تصاعد الحديث في الآونة الأخيرة عن احتمال تطبيع العلاقات بين تركيا وكل من الإمارات ومصر، إذ صرح مؤخراً وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، بأن الإمارات ترغب بتطبيع العلاقات مع تركيا، معرباً في الوقت ذاته عن "تطلعه لتحسين العلاقات بين أنقرة والقاهرة".
وأضاف المسؤول الإماراتي في مقابلة تلفزيونية في 10 يناير/كانون الثاني الماضي أن "أي مؤشر إيجابي من تركيا تجاه مصر سنرحب به، لأن مصلحة تركيا هي علاقات عربية سوية. نريد لأنقرة ألا تكون الداعم الأساس للإخوان المسلمين، نريد لأنقرة أن تعيد البوصلة في علاقاتها العربية"، وفق تعبيره.
ورغم الاختلاف في وجهات النظر بين أنقرة وأبوظبي والقاهرة، إلا أنها لم تصل إلى حد القطيعة الدبلوماسية، ما يعني إبقاء الباب مفتوحاً لتحسين العلاقات. لكن تجاوز ذلك الخلاف يحتاج سياسياً إلى دولة تجمعها علاقات مميزة بالدول الثلاث على حد سواء، ما يمكنها من لعب دور الوسيط؛ لرأب الصدع وتحقيق المصالحة.
مَن الطرف الذي يمكنه لعب دور الوسيط بين تركيا من جهة، والإمارات ومصر من جهة أخرى؟
ويطرح هذا الأمر تساؤلات حول الدولة الأقرب التي يمكنها التوسط بين أنقرة من جهة، وأبوظبي والقاهرة من جهة أخرى، وذلك بعد أن استطاعت كل من الكويت وعُمان إنهاء الأزمة الخليجية الشهر الماضي، ولعب دور الوسيط بين السعودية وقطر، الأمر الذي انعكس على البحرين والإمارات وحتى مصر.
لكن فيما يتعلق بالعلاقات التركية، يستبعد محللون توسط الكويت أو عُمان للتقريب بين تركيا وخصومها في المنطقة، وذلك على الرغم من العلاقات الجيدة التي تحظى بها أنقرة من الكويت ومسقط، إذ يزور هذه الأثناء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو البلدين الخليجيين بالإضافة إلى قطر، في جولة تأتي بعد أسابيع من إنهاء الأزمة الخليجية.
ويتوقع محللون أن الأردن تصلح بشكل كبير لأن تلعب دور الوسيط بين أنقرة وأبوظبي وحليفتها القاهرة، أكثر من الكويت أو عُمان. إذ يقول تقرير لوكالة الأناضول إنه "بفضل دبلوماسية الأردن وعلاقاته المتزنة مع دول المنطقة، يمكنه لعب ذلك الدور"، لا سيما أن الملك عبدالله الثاني، أكد في مقابلة مع وكالة الأنباء الرسمية "بترا"، أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، حرص بلاده على تجاوز أي خلافات من شأنها التأثير على استقرار المنطقة.
وقال العاهل الأردني: "نقوم بدورنا كاملاً في جهود حل الأزمات الإقليمية والدولية أحياناً، وتجاوز التحديات المشتركة وتحقيق السلام العادل خياراً استراتيجياً". وتابع: "نقدم الأفكار والطروحات والمبادرات التي تتفق مع ثوابتنا ومصالحنا، ونتفاعل مع طروحات الآخرين، فنقبل ما ينسجم مع ثوابتنا ونرفض ما يتناقض معها.. وإن كسب هذا الوضوح وهذا التفاعل لبلدنا، احترام المجتمع الدولي، وجعل لنا دوراً دبلوماسياً يتخطى الحجم والموارد".
لماذا يمكن للأردن لعب هذا الدور أكثر من غيره؟
تربط الأردن بالدول الثلاث علاقات احترام متبادل وتنسيق مستمر تجاه أهم القضايا، وزيارات متبادلة رفيعة المستوى، وهو ما يؤهل المملكة، بحسب محللين، للعب دور الوسيط في تحقيق المصالحة.
ويقول محمد المومني، الوزير الأردني الأسبق وعضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، للأناضول إن "الدبلوماسية الأردنية تسعى دائماً لتحقيق المصالحة والتوفيق في مختلف القضايا، إيماناً برؤية المملكة في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، بعيداً عن أي خلافات".
وتابع: "الأردن تجمعه علاقات مميزة مع مختلف دول العالم، بما فيها الأشقاء في الإمارات ومصر، وأصدقاؤنا الأتراك، ومقابلة الملك الأخيرة تعني ضمناً حرص المملكة على المساهمة في تحقيق المصالحة بين جميع الأطراف".
وشدد المومني على أن "مواقف الأردن ودعوته الدائمة للحلول السلمية تجاه مختلف القضايا، تؤهله بالتأكيد لأن يكون وسيطاً مقبولاً لدى جميع الأطراف، فنحن حريصون على وحدة الصف وتوافق الجميع؛ للوصول إلى منطقة خالية من الأزمات والخلافات".
من جهته، يقول ميرزا بولاد، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى للبرلمان)، للأناضول إن "دبلوماسية الأردن حاضرة للعب دور الوساطة في حل المنازعات والمخالفات بين الأشقاء والأصدقاء".
وأضاف بولاد: "على أن ما يؤهل الأردن لدور الوساطة في مصالحة الصديقة تركيا مع الأشقاء في الإمارات ومصر، هو المكانة الاجتماعية والدولية للملك عبدالله في كل المحافل، وعلاقاتنا المميزة مع الدول الثلاث".
من جهته، يقول د. علي باكير، أستاذ العلاقات الدولية في مركز ابن خلدون، جامعة قطر، إن عادة من يقوم بدور الوسيط من هذا النوع، إما أن يكون قريباً من الطرفين أو بعيداً عنهما، وإن "الأردن يمكن أن يكون الطرف المعني إذا تمّ تخييري بين هذه الدول، مع أني لا أرى أن هذه الأزمة تحتاج إلى وساطة، بين أنقرة من جهة، وأبوظبي والقاهرة من جهة أخرى، إذ ليس هناك أي عائق من تواصل مباشر".
وأضاف باكير لـ"عربي بوست": "الأردن أيضاً لديه مصلحة في أن لا يخسر تركيا فيما يتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية، وفيما يتعلق بالموازنة بين الأصدقاء القريبين من إسرائيل وأولئك الذين يحافظون على التوازن بالاتجاه الآخر". مشيراً إلى أنه في نفس الوقت "الأردن لا يريد أن يخسر الدعم الاقتصادي الذي من الممكن أن تقدمه الإمارات له. لذلك، الجمع بين الطرفين يبدو مناسباً له. أما الدول الأخرى- مثل الكويت أو عُمان- فهي غير معنية بمثل هذه المعادلة".
متغيرات إقليمية ودولية تدفع الدول الثلاث للمصالحة
يقول خالد شنيكات، الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، إن "متغيرات البيئة الخارجية تساهم إلى حد كبير مع متغيرات البيئة الداخلية في الدفع بالدبلوماسية الأردنية لإعادة العلاقات بين الإمارات ومصر وتركيا".
ومن أبرز تلك المتغيرات، وفق شنيكات الذي تحدث للأناضول، هو "مجيء الرئيس الأمريكي جو بايدن للسلطة، ووجود العديد من الملفات العالقة بين أنقرة وواشنطن، رغم ما يجمعهما من مصالح استراتيجية".
وأضاف أن الأزمة الخليجية هي متغير آخر، وقد انتهت بالتسوية في القمة الخليجية الـ41 التي انعقدت في 5 يناير/كانون الثاني الماضي، بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
وأردف شنيكات أن "تسوية هذه الأزمة تعني أن الأزمات القائمة بين الإمارات ومصر وتركيا يمكن حلها على طريقة الأزمة الخليجية، من خلال تدخل طرف ثالث في الحل، وهنا نجد الدبلوماسية الأردنية".
وزاد بأن "الأردن يتمتع بعلاقات وثيقة مع الإمارات ومصر وتركيا والولايات المتحدة، وهذا الوضع يؤهله لإدارة دبلوماسية ناجحة في إعادة العلاقات". وأن "إرث السياسة الخارجية التركية في اتباع سياسة (صفر مشاكل) ما زال موجوداً ومؤثراً في السياسة التركية".
"لهذا نجد أن تركيا فتحت قنوات حوار ومفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وبشكل خاص فرنسا واليونان، كما احتفظت بعلاقات وثيقة مع روسيا وإيران وقطر، وحتى السعودية بالرغم من مسألة مقتل خاشقجي"، يقول شنيكات.
"الاتصالات مفتوحة بين تركيا ومصر"
ومنذ عام 2013 سمحت تركيا لمعارضين مصريين بالإقامة لديها بدافع الدعم الإنساني، وذلك عقب الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، وتصنيف جماعة الإخوان المسلمين "إرهابية"، ما أجبر عدداً من قياداتها وكوادرها على الخروج إلى دول أخرى؛ خشية الملاحقة.
وأكدت تركيا، على لسان وزير خارجيتها مولود تشاوش أوغلو، في وقت سابق، أن الطريقة الأكثر عقلانية لعودة العلاقات التركية المصرية هي عبر الحوار والتعاون مع أنقرة، بدلاً من تجاهلها.
ويقول علي باكير إن "الاتصالات بين أنقرة والقاهرة مفتوحة وربما لا تحتاج إلى واسطة، فعلى مستوى الاستخبارات كانت ولا تزال قائمة حول عدة ملفات لا سيما الإقليمية منها. أما على المستويين السياسي والاقتصادي، فليس هناك أي عائق من تواصل مباشر. وبخلاف الاعتقاد السائد، فحجم التجارة بين البلدين ارتفع عام 2019 بشكل غير مسبوق، كما أن أنقرة عادت لتستورد من مصر في محاولة للتلويح بالجزرة الاقتصادية لها"، وفق تعبيره.
لكن باكير يرى أن "المشكلة القائمة بين أنقرة والقاهرة، هي على المستوى الرئاسي، ولا أعتقد أننا سنرى تغييراً في وقت قريب في هذا الصدد. على المصريين أن يدركوا أن إدانة الانقلابات هي موقف مبدئي بالنسبة إلى تركيا بغض النظر عن الجهة التي تقوم بها".
الإمارات الشريك التجاري الأول لتركيا في المنطقة
أما فيما يتعلق بالإمارات، تقول أبوظبي إنها الشريك التجاري الأول لأنقرة في الشرق الأوسط، وتزعم أن المشكلة الرئيسية مع أنقرة تكمن في سعيها إلى "توسيع دورها على حساب الدول العربية".
أما تركيا فهي تشدد دائماً على الدور الحقيقي الذي تلعبه عالمياً، وهو ما عَبَّر عنه الرئيس رجب طيب أردوغان، بقوله في أحد خطاباته إن "تركيا كما فعلت طوال التاريخ، تقف بجانب المظلوم ضد الظالم دون النظر إلى هويته".
يقول باكير حول ذلك، إن "كل ما على الإمارات فعله هو أن تبادر وتتَّخذ إجراءات مناسبة تعكس التصريحات التي سمعناها من بعض مسؤوليها مؤخراً حول الرغبة في تطبيع العلاقات مع تركيا". مضيفاً: "لديهم الكثير من الأوراق لكي يظهروا أنهم جادون، وأن لديهم رغبة حقيقية في استعادة العلاقات.. عليهم أن يكونوا شفافين حيال نواياهم الحقيقية".
"فعلى سبيل المثال، بإمكان أبوظبي إطلاق سراح محمد أوزتورك- رجل الأعمال التركي المعتقل منذ 3 أعوام في الإمارات- والتراجع عن الخطاب المعادي لتركيا الذي ينشر الكراهية.. بإمكانهم أيضاً تهدئة الأوضاع في الإقليم وإبداء الرغبة بالتعاون الاقتصادي"، يختم باكير حديثه.