كان بدء حملات التطعيم ضد الوباء بمثابة الخبر السار الذي أنعش الأمل في السيطرة على التفشي حول العالم بصورة سريعة نسبياً، لكن يبدو أن تحور فيروس كورونا إلى سلالات أخرى أسرع من التوصل للقاحات لمواجهته، وهذا ما كشفت عنه سلالة جنوب إفريقيا، فما القصة؟
ومنذ بدأت دول العالم حملات تطعيم مواطنيها بلقاحات كورونا المتعددة، وكانت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية من أوليات تلك الدول في نهايات العام الماضي، يظهر موقع رصد أعداد من تلقوا لقاحات كورونا أن أكثر من 146 مليوناً و400 ألف شخص قد تلقوا الجرعات بالفعل مع استمرار ذلك بمعدل يزيد على 6 ملايين ونصف المليون شخص يومياً حول العالم، بحسب ما يظهره الموقع صباح اليوم الإثنين 8 فبراير/شباط 2021.
وبدأت بالفعل تظهر مؤشرات إيجابية حول نجاح حملات اللقاح في تخفيض أعداد الإصابات الجديدة بصورة ملحوظة، خصوصاً في الدول التي لقحت أعداداً كبيرة من مواطنيها بالفعل مثل إسرائيل، كما أن بعض التقارير من الولايات المتحدة قد أظهرت تراجع المعدل اليومي للإصابات هذا الأسبوع مقارنة بالأسابيع الثلاثة السابقة عليه.
لكن على مستوى العالم، بدأت أعداد الإصابة الجديدة بفيروس كورونا تسجل مستويات أقل نسبياً في الأيام الأخيرة، وبشكل عام تخطت الإصابات 106 ملايين ونحو 800 ألف إصابة منذ تفشي الوباء قبل أكثر من عام، وبلغ عدد المتعافين نحو 78 مليوناً ونصف المليون وفقد أكثر من 2 مليون و328 ألف شخص حياتهم، بحسب موقع وورلدميترز كورونا.
جنوب إفريقيا تعلق استخدام لقاح أسترازينيكا
لكن تزامنت حملات التطعيم ضد كورونا مع ظهور سلالات جديدة من الفيروس أثارت القلق بشأن فاعلية اللقاحات المتعددة ضد تلك السلالات الجديدة، وأبرزها حتى الآن السلالة البريطانية والسلالة التي ظهرت في جنوب إفريقيا.
ويتم الآن استعمال مجموعة من اللقاحات حول العالم منها فايزر/ بايونتيك وموديرنا الأمريكيين وأسترازينيكا البريطاني وساينوفارم وساينوفاك الصينيين وسبوتنيك الروسي، إضافة إلى لقاحات أخرى تنتظر الموافقة من الهيئات الصحية المختصة أبرزها لقاح جونسون آند جونسون، وأشارت تقارير إعلامية إلى وجود أكثر من 200 لقاح يجري تطويرها حالياً.
وتتفاوت نسبة فعالية اللقاحات في مواجهة الوباء وفي قدرتها على تقديم مناعة ضد الإصابة، لكن بشكل عام يعتبر التوصل للقاحات في أقل من عام إنجازاً علمياً وتاريخياً بكل المقاييس، ورغم أن بعض المعلومات الخاصة بالفيروس أو اللقاحات لا تزال قيد البحث وتحتاج لمزيد من الوقت لحسمها، إلا أن هناك إجماعاً بين خبراء الصحة وعلماء الفيروسات على أن السبيل الوحيد لمحاصرة تفشي الوباء والتغلب عليه هو توفير اللقاح للغالبية الساحقة من المواطنين في أسرع وقت ممكن.
والسبب الرئيسي هنا أنه كلما زادت وتيرة تفشي فيروس كورونا زاد خطر تحوره إلى سلالات أخرى ربما لا تجدي معها اللقاحات الحالية، وهذا ما حدث بالفعل على ما يبدو، إذ أوقفت جنوب إفريقيا طرح لقاح أسترازينيكا البريطاني بعد ظهور نتائج مخيبة للآمال بشأن فاعليته ضد سلالة جديدة من الفيروس منتشرة على أراضيها.
ويقول العلماء إن السلالة الجديدة مسؤولة عن نحو 90% من الإصابات بكورونا في جنوب إفريقيا، وأظهرت دراسة أجريت على نحو 2000 شخص أنّ اللقاح وفّر "الحد الأدنى من الحماية" ضد الإصابات الخفيفة والمتوسطة بفيروس كورونا، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ويأتي ذلك بعد أن تسلّمت جنوب إفريقيا بالفعل مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا، وكان من المفترض أن تباشر حملة التطعيم الأسبوع المقبل، وتحدّث وزير الصحة زويلي مخيرزي في مؤتمر صحفي عبر الإنترنت قائلاً إن "حكومته ستنتظر المزيد من النصائح حول أفضل السبل للمضي قدماً مع لقاح أكسفورد-أسترازينيكا في ضوء النتائج"، مضيفاً أن بلاده ستعتمد في الوقت الحالي على لقاحي "جونسون أند جونسون" وفايزر خلال الأسابيع المقبلة.
أما البروفيسور شابير مادي الذي قاد التجارب في جنوب غفريقيا، فقد كان مباشراً أكثر إذ قال: "للأسف، لا يعمل لقاح أسترازينيكا ضد حالات المرض المتوسطة والخفيفة"، مضيفاً أن الدراسة لم تكُن قادرة على التحقق من فاعلية اللقاح في الوقاية من الإصابات الأكثر خطورة، إذ كان متوسط عمر المشاركين 31 عاماً، وهم لا يمثلون الفئة السكانية الأكثر عرضة لخطر أعراض الفيروس الشديدة.
ماذا يعني ذلك بالنسبة للقاح؟
وعلى الرغم من أن ذلك يعتبر خبراً غير جيد بالنسبة لحرب الوباء المستعرة حالياً حول العالم، إلا أنه لا يعتبر مفاجأة بالمعنى المفهوم، فاللقاحات التي تم التوصل إليها حتى الآن في زمن قياسي تحيط بها بعض علامات الاستفهام نظراً لحداثتها من جهة وبالتالي الاحتياج لمزيد من الوقت للتأكد من المدى الزمني الذي توفر فيه الحماية (استمرارية الأجسام المضادة) لمن يتلقاها.
ومن جهة أخرى لا يمكن إنكار البعد السياسي الذي أصبح متواجداً بصورة لا يمكن إنكارها منذ ظهور الفيروس وصولاً إلى اللقاحات، فهناك دول تحظر على مواطنيها تلقي لقاحات دول تعتبرها في خانة الأعداء كما في حالة إيران ورفضها للقاحات بريطانيا والولايات المتحدة.
لكن لقاح أسترازينيكا تحديداً قد شهد محطات صعبة منذ مرحلة تطويره وإجراء التجارب السريرية عليه واستمرت تلك المحطات بعد حصوله على موافقة طارئة للاستخدام في بريطانيا ثم الاتحاد الأوروبي، إذ كانت عدة دول أوروبية قد أعلنت أنها لن تقدِّم اللقاح البريطاني لمن هم أكبر من 65 عاماً، رغم اعتماده من قِبَلِ وكالة الأدوية الأوروبية للاستخدام في جميع الفئات العمرية فوق 18 عاماً.
ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اللقاح بأنه "شبه غير فعَّال" للأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، وبعد ذلك قدَّمت السلطات الصحية الفرنسية توصيةً غير رسمية بعدم الموافقة على التطعيم لمن هم فوق الـ65 عاماً.
لكن جيم نايسميث، أستاذ البيولوجيا التركيبية في جامعة أوكسفورد، فسر ذلك بقوله: "تلخَّص تقييمهم في أن الفاعلية لم تظهر بعد على من هم أكبر من 65 عاماً. ولم يقل أيٌّ منهم إن اللقاح غير فعَّال لمن تزيد أعمارهم على تلك السن". وهو ما يعني أنه ليس هناك قلقٌ من أن اللقاح ليس آمناً لمن هم أكبر من 65 عاماً، أو أنه عديم النفع.
ويوضح نايسميث ذلك قائلاً: "غالباً ما يختلف العلماء حول مقدار الأدلة المطلوبة لأيِّ تقدُّمٍ جديد، وهناك دائماً المزيد من البيانات التي يجب تأمينها". وأضاف: "عادةً ما يحدث كلُّ هذا بعيداً عن مرأى ومسمع وسائل الإعلام.. لكن مثل هذه المناقشات هي جزءٌ مهمٌّ من العملية العلمية".
وقالت شركة أسترازينيكا المصنعة للقاح، عبر موقعها على الإنترنت، إن "اللقاح أظهر بمرحلة التجارب السريرية أنه آمن وفعال في منع كوفيد19، دون حدوث حالات حادة أو الحاجة للعلاج بالمشفى لأكثر من 14 يوماً، بعد الحصول على الجرعة الثانية".
أما الموقف من فاعلية اللقاح في مواجهة السلالة الجنوب إفريقية من كورونا فيبدو مختلفاً، إذ قالت سارة غيلبرت، المشرفة على فريق أوكسفورد الذي عمل على تطوير اللقاح، إنّ اللقاحات تستطيع الحماية من حالات المرض الشديدة، مضيفة أنه من المرجح أن يكون لدى المطورين نسخة معدلة من اللقاح ضدّ المتغير الجديد من الفيروس في جنوب إفريقيا.
لكن تلك النسخة المعدلة من اللقاح لن تكون متوفرة قبل خريف العام الجاري، بحسب تقرير نشرته شبكة CNN الأمريكية الأحد 7 فبراير/شباط، وهو ما يقوله الخبراء بشأن إمكانية تعديل لقاحات كورونا الحالية لتكون أكثر ملاءمة مع السلالات الجديدة في وقت قصير لا يزيد على أسابيع أو أشهر على أقصى تقدير.