تبذل الحكومات في أنحاء العالم محاولات مستميتة للحصول على لقاحات فيروس كورونا المستجد، مع خوض الكثير منها معارك صريحة على الجرعات المحدودة، واتهام الآخرين بتكديسها. ومع ذلك، في غمار هذا التدافع، لم تكتفِ بعض الدول برفض لقاحات كورونا التي أنتجتها دول خصمة، بل حظرتها رسمياً أيضاً حتى لو قدمت لها كهبات أو كانت فعالة ضد الفيروس بنسبة 100%.
ويعد هذا قلباً لمنطق "قومية اللقاح"، الذي دفع دولاً قوية لتكديس أكبر قدر ممكن من الجرعات على أمل تجاوز الوباء. وأُعطِي بالفعل أكثر من 80 مليون جرعة من اللقاحات في ما لا يقل عن 50 دولة، مع تحقيق بعضها معدل تطعيم أسرع كثيراً عن الأخرى.
ويعتبر الخبراء توجه رفض لقاحات الدول الخِصمة مقلقاً، لكن ليس مثيراً للدهشة. وقال يانتشونغ هوانغ، الباحث البارز في مجلس العلاقات الخارجية، لصحيفة The Washington Post الأمريكية، إنَّ الرفض يتعلق "بمجموعة من الاعتبارات السياسية، سواء كان لهذه الدول خيار الحصول على اللقاح أم لا، بجانب المخاوف بشأن فعّالية اللقاحات وسلامتها".
إيران ترفض اللقاحات الأمريكية والبريطانية
تضررت إيران بشدة من فيروس كورونا المستجد، ومع ذلك، أعلن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، في 8 يناير/كانون الثاني، حظر بلاده استيراد اللقاحات المصنوعة في الولايات المتحدة أو بريطانيا.
ووصف آية الله علي خامنئي، في الإعلان الذي أذاعه التلفزيون الإيراني، اللقاحات الأمريكية والبريطانية بأنها "محرمة". وقال: "إنهم غير جديرين بالثقة على الإطلاق. إذا كانوا قادرين على صنع لقاح… لماذا يريدون إعطاءنا إياه؟ لماذا لا يستخدمونها بأنفسهم؟".
وعلى الجانب الآخر، صرحت إيران باستخدام اللقاح "سبوتنيك في" في أواخر يناير/كانون الثاني، وكانت تأمل في تصنيع بعض الجرعات بالاشتراك مع روسيا. وأفادت وسائل إعلام رسمية بأنه من المتوقع وصول الجرعات الأولى من "سبوتنيك في" هذا الأسبوع. ومن المتوقع أيضاً أن تتلقى إيران مليون جرعة لقاح من الصين.
وفي هذا السياق، قال أمير أفخمي، الخبير في نظام الصحة العامة في جامعة جورج واشنطن، إنَّ هناك بعض الأسباب العملية التي تجعل إيران تفضل لقاحاً روسياً بدلاً من اللقاح المدعوم من الولايات المتحدة، ربما يكون منها أنَّ "سبوتنيك في" هو أحد اللقاحات الأرخص. ومع ذلك، رجَّح أنَّ مبرر ذلك ربما كان محاولة "لتصوير النظام على أنه كفء في ضوء العديد من الأخطاء التي ارتكبها أثناء الوباء".
وجاء تحرك خامنئي لمنع بعض اللقاحات الأجنبية وسط مزاعم إيرانية بأنَّ العقوبات المالية الأمريكية كانت تمنع الوصول إلى مرفق "كوفاكس" -وهو آلية للشراء المجمّع للقاحات المضادة لـ"كوفيد-19″- التي اشترت جرعات من عدد من اللقاحات التي تدعمها الولايات المتحدة وبريطانيا.
تايوان ترفض اللقاحات الصينية
أكد المسؤولون التايوانيون الشهر الماضي حظر استيراد اللقاحات المصنوعة في الصين، وصرح مجلس شؤون البر الرئيسي للجزيرة، لوكالة أنباء Reuters، بأنَّ التطعيم مسألة طبية، وأنه "لا ينبغي استخدامه للدعاية السياسية".
وجاء هذا الإعلان بعد تقارير تفيد بأنَّ الصين، التي تدعي السيادة على تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي، تقدم لقاحاً أنتجته محلياً لنحو 400 ألف مواطن تايواني يعيشون على أرضها.
وألقت حكومة تايوان بظلال من الشك على اللقاحات التي تصنعها الشركات الصينية، وعمَّمت القواعد التي تُلزِم أي شخص تلقى هذه اللقاحات بالبقاء في الحجر الصحي عند وصوله إلى تايوان.
وقال يانتشونغ هوانغ، الباحث البارز في مجلس العلاقات الخارجية: "هناك بعض المخاوف السياسية وراء هذه القرارات، لكن هناك أيضاً بعض المخاوف المتعلقة بسلامة اللقاحات المُصنَّعة في الصين وكفاءتها".
وبالرغم من أنَّ حملة التطعيمات لن تبدأ حتى مارس/آذار، بحسب التوقعات، اشترت تايوان نحو 15 مليون جرعة لسكانها البالغ عددهم 25 مليون نسمة. وتأتي 10 ملايين من الجرعات مباشرة من شركة أسترازينيكا البريطانية-السويدية، و5 ملايين من خلال آلية كوفاكس.
أوكرانيا ترفض اللقاحات الروسية
على الرغم من الغضب السياسي المتزايد بشأن نقص اللقاح في البلاد، وافق المشرعون الأوكرانيون الأسبوع الماضي على مشروع قانون يحظر رسمياً اللقاحات المصنوعة في روسيا.
ويتعلق جزءٌ من مخاوف أوكرانيا بسلامة اللقاح الروسي وكفاءته؛ فقد نُشِرَت بيانات اختبار المرحلة 3 للقاح "سبوتنيك في" بعد فترة طويلة من طرح اللقاح للجمهور في روسيا.
لكن في حين أنَّ البيانات الجديدة الصادرة يوم الثلاثاء، 2 فبراير/شباط، قد تهدئ من المخاوف العلمية، إلا أنَّ التوترات الوطنية الأوسع لا تزال قائمة. فمنذ عام 2014، تسود التوترات علاقة أوكرانيا مع روسيا، التي دعمت المتمردين الانفصاليين في شرق البلاد وضمت شبه جزيرة القرم.
قالت جوديث تويج، الأستاذة في جامعة فرجينيا كومنولث، التي تتابع أوضاع الصحة العامة في أوكرانيا وروسيا: "من المنطقي القول -مثلما أعلن الروس- إنَّ إتاحة اللقاح يجب أن تسمو فوق اعتبارات الجغرافيا السياسية، ويجب على الجميع الحصول على لقاحات عالية الجودة من أي مكان ممكن". واستطردت جوديث: "من السذاجة تجاهل التداعيات الجيوسياسية".
وبينما يُستبعَد تغيير أوكرانيا قرارها المتعلق باللقاح الروسي، لم يبقَ أمامها في الوقت الحالي إلا بدائل قليلة. وقال بافلو كوفتونيوك، نائب وزير الصحة الأوكراني من 2016 إلى 2019، إنَّ قلق كييف من اللقاحات التي تدعمها موسكو ليس سياسياً فحسب، بل يتعلق بالأمن القومي.
وأضاف كوفتونيوك: "على مدى العقود القليلة الماضية، وخاصة خلال السنوات السبع الماضية من الحرب غير المُعلِنة، تعلمت أوكرانيا جيداً ما هي الحرب الهجينة". وأشار كوفتونيوك إلى أنَّ روسيا، وليست أوكرانيا، هي التي تعمل على تسييس إمدادات اللقاح، مضيفاً: "بالنسبة لروسيا، هي مسألة سياسة ونفوذ أولاً وقبل كل شيء، وليس الأمر كذلك لأوكرانيا".