اختراع إيراني في زمن كورونا.. حفلات لحاملي الأجسام المضادة فقط وبطاقة الدخول “اختبار إيجابي”

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/02/07 الساعة 17:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/08 الساعة 05:46 بتوقيت غرينتش
كورونا في إيران/ رويترز

كورونا في إيران يحمل صبغة سياسية، إذ حظرت طهران استعمال اللقاحات البريطانية والأمريكية، لكن هناك أيضاً ظاهرة غريبة. يتحايل الشباب الإيرانيون على قيود الإغلاق التي تفرضها الجائحة بإقامة حفلات يحضرها فقط من يحمل "أجساماً مضادة"، فما القصة؟

وعلى الرغم من كون بريطانيا والولايات المتحدة من بين أوليات الدول في العالم في التوصل للقاحات كورونا، إلا أن طهران حظرت بشكل صارم استيراد اللقاحات التي طوَّرَتها هاتان الدولتان، بل ألغت 150 ألف جرعة من اللقاح تبرَّعَت بها شركة فايزر الأمريكية. 

وقال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في خطابٍ ألقاه في يناير/كانون الثاني إن "استيراد اللقاحات الأمريكية والبريطانية إلى البلاد ممنوع.. إنها غير موثوقة على الإطلاق". وأضاف أن "الأمريكيين والبريطانيين يريدون اختبار لقاحهم على دولٍ أخرى". 

شركة موديرنا الأمريكية/رويترز

وقال إنه بدلاً من ذلك سيجري استيراد جرعات اللقاح من دولٍ تربطها علاقاتٌ أوثق بإيران، مثل روسيا والصين والهند. 

وبعد ذلك بوقتٍ قصير دشَّنَت إيران تحالفاً استراتيجياً مع كوبا، وأنشأت إطاراً تعاونياً يجري بموجبه تطوير اللقاح الكوبي بين معهد باستير الإيراني ومعهد فينلاي الكوبي للقاحات. ويخضع كلا البلدين لعقوباتٍ أمريكية صارمة، إذ أُضيفَت كوبا حديثاً إلى قائمة وزارة الخارجية الأمريكية لـ"رعاة الإرهاب". 

ويعتقد العلماء أنه حتى المناعة الجزئية يمكن أن تبطئ انتشار المرض وتقلِّل من شدة أعراضه. ومن هنا أثار تأخير التطعيم ضد الفيروس مخاوف لدى الإيرانيين، مع تحذير البعض من ارتفاعٍ مُحتَمَلٍ في عدد الوفيات إذا لم تُستخدَم اللقاحات الأمريكية والبريطانية. 

ووفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة الإيرانية، توفِّيَ أكثر من 58,180 شخصاً في البلاد بسبب كوفيد-19، وأُصيبَ أكثر من 1,438,280 شخصاً حتى 3 فبراير/شباط الجاري. ويزعم أعضاء المعارضة أن الأعداد الحقيقية أكثر من ذلك بكثير.

حفلات الأجسام المضادة

لكن بعيداً عن اللقاحات والجدل الدائر حولها، ألقى موقع Middle East Eye البريطاني الضوء على إحدى الظواهر الغريبة التي صاحبت تفشي الوباء في إيران، خصوصاً في قطاع الشباب الذين سئموا قيود الإغلاق ويريدون أن يكسروا تلك القيود، لكن يظل الخوف من العدوى قائماً.

وقالت إحدى الشابات الإيرانيات وتدعى ميترا وتبلغ من العمر 24 عاماً إنها سئمت قيود الإغلاق وتريد سبباً للشعور بالبهجة. لذلك قرَّرَت إقامة حفل ودعوة بعض صديقاتها، لكن كان للحفل شرط مُسبَّق غير تقليدي. 

وأضافت للموقع البريطاني عن حفل أقامته بالفعل: "أولئك الذين أرادوا حضور حفلي كان يجب عليهم إجراء اختبار الأجسام المضادة مُسبَّقاً وإرسال النتائج إليّ لمعرفة ما إذا كانت لديهم أجسام مضادة في الدم. إذا كانت النتائج إيجابية، فهذا يعني أنه لا يوجد خطرٌ عليهم أو علينا، ويمكننا الاستمتاع معاً".

إيرانيون يرتدون أقنعة واقية يستقلون حافلة بعد تفشي كورونا / رويترز

ويبدو أن حفل ميترا قد تحول لظاهرة ومعها أصبح اختبار الأجسام المضادة لفيروس كورونا المُستجَد سلعةً رائجةً بين هؤلاء الشباب القلقين الذين يتوقون إلى الحياة خارج جدران منازلهم. إذ يفحص الاختبار استجابة الجسم المناعية لعدوى كوفيد-19 عن طريق قياس عدد الأجسام المضادة ضد الفيروس في عيِّنات الدم من الأفراد الذين يعانون من الأعراض وغير المصحوبين بأعراض على حدٍّ سواء.

ومع مطلع العام الجاري، بدأت نتائج الاختبار الإيجابية تخدم غرضاً آخر وهو كونها بطاقة الوصول إلى "حفلات الأجسام المضادة" التي تظهر في جميع أنحاء العاصمة طهران.

وهكذا أصبح اختبار الأجسام المضادة لفيروس كورونا المُستجَد شائعاً في إيران. يكلِّف حوالي مليون و200 ألف ريال إيراني (5 دولارات) ويمكن إجراء الاختبار من خلال زيارة المعامل الخاصة أو المستشفيات. وعادةً ما يمكن اكتشاف الأجسام المضادة ضد كوفيد-19 في الأسابيع القليلة الأولى بعد الإصابة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. 

ونقلاً عن تجارب مُتناقَلة، يزعم المحتفلون أن الأجسام المضادة تحمي الأشخاص من الإصابة بالفيروس مرةً ثانية، مِمَّا يمكِّنهم من تجاوز بعض القيود التي تفرضها الحكومة واستعادة القليل من الحياة الطبيعية

وأخبرت ميترا، الحاصة على درجة البكالوريوس في علوم الأغذية، موقع Middle East Eye البريطاني أنها أُصيبَت بفيروس كورونا المُستجَد العام الماضي، ولم تكن تستطيع التنفُّس بشكلٍ طبيعي لمدة شهرين تقريباً. ومع ذلك تعتقد أنها مُحصَّنةٌ ضد الفيروس بعد أن تعافت. 

وأصرَّت بثقة، دون دليلٍ منها على ذلك، على أنه "بعد إصابتك بكوفيد-19 مرةً واحدة، فإنك تطوِّر أجساماً مضادة تمنع من أن تكون هناك مرةٌ ثانية". 

ولدعم ادِّعائها قالت ميترا إن شقيقتها، التي تعمل ممرضةً في عيادةٍ بطهران، توصَّلَت إلى النتيجة نفسها بشأن الأجسام المضادة والمناعة بعد "البحث على الإنترنت كثيراً عن الفيروس". 

ومنذ اكتشاف أول حالة إصابة بكوفيد-19 في إيران في فبراير/شباط من العام الماضي، ظلَّت البلاد تكافح الجائحة دون نجاحٍ يُذكَر. وأرهقت الجائحة التي طال أمدها الجميع في إيران وأحبطتهم. يقول الشباب إنهم سئموا إغلاق المطاعم ودور السينما وغيرها من أماكن الترفيه. والحفلات ليست إلا أداة لمساعدتهم على تجاوز هذه الأيام الرتيبة. 

وقال مهرداد، طالب فنون الجرافيك البالغ من العمر 23 عاماً، والذي يحضر حفلات الأجسام المضادة: "أخبرني ماذا أفعل؟ إلى متى سنعزل أنفسنا داخل منازلنا؟ لقد سئمنا من هذا الفيروس اللعين". 

وأضاف: "منذ عام امتلأت حياتنا بالأقنعة الواقية ومعقِّمات الأيدي. لا يمكننا زيارة أيِّ شخص، ولا يمكننا معانقة أصدقائنا. ولا يتضح على الإطلاق متى سيصل اللقاح إلى إيران، وحتى عندما يكون متاحاً، ليس من الواضح ما إذا كان يمكن استخدامه أم لا".

ما مدى دقة تلك الاختبارات؟

ولا تختلف حفلات الأجسام المضادة كثيراً عن أيِّ تجمُّعاتٍ اجتماعية في حقبة ما قبل الجائحة، إذ يذهب الناس للرقص ويمرحون سوياً. وفي حين أن بعض الناس قد لا يزال لديهم تحفُّظات بشأن فاعلية حماية الأجسام المضادة، لم يمنعهم ذلك من الاستمتاع ببعض المرح. 

وقالت سيما، 21 عاماً، التي حضرت أحد حفلات الأجسام المضادة في فيلا بمدينة لواسان شمالي شرق إيران: "أعلم أن هناك خطراً في أن ينتقل الفيروس إليّ مرةً أخرى، لكنني أحاول في هذه الحفلات أن أتواصل عن كثبٍ فقط مع الأشخاص الذين أعرفهم جيداً، وأبقى بعيداً عن الأشخاص الذين لا أعرفهم جيداً".

وتحدَّث موقع Middle East Eye إلى العديد من الأشخاص الذين اعتقدوا أن وجود الأجسام المضادة في مجرى الدم يعني أنه ما مِن داعٍ للقلق بشأن الإصابة بالفيروس مرةً أخرى وإصابة الآخرين. وقال مهرداد، أحد الحاضرين في الحفل، إنه أُصيبَ بالفيروس الصيف الماضي، وإن اختبار الأجسام المضادة اللاحق "أكَّد أنه سيكون لديه مناعة ضد الفيروس لمدة ستة أشهر على الأقل". 

وأضاف: "تجمُّعاتنا محدودة للغاية. ليس الأمر وكأننا نسمح للجميع بالدخول، والمضيف يطلب من الجميع إظهار نتائج الأجسام المضادة الخاصة بهم". 

المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي/رويترز

ومع ذلك ليس كلُّ من يحضر هذه الحفلات يأخذ فيروس كورونا المُستجَد على محمل الجد، بل إن البعض قد زيَّف نتائج الاختبارات من أجل الحضور. 

أعلن أمير، الرياضي المحترف البالغ من العمر 22 عاماً، أن الرياضيين مُحصَّنون ضد الفيروس. وقال للموقع البريطاني: "انظر، لا يوجد رياضيٌّ في العالم مُصاب بالفيروس. على سبيل المثال، أُصيبَ كلٌّ من كريستيانو رونالدو وزالاتان إبراهيموفيتش بفيروس كورونا المُستجَد، لكنهما تعافيا بسرعةٍ كبيرة". 

ولم يخفِ أمير حقيقة أنه لم يجرِ اختبار الأجسام المضادة مُطلَقاً وأن النتيجة الإيجابية التي جلبها إلى الحفل فُبرِكَت بواسطة برنامج فوتوشوب. وقال: "كلُّ شخصٍ في الحفل لديه أجسام مضادة، لذا فهم ليسوا في خطر. إنهم لا يشكِّلون أيَّ خطرٍ بالنسبة لي. لماذا أشعر بالذنب إذاً؟". 

وأعرب مسؤولون حكوميون عن مخاوفهم بشأن أولئك الذين لا يلتزمون بإرشادات الصحة والسلامة المفروضة للحدِّ من انتشار الفيروس. وقال وزير الصحة الإيراني سعيد نمكي، الشهر الماضي، إن "تخفيف القيود والإهمال وعودة السلوكيات الاجتماعية الخاطئة ستؤدِّي إلى موجةٍ جديدة وأكثر حدة من الجائحة في البلاد". 

ومع ذلك ادَّعى آخرون أن السلطات بحاجةٍ إلى الاعتراف بأن الفئات الاجتماعية المختلفة ستعاني من مستوياتٍ مختلفة من الإرهاق خلال الجائحة. 

قالت الصحفية الإيرانية فهيمة ميري إن "البُعد النفسي للجائحة هو أهم قضية". وأضافت: "نظراً لسنهم، فإن جيل الشباب أكثر ميلاً لتحدي قيود التباعد الاجتماعي. وهذه المشكلة لا تقتصر على إيران. نرى الشيء نفسه يحدث في جميع أنحاء العالم، حيث يواجه مسؤولو الصحة التحدي الكبير المتمثِّل في إقناع الجمهور، وخاصةً الشباب، باحترام القيود". 

وتابعت: "في بعض الأحيان تكون بعض مبادرات الشباب للتحايل على القيود مفاجئة حقاً، وحفلات الأجسام المضادة هي بالتأكيد إحدى الوسائل في ذلك".

تحميل المزيد