا الشهر، المقترح التركي مرة أخرى.
علاوة على ذلك، فإن قانون "تفويض الدفاع الوطني لعام 2021" الذي أقره الكونغرس الأمريكي، العام الماضي، يُطالب تركيا بإزالة أنظمة إس-400 من الأراضي التركية لرفع العقوبات المفروضة على المسؤولين الأتراك، ما قد يجعل من الصعب على الجانبين معالجة هذه المشكلة.
في السياق، قالت عدة مصادر تركية للموقع البريطاني، إن أنقرة وموسكو أكملتا بالفعل مفاوضاتهما بشأن تسليم دفعة ثانية من صواريخ إس-400، مع توقيع نهائي فقط مطلوب من تركيا للمضي قدماً في الشراء. وقال مسؤول تركي كبير إن "الاتفاق قد يضع أنقرة في موقف صعب، لأن روسيا وافقت فقط على نقل التكنولوجيا المطلوبة، وشروط الإنتاج المشترك للدفعة الثانية من عمليات التسليم".
من جهتها، نقلت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، يوم الثلاثاء، عن مسؤوليْن تركيَّين مطلعين على العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، رفضا الكشف عن هويتيهما، لمناقشة القضايا الاستراتيجية، قولهما إن أنقرة مستعدة لتقديم تنازلات لواشنطن، لأنها حريصة على تأمين الإمدادات المستقبلية من قطع الغيار لأنظمة أسلحتها الأمريكية الصنع، وتجنب إلحاق الضرر بها اقتصادياً. مضيفين أن الحكومة التركية حريصة أيضاً على منع الولايات المتحدة من زيادة تعزيز دعمها لمقاتلي "وحدات حماية الشعب الكردية".
ما الثمن الذي طرحته أنقرة على واشنطن مقابل التراجع بملف إس-400؟
في الوقت ذاته، قال أكار في المقابلة مع صحيفة "حرييت"، إن على الولايات المتحدة إعادة النظر في شراكتها مع "وحدات حماية الشعب الكردية"، التي لعبت دوراً في الحرب المدعومة من الولايات المتحدة على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وتَعتبِر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية جزءاً من حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً، وهي جماعة مسلحة تشن تمرداً منذ عقود ضد تركيا، وتصنفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمةً إرهابية.
وقال أكار: "المسألة الأكثر حساسية بالنسبة لنا مع الولايات المتحدة هي دعمهم لذراع حزب العمال الكردستاني، وحدات حماية الشعب. يمكننا إيجاد حل لمشكلة إس-400 من خلال محادثاتنا مع الولايات المتحدة، لكن لا يمكننا تحسين علاقاتنا مع الولايات المتحدة إذا لم نتمكن من إيجاد حل لـ"وحدات حماية الشعب".
وكانت الولايات المتحدة ردت على شراء أنقرة لمنظومات إس-400 أولاً بتعليق مشاركة تركيا في برنامج الطائرات المقاتلة F-35، قبل أن تفرض العقوبات على وكالة المشتريات العسكرية التركية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي.