حدَّد الرئيس الأمريكي جو بايدن حين كان مرشحاً للرئاسة، نهجاً تجاه السعودية أكثر صرامة من أي رئيس أمريكي آخر منذ عقود. وقال إنَّه سيجعل المملكة "تدفع الثمن" لقاء انتهاكات حقوق الإنسان، و"يجعلها في الواقع منبوذة مثلما يجدر بها". لكن إن كان بايدن يريد أن يجعل السعودية منبوذة الآن، فإنَّها منبوذة مُقرَّبة.
فبينما أعلن بايدن، الخميس 4 فبراير/شباط، وفاءه بالالتزام الذي قطعه خلال حملته الانتخابية، بإنهاء الدعم الأمريكي لحملة القصف السعودية المستمرة منذ 5 سنوات في اليمن، توضح إدارته أنَّها لن تتخلى عن مساعدة الجيش الأمريكي للمملكة، وتعتزم مساعدة السعودية على تعزيز دفاعاتها.
يعكس نهجه تعقيد العلاقات الأمريكية السعودية، ففي حين يتخذ بايدن نهجاً أكثر صرامة من أسلافه، يُقِرُّ هو وفريقه للسياسة الخارجية بأنَّ الولايات المتحدة لا يمكنها أن تسمح للعلاقات بالانهيار، ويرون أهمية الحفاظ على مجالات علاقة عسكرية وأمنية وفي مكافحة الإرهاب، مجالات يُنظَر إليها باعتبارها حيوية لأمن كلا البلدين، بحسب تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية.
قالت وزارة الخارجية الأمريكية في رسالة عبر البريد الإلكتروني رداً على أسئلة من وكالة أسوشييتد برس: "ستتعاون الولايات المتحدة مع السعودية حين تتلاقى أولوياتنا، ولن نتحاشى الدفاع عن المصالح والقيم الأمريكية حين لا تتلاقى".
النفط مقابل الحماية
تتضمن الأولويات المتلاقية تأكيد أمريكي طويل الأمد لقيادة الدفاع عن المملكة ونفطها من الهجمات التي من شأنها هز أسواق الطاقة والاقتصادات العالمية. وينظر القادة الأمريكيون أيضاً إلى السعودية باعتبارها ثقلاً إقليمياً موازناً لإيران.
قال بايدن الخميس، إنَّه سيوقف مبيعات الأسلحة المرتبطة بالهجوم على اليمن، لكنَّه لم يقدم تفاصيل فورية عما قد يعنيه ذلك. وفي الوقت نفسه، أعاد أيضاً تأكيد التزام الولايات المتحدة بالتعاون في الدفاع عن المملكة.
وقالت وزارة الخارجية، إنَّ ذلك سيشمل المساعدة في حماية الأراضي السعودية والبنية التحتية المهمة وطرق الشحن، من خصوم المملكة في اليمن المجاور، الحوثيين. لكن لم توضح إدارة بايدن بعد كيف تعتزم تعزيز دفاعات المملكة.
اتفق السيناتور كريس ميرفي، الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت والمنتقد للمشاركة الأمريكية في الحملة الجوية باليمن، في أنَّ الولايات المتحدة ربما ما تزال لها مصلحة أمنية في المساعدة على حماية السعودية. لكنَّه قال: "ينبغي أن يكون تركيزنا على توفير القدرات الدفاعية الأساسية، لمساعدة الرياض على الدفاع عن نفسها من التهديدات الخارجية، وليس محاربة تلك التهديدات نيابة عن السعوديين".
وأضاف أنَّه على الولايات المتحدة ألا تقدم "دعماً عسكرياً إضافياً للسعودية ما لم يمكننا بوضوحٍ أن نخلص إلى أنَّ ذلك الدعم لن يُستخدَم بصورة غير مسؤولة مثلما هو الحال في اليمن".
أسفرت الغارات الجوية التي تقودها السعودية منذ بداية الحرب في اليمن عام 2015، عن مقتل كثير من المدنيين اليمنيين، من ضمنهم أطفال مدارس، على متن حافلة وصيادون في قوارب صيدهم. وأخفقت الحرب المتعثرة في إزاحة الحوثيين، وهي تُعمِّق الجوع والفقر.
تُحمِّل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) وجهاتٌ أخرى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المسؤولية عن مقتل وتقطيع جثة الصحفي جمال خاشقجي. وسجنت المملكة نساء طالبن الحكومة بالسماح بقيادة السيارات، إلى جانب نشطاء سلميين آخرين. وتعتقل عدداً كبيراً من رجال الأعمال وأفراد الأسرة الملكية المترامية.
إرث ترامب الثقيل
قاوم الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الدعوات المنادية بإنهاء المساعدة الأمريكية للتحالف الذي تقوده السعودية، واستخدم في عام 2019، حق النقض (الفيتو) ضد تشريع يهدف لإنهاء ذلك الدعم.
لكنَّ بايدن كان قد تعهَّد بـ"إعادة تقييم" العلاقات السعودية الأمريكية. وجمَّدت الإدارة الشهر الماضي، مبيعات أسلحة للرياض، وهي بصدد مراجعة المشتريات الإماراتية.
ويضغط النشطاء والمشرعون المناهضون للحرب منذ حين، لإنهاء المشاركة الأمريكية في حرب اليمن. وإلى جانب مبيعات الأسلحة، كانت واشنطن تُقدِّم الدعم اللوجيستي وتشارك المعلومات الاستخباراتية مع التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
رحَّبت أفراح ناصر، الباحثة اليمنية بمنظمة هيومن رايتس ووتش، بالإعلان، لكنَّها قالت إنَّ الإدارة الجديدة بحاجة للتحقيق فيما إذا كان أي مسؤولين أمريكيين قد تورطوا في جرائم حرب.
وصرَّحت لموقع Middle East Eye البريطاني قائلةً: "تبدو هذه خطوة إيجابية جداً، لكنَّها لا ترفض حقيقة أنَّ الولايات المتحدة، وفقاً لتحقيقات منظمة هيومن رايتس ووتش وتقارير لجنة الخبراء بالأمم المتحدة، قد خاطرت بالتواطؤ في ارتكاب جرائم حرب، بسبب مبيعات السلاح إلى التحالف الذي تقوده السعودية".
وكان باحثون قانونيون قد حذَّروا خلال السنوات الست الماضية، من أنَّ الدعم الأمريكي للتحالف يضع واشنطن في موضع اتهام بتقديم الدعم المادي لهجوم عسكري يسفر بشكل مستمر عن قتل مدنيين.
وفي تقرير مفصل في سبتمبر/أيلول الماضي، طلبت الأمم المتحدة من مجلس الأمن إحالة الصراع إلى المحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق في جرائم حرب محتملة من كافة الأطراف.
وقد رفضت الولايات المتحدة، التي ليست طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية، أي تحقيقات تخصها أو تخص حلفاءها.
وأضافت أفراح: "بقدر أنَّ هذه الخطوة محل ترحيب، من المهم أن تأتي المساءلة كعنصر أساسي لسحب الدعم. وهذا يعني أنَّ الولايات المتحدة عليها أن تحقق جدياً فيما إذا كان أي مسؤولين أمريكيين تورطوا في جرائم حرب باليمن".
ونمت المعارضة للحرب مع تزايد وضوح الكارثة الإنسانية التي أَذِنَ بها القتال.
قالت آرييل غولد، المنسقة الوطنية لمنظمة Code Pink المناهضة للحرب، لموقع Middle East Eye: "لديّ شعور احتفائي، يملؤني الأمل. ومع ذلك، أعلم أيضاً أنَّ هذه ليست النهاية. ما يزال هناك كثير من العمل لإنجازه. لن ينهي هذا الحرب برمتها، ولا نعلم بعدُ السياق الكامل لما سيفعله بايدن بالضبط".
البحث عن التوازن
اتخذت السعودية منحىً تصالحياً مع تولي إدارة بايدن زمام السلطة. فقالت الخميس، إنَّها ترحب بالدبلوماسية الدولية في الصراع اليمني. ويُشدِّد قادتها على التاريخ المشترك والتعاون بمجال الاستخبارات والتعليم ومسائل أخرى. وفيما يبدو أنَّها أحدث بادرة موجهة لبايدن، قالت الخارجية الأمريكية إنَّ المملكة أفرجت، الخميس، إفراجاً مشروطاً عن مواطنين سعوديين أمريكيين مزدوجي الجنسية، وخففت الحكم عن ثالث.
وقال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، لقناة العربية الممولة سعودياً، متحدثاً عن مسؤولي إدارة بايدن: "أعتقد أنَّنا سنحظى بعلاقة ممتازة معهم، لأنَّ كل الركائز التي تنبني عليها العلاقة ما تزال كما هي".
كانت إدارة أوباما –التي كانت تركز آنذاك على إتمام اتفاق نووي مع غريمة السعودية، إيران- هي التي أعطت الضوء الأخضر للهجوم العسكري السعودي في اليمن. وكان من المفترض أن تسهم المشاركة الأمريكية في جهود القيادة والسيطرة السعودية، في تقليص الغارات الجوية على المدنيين، لكنَّها لم تفعل في كثير من الأحيان. وعبَّر منذ ذلك الحين بعضٌ من مسؤولي إدارة أوباما هؤلاء أنفسهم عن ندمهم، وهم الآن يعملون بإدارة بايدن في ظل تحركها لإنهاء المشاركة في الهجوم.
وليس واضحاً بعد إلى أي مدى سيصل بايدن في الوفاء بالتعهد الذي قطعه خلال الحملة الانتخابية بوقف تجارة الأسلحة الأمريكية المُقدَّر حجمها بعدة مليارات من الدولارات مع السعودية.
وقال ستيفن كوك، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجية، إنَّ التعهدات الأمريكية المتزايدة بالدفاع عن السعودية قد تمنح المملكة غطاء الحفاظ على ماء الوجه الذي تحتاجه للتخلي عن هجومها باليمن.
وأضاف أنَّه من الممكن "إقناع السعوديين بأنَّ إعلان النصر والعودة إلى الوطن هو السبيل الوحيد فعلاً. فلنضغط على أنفسنا ونفعلها".