ما هي أسباب تحول بريطانيا لبؤرة فيروس كورونا في أوروبا، رغم امتلاكها نظاماً صحياً يفترض أنه قوي وله شهرة عالمية تجعل الناس تأتي من أنحاء العالم للعلاج به.
احتلت بريطانيا المركز الخامس عالمياً من حيث عدد الإصابات، والثاني أوروبياً بعد روسيا، علماً بأن البلدان الأربعة التي تسبقها في القائمة هي أكبر منها كثيراً من حيث السكان.
وبلغ عدد المصابين بفيروس كورونا في بريطانيا أكثر من 3 ملايين و715 ألف شخص (أي نحو 5.4% من السكان مقابل 7.79% في أمريكا) وكسرت الوفيات حاجز 100 ألف شخص، ما يجعل بريطانيا الأولى أوروبياً من حيث عدد الوفيات والرابعة عالمياً.
ونشرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً يستعرض أسباب تجاوز أعداد الوفيات الناتجة عن الإصابة بفيروس كورونا 100 ألف حالة وفاة في البلاد.
واستعرضت الصحيفة خمسة محاور تسببت في هذا الارتفاع، وهي: الصحة العامة للمواطنين في البلاد، ودور رعاية المسنين، وخطط الحكومة المتعلقة بالإغلاق، والسلالة الجديدة من الفيروس، والامتثال للاختبارات وتتبع الحالات.
أسباب تحول بريطانيا لبؤرة فيروس كورونا
الصحة العامة للمواطنين في بريطانيا
بريطانيا خاضت المعركة ضد جائحة كوفيد-19 بينما كانت الصحة العامة لمواطنيها في حالة سيئة في كثير من الجوانب، حسب تقرير The Guardian.
ففي عام 2018، كانت نسبة السمنة بين البالغين 28%، أي أنها تضاعفت تقريباً على مدى ربع قرن. ووصلت نسبة الوفيات الناتجة عن السمنة ثلاثة أضعاف عن نفس المدة. وقد حددت هيئة الخدمات الصحية البريطانية NHS السمنة ضمن عوامل الضعف عند مواجهة مرض كوفيد.
ودفعت هذه الحقيقة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للإعلان عن خطة واسعة لمعالجة زيادة الوزن في المملكة المتحدة.
كانت أمراض السكر من الاعتلالات المشتركة الأخرى الآخذة في الزيادة. في بداية عام 2020، كان 3.9 مليون شخص في بريطانيا مصابين بالمرض. يضاف إلى هذا أن بريطانيا لديها نسبة معتبرة من المواطنين ذوي الأعمار الكبيرة، وإن كانت أصغر من فرنسا وألمانيا على صعيد أعداد السكان من المواطنين الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً.
ولكن نظراً إلى أن كبار السن الذين تصل أعمارهم إلى 80 عاماً أو أكثر يكونون أكثر عرضة للوفاة بـ 70 ضعفاً من نظرائهم الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً، فإن كبار السن في البلاد واجهوا مخاطر خلال الجائحة، ولم تكن هذه الفئات الأكثر عرضة للتعرض للضرر من الجائحة، يلقون حماية ملائمة.
كوارث حدثت في دور رعاية المسنين
أكثر من 26 ألف شخص في دور رعاية المسنين توفوا بسبب مرض كوفيد-19 في بريطانيا حتى الآن، وتوفي غالبيتهم خلال الموجة الأولى من الجائحة. تعهد وزير الصحة البريطاني مات هانكوك بأن "يحيطهم بالحماية"، ولكن شهر مايو/أيار الماضي شهد وفاة 16 ألف شخص، وفي المقابل توفي أقل من 3000 شخص من المقيمين في دور الرعاية بألمانيا، ولم تكن هناك أي وفيات بينهم في هونغ كونغ.
وكان هناك رأيٌ استشاريٌّ من قطاع دور رعاية المسنين صدر في فبراير/شباط بأن ارتداء الأقنعة ليس ضرورياً، وأن الزيارات مسموحة، إضافة إلى القول بعدم احتمالية انتشار العدوى بين المقيمين في دور رعاية المسنين. ونتيجة لهذا، أُخرج آلاف المرضى من كبار السن من المستشفيات وأُودعوا هذه الدور بسبب مخاوف من إرباك هيئة الخدمات الصحية التي تواجه الجائحة.
وكانت النتيجة أن 33 حالة تفشٍّ لمرض كوفيد-19 في الأسبوع الأول من مارس/آذار الماضي، أصبحت 793 حالة تفشٍّ مع نهاية الشهر. وقد واجه العاملون في دور رعاية المسنين صعوبات كبيرة من أجل الحصول على مستلزمات الوقاية، وكانت أدوات الاختبار شحيحة كذلك. وكثير من دور الرعاية ظلت تلجأ إلى موظفي هيئة الخدمات الصحية، الذين وجدت البحوث أنهم كانوا يحملون العدوى.
خطط الإغلاق الحكومية متأخرة ومترددة
قلّما وُجد انسجام بين أولويات الحكومة المزدوجة المرتبطة بحماية الشعب من مرض كوفيد وحماية الاقتصاد، ما أدى إلى شهور من الشك والريبة نظراً إلى أن القيود رُفعت تارة وشُددت تارة أخرى على نحو متواتر.
بدأت الحكومة الإغلاق الأول متأخراً للغاية، حسبما أوضح البروفيسور جون إدموندز، الخبير لدى المجموعة الاستشارية العلمية للطوارئ (Sage). قال إدموندز في يونيو/حزيران: "كان من الصعب للغاية البدء [مبكراً] لكني أتمنى لو كنا فعلنا، أعتقد أن ذلك كلّف فقدان كثيرين حياتهم لسوء الحظ".
وبعد صيف شهد معدلات عدوى منخفضة، ارتفعت نسب الإصابة بالفيروس مع دخول الخريف في سبتمبر/أيلول، وبدا الوزراء مرة أخرى بطيئين في استجابتهم. في 21 سبتمبر/أيلول، طالبت المجموعة الاستشارية العلمية للطوارئ بإغلاقٍ "لقطع دائرة" العدوى، لكن جونسون اختار تدابير أقل صرامة، بما في ذلك "قاعدة الـ6 أشخاص" التي تحظر تجمع أكثر من 6 أشخاص، وغلق الحانات في الـ10 مساءً.
السلالة الجديدة من الفيروس سبب ونتيجة لسياسات الحكومة
أشار تقرير The Guardian إلى أن الإغلاق في نوفمبر/تشرين الثاني بدا ناجحاً في شمال إنجلترا، لكن معدلات العدوى في مقاطعة كنت جنوب شرقي إنجلترا واصلت الارتفاع. اتضح لاحقاً أن سلالة جديدة من الفيروس -أُطلق عليها لاحقاً "بي 117"- كانت تنشط.
عندما رُفع الإغلاق في 2 ديسمبر/كانون الأول، انتشرت السلالة الجديدة. تحدث تحورات الفيروسات التاجية، التي ينتمي إليها فيروس كورونا المستجد، بسهولة أكبر عندما تكون هناك مستويات مرتفعة من نقل العدوى، ولذا فإن الإخفاق في كبح جماح الفيروس مبكراً ربما شكّل عاملاً آخر.
الفشل في توسيع الاختبارات وتتبع الحالات
لم يكن نظام هيئة الخدمات الصحية البريطانية المتعلق بالاختبارات وتتبع الحالات، الأفضل في العالم مثلما تمنّى الجميع. استنتج مستشارو الحكومة في المجموعة الاستشارية العلمية للطوارئ في سبتمبر/أيلول أنه أحدث "تأثيراً هامشياً على انتشار العدوى"؛ بسبب "المستويات "المنخفضة نسبياً من المشاركة في النظام، مقترنةً بتأجيلات إجراء الاختبارات وكذلك انخفاض معدلات الالتزام بمقترحات العزلة المفروضة ذاتياً".
قدرت دراسة صادرة عن الكلية الإمبريالية للعلوم والتكنولوجيا والطب تأثير وجود نظام اختبار وتتبع جيد، إذ وجدت الدراسة أنه إذا اكتُشفت 80% من الحالات وأُجريت اختبارات فورية بعد الأعراض الأولية، ونُفِّذ حجر صحي للمخالطين خلال 24 ساعة، فإن عدد التكاثر الأساسي يمكن أن يصل إلى 0.26.
لكن دراسة صادرة عن جامعة كينجز كوليدج لندن وإدارة الصحة العامة في إنجلترا بين مارس/آذار وأغسطس/آب، وجدت أن 18% فقط ممن أبلغوا عن شعورهم بأعراض كوفيد-19 الأساسية، عزلوا أنفسهم.
وحذرت المجموعة الاستشارية العلمية للطوارئ من أنه "إذا لم يزدهر النظام بنفس معدل نمو الوباء، وإذا لم يُقدَّم الدعم إلى الشعب لإعانته على الامتثال بالعزلة المفروضة ذاتياً، فمن المرجح أن يشهد المستقبل تراجعاً أكبر في تأثير قواعد الاختبارات والتتبع والعزلة".