تقنية الجيل الخامس ليست فقط سرعة أعلى في نقل البيانات عبر الإنترنت أو إجراء مكالمات أسرع كثيراً، لكنها تمثل تحقيقاً لحلم طالما راود قادة الجيوش منذ عقود، لكنها في الوقت نفسه تمثل تهديداً خاصاً للمرحيات الحربية والطائرات المدنية أيضاً، فما القصة؟
وبشكل عام تقدم تكنولوجيا الجيل الخامس أو 5G وعوداً بعالم مختلف تماماً من المنازل الذكية والسيارات آلية القيادة، وما إلى ذلك من وسائل الرفاهية غير المسبوقة. أما بالنسبة للجوانب العسكرية فالتقنية تمثل طفرة في جمع ونقل المعلومات الاستخباراتية وتعزيز وسائل المراقبة ونقل الأوامر العسكرية، إضافة إلى ربط الأفرع الرئيسية للجيوش ببعضها، وصولاً إلى تسيير الطائرات بدون طيار بطريقة آمنة في مسارات الطائرات التجارية والمدنية.
لكن هناك مشكلة تواجه نشر تكنولوجيا الجيل الخامس، وتتمثل في أن الطائرات بدون طيار والمقاتلات والمروحيات وحتى الصواريخ تعتمد على مقياس الارتفاع الراداري لتحديد الارتفاع ومدى اقتراب الطائرة من التضاريس المختلفة، إذ تساعدهم تلك الأدوات على تجنب التصادمات الكارثية المحتملة مع الأرض، وهنا يحدث التداخل مع الموجات القصيرة التي تعتمد عليها تقنية الجيل الخامس، بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
إذ إنه رغم الدور المحوري الهائل الذي يلعبه مقياس الارتفاع الراداري في تأمين العمليات الجوية للجيش الأمريكي في المهام القتالية أو مهام الأمن الداخلي، قد لا يستمر ذلك في المستقبل القريب. فقد أعرب عدد من كبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية عن قلقهم بشأن تحرّك هيئة الاتصالات الفيدرالية لإعادة تخصيص جزء من النطاق الترددي 3.7-4.2 غيغاهرتز لاستخدامات شبكة الجيل الخامس، ما قد يتسبب في حدوث تداخل وتعطيل لوظائف مقياس الارتفاع الراداري.
ونشرت الهيئة الفنية الراديوية للملاحة الجوية، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، مقال بعنوان "تقييم تأثير تداخل اتصالات النطاق C الهاتفية على عمليات مقياس الارتفاع الراداري منخفض النطاق"، وذُكر فيه: "لاحظت صناعة الطيران أن عمليات هيئة الاتصالات الفيدرالية لنشر شبكات الجيل الخامس في هذا النطاق الترددي قد تسفر عن ترددات راديوية ضارة تتداخل مع أجهزة مقياس الارتفاع الرادارية التي تعمل حالياً في نطاق الطيران المخصص عالمياً، 42-4.4 غيغاهرتز".
وقد تكون هيئة الاتصالات الفيدرالية مدفوعة بالرغبة والاهتمام في توسّع نشر شبكات الجيل الخامس إلى أسواق جديدة في الولايات المتحدة والعالم، إلا أن بعض المشرعين والمسؤولين الحكوميين قلقون للغاية من مخاطر تأثير ذلك على العمليات المدنية، والعسكرية على وجه الخصوص.
وذكر المقال: "مقياس الارتفاع الراداري هو أداة الاستشعار الوحيدة على متن الطائرات المدنية لقياس ارتفاع الطائرة عن التضاريس أو العوائق الأخرى، ووجود أي أعطال بتلك الأداة قد تؤدي إلى نتائج كارثية وسقوط العديد من الوفيات".
وأوضح أحد كبار المسؤولين الحكوميين لديه خبرة أكثر من ثلاثة عقود في قطاع الطيران أن تلك التداخلات المحتملة قد تكلّف أيضاً مليارات الدولارات للحد من تأثيراتها السلبية أو إصلاحها. وقال: "ستكون هناك حوادث، وضحايا من الأبرياء، وخسائر للممتلكات".
وذكر مقال الهيئة الفنية الراديوية للملاحة الجوية: "أوضح قطاع الطيران لهيئة الاتصالات الفيدرالية ضرورة إجراء المزيد من الدراسات لتوصيف أداء مقياس الارتفاع الراداري في ظل تداخل الترددات الراديوية من شبكات الجيل الخامس في النطاق الترددي 3.7-3.98 غيغاهرتز، فضلاً عن مخاطر التدخلات الضارة والتأثيرات السلبية المرتبطة بها على أمان عمليات الطيران، وذلك لاستخدام التدابير الوقائية اللازمة قبل بدء تشغيل شبكات الجيل الخامس".
وقال المسؤول الحكومي الكبير: "لا يمكننا أن نخاطر ببساطة بأمن وسلامة الطيران؛ لا يمكن أن وضع المصالح التجارية قبل السلامة".
تقنية الجيل الخامس بين المخاطر ونظرية المؤامرة
اللافت في قصة تقنية الجيل الخامس هو ذلك الكم الكبير من التناقضات والنظريات المحيط بها بعيداً عن فوائدها المؤكدة، إذ انتشرت العام الماضي واحدة من نظريات المؤامرة المرتبطة بتفشي فيروس كورونا وكان مصدرها في بريطانيا، حيث ربط أصحاب تلك النظرية بين تفشي الوباء وتركيب أبراج شبكات الجيل الخامس الخاصة بشركات المحمول.
وكانت ثلاثة أبراج على الأقل لشبكات الجيل الخامس قد تعرضت لإشعال النار في بريطانيا بسبب انتشار شائعات تربط بين فيروس كورونا وتقنية الجيل الخامس، وكانت تلك الحوادث ناتجة عن شائعة أو نظرية مؤامرة تزعم أن إطلاق البث التجريبي لشبكات الجيل الخامس في مدينة ووهان الصينية خريف عام 2019 هو السبب المباشر لظهور فيروس كورونا.
ولا يوجد بالطبع أي دليل علمي أو مؤشرات على مثل تلك النظريات التآمرية بشأن تقنية الجيل الخامس، ويرى كثير من المحللين أن السبب وراء انتشار مثل تلك الشائعات هو التنافس بين الولايات المتحدة والصين بشكل عام، خصوصاً بعد أن أصبحت الشركات الصينية تحتل صدارة شركات التكنولوجيا حول العالم في توفير معظم المكونات الأساسية لشبكات الجيل الخامس، وقيام واشنطن باتخاذ إجراءات عقابية ضد أبرز تلك الشركات مثل هاواوي.
وتقنية الجيل الخامس تتمثل بالأساس في زيادة السرعة وتقليل التأخير وتحسين ثبات عمليات نقل البيانات بشكل عام مقارنة بتقنية الجيل الرابع، وهذه المميزات تترجم في مواصفات الهواتف الذكية والسيارات آلية القيادة وماكينات أكثر دقة تستخدم في الزراعة والصناعة والروبوتات المتطورة، وذلك بحسب تقرير صادر عن خدمة البحث التابعة للكونغرس الأمريكي في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بشأن انعكاسات تكنولوجيا الجيل الخامس على الأمن القومي الأمريكي.
أما عسكرياً فإن تقنية الجيل الخامس يمكنها أن تحسّن من أنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وسلاح الإشارة وتعزيز تطبيقات القيادة والسيطرة وتوفير الإمدادات المختلفة بصورة أكثر ثباتاً، كما يمكن للتقنية أن توفر لقادة الجيش رؤية أكثر تكاملاً عن جيشهم وجيوش العدو أيضاً.
لكن لابد أولاً من البحث عن مخرج لمشكلة الترددات القصيرة الناجمة عن شبكات الجيل الخامس والتي تؤثر على المسيرات والمروحيات المقاتلة وتعطل عمل رادار مقياس الارتفاع الجوهري بالنسبة لتلك الطائرات لتفادي الاصطدام عند الطيران على ارتفاعات منخفضة.