بلغت جائحة كورونا في غزة مستوى مقلقاً وسط رد إسرائيلي صادم ، فقد سجَّل القطاع المحاصر 49 ألفاً و834 إصابة بـ"كوفيد-19″ حتى يوم الإثنين، 25 يناير/كانون الثاني، تُوفِي 508 منهم.
وفي حين أنَّ معدل الإصابات يعتبر معتدلاً نسبياً مقارنة بمناطق أخرى حول العالم، يظل "ساحقاً" في غزة، في ظل نقص الإمدادات الطبية في المستشفيات، ونظام الرعاية الصحي الهش بالفعل، وغياب اللقاحات التي بدأ طرحها بالفعل في معظم البلدان، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
جائحة كورونا في غزة تتوحش
وقال الدكتور يوسف العقاد، رئيس مستشفى غزة الأوروبي، لموقع Middle East Eye، "في بداية جائحة كورونا في غزة ، عندما ظهر الفيروس المستجد لأول مرة في غزة، اعتدنا استقبال جميع الحالات في المستشفيات للعلاج والمتابعة. لكننا أدركنا بعد ذلك أنَّ الأعداد تتزايد بسرعة في حين كانت طاقات المستشفى محدودة للغاية".
وأضاف العقاد: "لذلك بدأنا نكتفي باستقبال الحالات الحرجة؛ مثل أصحاب الأمراض المزمنة، أو الأزمات التنفسية الحادة".
وأشار العقاد: "نحن نكافح لتجنب الوصول إلى نقطة ينهار فيها نظام الرعاية الصحية. لكن كلما أسرعنا في الحصول على اللقاح، كان من الأسهل علينا التعامل مع الأعداد المتزايدة من العدوى".
وبحسب العقاد، فإنَّ "الجهات الدولية أبلغت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة بأنَّ اللقاح سيكون متاحاً في غزة خلال الربع الأول من عام 2021".
الفصل العنصري في توزيع اللقاح
بينما تكافح وزارة الصحة في غزة للحصول على اللقاح بمساعدة منظمة الصحة العالمية والهيئات الدولية الأخرى، تعتقد جماعات حقوق الإنسان أنَّ إسرائيل هي المسؤولة عن توفير اللقاح للجيب المحاصر.
ورفضت إسرائيل طلباً غير رسمي من منظمة الصحة العالمية، بتوفير كمية من لقاحات فيروس كورونا للعاملين الصحيين الفلسطينيين، في محاولة لتجنب كارثة صحية خلال مدة انتظارهم اللقاح، والتي يمكن أن تستمر لشهور.
من جانبها، قالت هيومن رايتس ووتش: "في الوقت الذي انتهت فيه إسرائيل بالفعل من تلقيح أكثر من 20% من مواطنيها، بمن فيهم المستوطنون اليهود في الضفة الغربية، لم تلتزم بتطعيم الفلسطينيين الذين يعيشون في نفس الأراضي المحتلة الواقعة تحت حكمها العسكري".
وجادلت المنظمة التي تراقب حقوق الإنسان بأنَّ القانون الدولي الإنساني يُلزِم إسرائيل بصفتها قوة مُحتلَّة بتأمين الإمدادات الطبية، بما في ذلك مكافحة انتشار الأوبئة في قطاع غزة والضفة الغربية.
وقالت منظمة العفو الدولية إن إسرائيل تخرق البند الرابع من معاهدة جنيف، عبر "ممارسة تفرقة منهجية وتمييز في المعاملة بعدم توفير اللقاحات للجميع بشكل عادل، بمن فيهم الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال".
وتتصدر إسرائيل دول العالم في نسبة توفير اللقاح لمواطنيها، بعدما أبرمت صفقة مع شركة فايزر، جعلتها تحصل على مخزون كبير من جرعات كورونا، في الوقت الذي ما زالت فيه دول أكثر ثراء تعاني في الحصول على إمدادات اللقاح مقابل تزويد الشركة ببيانات سريعة لمتلقي اللقاح كافة.
وبحسب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن الاتفاق سيجعل إسرائيل "أول دولة في العالم تخرج من أزمة فيروس كورونا".
بيد أنَّ السلطات الإسرائيلية تزعم أنَّ "الفلسطينيين هم المسؤولون عن رعايتهم الصحية، بموجب اتفاقات أوسلو".
ويقول خبراء في مجال حقوق الإنسان بالأمم المتحدة إنه في ظرف استثنائي كهذا فإن للقانون الدولي أولوية على اتفاقيات أوسلو، حسبما ورد في تقرير لموقع "بي بي سي" البريطاني.
وسبب وضع جائحة كورونا في غزة والضفة، وتوالت انتقادات النشطاء في فلسطين ودولياً لموقف إسرائيل على تويتر تحت هاشتاغ IsraeliVaccinationApartheid "أبارتهايد حملة التطعيم الإسرائيلية".
وغرَّدت سما: "بينما تحتفل إسرائيل بحملة تطعيم قياسية، فإنَّ ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية لن يتلقوا أي لقاح. وبالنسبة لإسرائيل، حياة الفلسطينيين غير مهمة".
بدوره، قال خالد زين، من سكان غزة، لموقع Middle East Eye: "من المؤلم معرفة أنك مواطن من الدرجة الثانية. نأتي بعد محتلينا مباشرة. في حين أنه من المفترض إعطاؤنا الأولوية، نظراً للظروف الإنسانية القاسية التي نعيش بها ونظام الرعاية الصحية المنهار، نحن لسنا حتى على خريطة التطعيم".
وأضاف زين: "بصراحة، لم أكن أتوقع حتى أنَّ اللقاح سيكون متاحاً في غزة قبل العام المقبل، بعد انتهاء الوباء. لقد اعتدنا على الحصول على الأشياء بعد فترة طويلة من حصول العالم عليها، نحن [في غزة] وكأننا في كوكب آخر هنا".
وقبل اندلاع الوباء، كانت مستشفيات غزة تعاني من نقص حاد في الإمدادات، بما في ذلك الأدوية والمعدات الطبية.
وكانت إسرائيل قد تعرضت لانتقادات حادة بسبب رفضها إعطاء اللقاح للأسرى الفلسطينيين المعتقلين لديها ثم تراجعت عن ذلك، ولكن موقفها لم يتغير بالنسبة لبقية الشعب الفلسطيني رغم تفاقم جائحة كورونا في غزة والضفة.
"لسنا ملزمين قانوناً"
يقول زين، البالغ من العمر 34 عاماً، إنه غير متفائل بأنَّ اللقاح سيكون متاحاً قريباً، بينما والدته المسنة التي أصيبت بالفيروس "مهددة بالموت في أية لحظة".
وأضاف: "أمي تبلغ من العمر 70 عاماً، وتعاني من مشكلات في القلب. لذا حتى قبل إصابتها بفيروس كورونا المستجد، كنا قلقين من أنه إذا أصيبت بنوبة قلبية أو احتاجت إلى جراحة عاجلة، فلن تتمكن المستشفيات من توفير الرعاية المناسبة".
وتابع: "والآن بعد اكتظاظ المستشفيات بالأعداد المتزايدة من إصابات فيروس كورونا المستجد، وفي ظل عدم توفر اللقاح- ومن يعرف حتى متى سيدخل إلى غزة- لست متفائلاً بأنَّ والدتي ستحصل على فرصة للتلقيح. فالمزيد من الناس يموتون، وأمي في حالة حرجة بالفعل".
على الجانب الآخر، قال وزير الصحة الإسرائيلي يولي إدلشتاين في مقابلة مع شبكة BBC يوم الأحد 24 يناير/كانون الثاني، إنَّ "التزام إسرائيل [هو] أولاً وقبل كل شيء تجاه مواطنيها".
وأضاف الوزير: "لسنا ملزمين قانوناً، لكن من مصلحتنا التأكد من حصول الفلسطينيين على اللقاح، وعدم انتشار كوفيد-19".
ومع ذلك، بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، يتعين على إسرائيل، بوصفها قوة احتلال، تزويد السكان الفلسطينيين، بمن فيهم سكان الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، بالإجراءات اللازمة للحد من انتشار الفيروس.
وتنص المادة 56 على أنه يجب على المحتل اتخاذ "الإجراءات الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة".
لكن إدلشتاين جادل بأنه "أولاً وقبل كل شيء يمكننا أيضاً النظر فيما يسمى باتفاقيات أوسلو، التي تقول بصوت عالٍ وواضح إنَّ على الفلسطينيين تولي مسؤولية رعايتهم الصحية".
لكن يقول زين: "إذا كانت مسؤولية حكومتنا هي تزويدنا باللقاح، فيجب أن يُسمَح لها بتولي مسؤولية رعايتنا الصحية في جميع الأوقات، وليس في أثناء الوباء فحسب".
وأوضح: "نحن ملزمون دائماً بالحصول على إذن من إسرائيل للسفر لتلقي العلاج الطبي أو لإدخال الإمدادات الطبية إلى القطاع. لماذا الآن فقط علينا أن نكون مسؤولين عن صحتنا؟".
كما أن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة مسؤول عن تدور الأوضاع عامة في القطاع وبالأخص القطاع الصحي الذي يكافح كورونا والحصار معاً.