إنهاء الرئيس الأمريكي جو بايدن دعم بلاده للعمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف السعودي-الإماراتي في اليمن كان الخطوة الأهم حتى الآن للإدارة الجديدة بشأن قضايا الشرق الأوسط، فما الذي يمكن قراءته من تلك الخطوة؟
هذا الإعلان من جانب الرئيس الأمريكي يأتي متسقاً مع ما أعلنه أثناء حملته الانتخابية بشأن كون إنهاء الحرب في اليمن أحد أولويات إدارته، وتبعه تأكيد وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال محادثته الهاتفية الأولى مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، السبت 6 فبراير/شباط، على نفس الأمر.
وقد شهدت الأيام القليلة الماضية قرارات متتالية تتعلق باليمن والحرب الدائرة هناك منذ انقلاب الحوثيين عام 2014، ودخول التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات إلى البلاد لدعم الحكومة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي، منذ مارس/آذار 2015، في عملية "عاصفة الحزم" التي كان يفترض أن تنهي الأمور سريعاً، لكن النتيجة كانت كارثية ولا تزال الحرب مستمرة.
وكشف إعلان بايدن عن خمسة أمور يجب التوقف عندها فيما يتعلق باليمن، رصدها موقع The Hill الأمريكي من وجهة نظر واشنطن، وجاءت على النحو التالي:
قرار يحظى بدعم الكونغرس جمهوريين وديمقراطيين
يُنظر إلى إعلان بايدن على أنه إجراء منطقي ويحظى بدعم واسع من الحزبين والجمهور الأمريكي. وأصدر بايدن هذا الإعلان يوم الخميس 4 فبراير/شباط، في إطار تصريحاته التي تعرض نهج السياسة الخارجية لإدارته، قائلاً إن الولايات المتحدة ستوقف دعمها للعمليات الهجومية التي ينفذها التحالف الذي تقوده السعودية على الحوثيين في شمال اليمن، وأي صفقات أسلحة مرتبطة بها خططت لها إدارة ترامب في أيامها الأخيرة.
وهذا يشمل التوقف عن تسليم الصواريخ دقيقة التوجيه وتبادل المعلومات الاستخباراتية الأمريكية، والتعاون الذي قال منتقدون إنه ورّط الولايات المتحدة في خسائر مدنية لم تحرص الرياض على تفاديها.
إلا أن الرئيس أوضح في إعلانه أن الولايات المتحدة تدعم حق السعودية في الدفاع عن نفسها في مواجهة الهجمات التي تُشن عليها من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، وأنها ستواصل العمليات العسكرية الأمريكية التي تستهدف أنشطة القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وقال السيناتور مايك لي (الجمهوري عن ولاية يوتا)، الذي شارك في رعاية قرار من الحزبين لإنهاء الدعم الأمريكي للحرب، رفضه الرئيس السابق ترامب، في تغريدة: "أشيد بإعلان الرئيس إنهاء الدعم الأمريكي غير الدستوري للحرب في اليمن".
وأعطى السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز (نيوجيرسي)، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، مباركته للقرار بتغريدته: "أنا أيضاً أؤيد بالكامل القرار المتعلق بإنهاء دعم العمليات العسكرية الهجومية التي تنفذها السعودية في اليمن".
وأشادت الأمم المتحدة بتعيين بايدن لمبعوث خاص لليمن، والتزامه بـ"تكثيف" الجهود الدبلوماسية الأمريكية لإنهاء الحرب.
من هو تيموثي ليندركينغ مبعوث بايدن الخاص إلى اليمن؟
يشير تعيين ليندركينغ مبعوثاً أمريكياً خاصاً إلى اليمن إلى مدى اهتمام الإدارة بالجهود المبذولة لدعم المساعي التي تشرف عليها الأمم المتحدة لإيجاد حل دبلوماسي للحرب الأهلية الدائرة منذ أكثر من 6 سنوات.
ولاقى تعيينه ترحيباً من السعودية، حيث أصدرت وزارة خارجيتها بيان دعم، وكذلك من أحمد عوض بن مبارك، وزير خارجية الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، الذي قال إنه تحدث معه بالفعل عبر الهاتف.
ويُنظر أيضاً إلى اختيار لينديركينغ على أنه محاولة لتعزيز ذوي الخبرة في السلك الدبلوماسي الذين همشتهم إدارة ترامب. إذ شغل ليندركينغ مؤخراً منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شبه الجزيرة العربية في مكتب الشرق الأدنى في إدارة ترامب، ويتمتع بخبرة في الخدمة الخارجية، حيث عمل في السعودية والعراق والكويت والمغرب.
وعلق ديف هاردن، المدير الإداري لمجموعة جورج تاون الاستراتيجية، والموظف المتمرس في وزارة الخارجية، التي كان يتركز عمله بها على اليمن، على اختيار كينغ بقوله لموقع The Hill: "تعيين لينديركينغ إشارة مهمة ومتوقعة. تولى منصب نائب مساعد وزير الخارجية لسنوات، وهو يعرف هذا المنصب جيداً، والآن يحظى بثقة الرئيس بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن".
إلغاء تصنيف الحوثي جماعة إرهابية
وزارة الخارجية الأمريكية ماضية في التراجع عن قرار أصدرته إدارة ترامب في اللحظة الأخيرة بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وهو القرار الذي أثار احتجاجات من جماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، وصلت إلى حد وصف تلك الخطوة بحكم إعدام للمدنيين اليمنيين.
ولفتت هذه الجماعات إلى أن تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية من شأنه إعاقة المستوردين التجاريين الضروريين لمواصلة تدفق السلع الحيوية التي تساعد في تخفيف الأزمة الإنسانية عن نشاطهم، لأن مخالفة العقوبات الأمريكية قد يُلحق ضرراً بهم.
وفي تقرير له أشار موقع Responsible Statecraft الأمريكي إلى أن الحوثيين، المعروفين رسمياً باسم "حركة أنصار الله"، قد ارتكبوا فظائع خلال الحرب المروعة في اليمن، ومع ذلك يذهب تقرير الموقع إلى أن قرار الإدارة الأمريكية السابقة بتصنيفهم منظمةً إرهابية أجنبية كان قراراً متسرعاً، وبدا أنه غير مدروس، لأن الحوثيين لا تنطبق عليهم المعايير الرسمية للتصنيف.
وفي هذا السياق، يشير كثير من المراقبين واليمنيين إلى أن الحوثيين ارتكبوا أعمال عنف وتعذيب مروعة، وزرعوا عدداً لا يحصى من الألغام الأرضية، وأجبروا آلافاً على الفرار من ديارهم. ويقول خصوم الحوثيين إن الجماعة تعمد بالدرجة الأولى إلى استخدام السكان اليمنيين الخاضعين لسيطرتهم -نحو 20 مليون شخص- كرهائن.
لكن وصف البعض قرار الإدارة بالتراجع عن تصنيفهم كجماعة إرهابية بأنه "شر لا بد منه"، لأسباب إنسانية وسياسية أيضاً، وفي هذا الإطار أصدرت إدارة بايدن ترخيصاً خاصاً من خلال وزارة الخزانة لضمان تسليم الواردات الحيوية، لكن هذا الاستثناء ينتهي في 26 فبراير/شباط.
ورد المدير القُطري للمجلس النرويجي للاجئين في اليمن، محمد عبدي، على هذه الخطوة بالقول إنه قرار "مرحب به"، وسيساعد في تفادي "عواقب إنسانية كارثية"، وسيسمح باستمرار دخول الغذاء والوقود والأدوية. وقال في تصريح: "هذا القرار انفراجة وانتصار للشعب اليمني، ورسالة قوية من الولايات المتحدة بأنها تعطي الأولوية لمصالح اليمنيين".
مطالبات بنهج أكثر صرامة مع السعودية
خضعت العلاقات الأمريكية السعودية لتدقيق مكثف في السنوات الأخيرة، بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتقطيع جثته عام 2018، الذي كان مقيماً في الولايات المتحدة، وهو ما يُعتقد أنه تم بأمر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتصرفات الرياض القمعية، وحبس المعارضين السياسيين في الداخل، ودورها في الأزمة الإنسانية الأليمة في اليمن.
وتقول إليسا كاتالانو إيورز، الباحثة المساعدة في مركز الأمن الأمريكي الجديد، لموقع The Hill، إن قرار اليمن يوضح أن إدارة بايدن تسير وراء "غرائز السياسة الخارجية القائمة على المبادئ"، وتبدي استعدادها لإجراء محادثات قوية وصادقة.
وقالت: "الفريق الجديد يشير إلى أنه سيقيّم العلاقة برمتها، وهي عميقة ومعقدة، وبناءً على دراستها دراسة دقيقة، ووفقاً لما يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة الاستراتيجية". ويكثف المشرعون الديمقراطيون من مطالبتهم إدارة بايدن بالشروع في تناول سلوكيات الرياض الأخرى.
ودعا السيناتور كريس مورفي (الديمقراطي من ولاية كونيتيكت)، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إلى "إعادة ضبط" العلاقات الأمريكية الخليجية في إطار الجهود المبذولة للتعامل مع المزاعم المتعلقة بحقوق الإنسان في السعودية.
ويطالب كل من السيناتور رون وايدن والسيناتور جيف ميركلي، وكلاهما ديمقراطي من ولاية أريغون، الإدارة الأمريكية بمحاسبة السعودية على مساعدتها مواطنيها المتهمين بارتكاب جرائم في الولايات المتحدة على الفرار من البلاد هرباً من العدالة.
ماذا عن دور الإمارات؟
قال بايدن في إعلانه إن الولايات المتحدة ستنهي "صفقات الأسلحة"، التي تُسهم في الهجوم في اليمن، لكنه لم يتطرق بشكل مباشر إذا ما كانت مبيعات الأسلحة إلى الإمارات مشمولة في قراره. وكانت الإدارة قد أوقفت في وقت سابق صفقة أسلحة مع الإمارات أبرمتها إدارة ترامب، حيث قالت وزارة الخارجية إنها قيد المراجعة.
لكن الولايات المتحدة والإمارات شريكان في جهود مكافحة الإرهاب في اليمن على تنظيم القاعدة، الذي التزم بايدن في تصريحاته يوم الخميس بمواصلة دعمه. وقالت إليسا كاتالانو إيورز لموقع The Hill: "هذه منطقة مهمة تتداخل فيها مصالح الولايات المتحدة والإمارات".
ومن جانبها، طالبت منظمة العفو الدولية بحظر "جميع مبيعات الأسلحة إلى الإمارات والسعودية"؛ "خشية استخدامها لارتكاب المزيد من جرائم الحرب في اليمن".
يقول جاستن راسل، المدير الرئيسي لمركز نيويورك للشؤون الخارجية، الذي رفع دعوى قضائية على الحكومة لوقف مبيعات الأسلحة إلى الإمارات، إن فريقه يشعر "بتفاؤل حذر" إزاء مضيّ إدارة بايدن في "إنهاء الدعم الأمريكي لأنشطة الإمارات ومبيعات الأسلحة المرتبطة بها".