قبل نحو شهر، أعلنت قوات الأمن العراقية "نجاحها بمنع هجمات إرهابية بالعاصمة بغداد، عبر اعتقال عناصر من "داعش" خططوا لتنفيذها بأحزمة ناسفة"، لكنَّ تفجيرَي بغداد اللذين وقعا، الخميس 21 يناير/كانون الثاني 2021، وتبنى تنظيم داعش المسؤولية عنهما، أعادا للأذهان رعب "الأيام الدامية" في العراق، جراء هجمات انتحارية، خلال السنوات الماضية.
وكانت آخر الهجمات، التي شهدتها بغداد وتبنّى تنظيم "داعش" مسؤولية تنفيذها، وقعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، باستخدام سيارة مفخخة وعبوات ناسفة خلَّفت 10 قتلى وعشرات الجرحى.
"داعش لا يزال يشكل تهديداً على الأمن العراقي"
وخلال عام 2020، أعلنت سلطات الأمن اعتقال وإحباط هجمات انتحارية لمسلحي تنظيم "داعش" كانت تستهدف مواقع أمنية وتجمعات مدنية وأسواقاً شعبية في العاصمة.
وأعلن قادة الأمن أن العاصمة باتت مستقرة أمنياً بفعل العمليات الاستباقية وتفعيل الجهد الاستخباري، لكن عناصر التنظيم خلال تلك الفترة صعَّدوا من هجماتهم في محافظات ديالى (شرق) وصلاح الدين ونينوى وكركوك (شمال)، والأنبار (غرب).
وأمام تأكيدات القادة الأمنيين بتحسن أوضاع بغداد، كانت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تحذّر من أن تنظيم "داعش" لا يزال يشكل تهديداً على الأمن العراقي.
وكانت معلومات استخباراتية قد تحدثت، الشهر الماضي، عن أن مسلحين من تنظيمات "داعش" و"رجال الطريقة النقشبندية"، المكون من ضباط أمن وجيش واستخبارات سابقين -قاوموا الاحتلال الأمريكي للعراق ثم تحالفوا مع داعش ضد القوات العراقية حتى الآن- يحاولون "إحداث عملية زعزعة للأمن بشمال بغداد في ذكرى إعدام صدام حسين".
احتمالات بعودة الإجراءات الأمنية المشدد للعاصمة العراقية
وفي الأشهر الماضية، شهدت بغداد تقليص الحواجز الأمنية وإعادة فتح المناطق المغلقة لسنوات بسبب الهجمات الانتحارية، إثر تحسن الوضع الأمني، لكن تجدد الهجمات قد يعيد فرض الإجراءات السابقة مجدداً.
وقد تؤثر الهجمات الانتحارية على خطة الحكومة لإخراج الجيش من المدن وتسلّم الشرطة مسؤوليات حفظ الأمن، إذ وضعت الداخلية خطة تطبق خلال 2021 تقضي بتسلّم الملف الأمني من الجيش في محافظات بابل (جنوب)، وواسط (جنوب)، وديالى، والديوانية (جنوب)، والمثنى (جنوب).
والخميس، فجر انتحاريان نفسيهما بالسوق الشعبي "ساحة الطيران" في بغداد، ما أسفر عن مقتل 32 شخصاً وجرح 110 آخرين، وفق حصيلة غير نهائية؛ حيث وقع التفجير في سوق البالة في ساحة الطيران ببغداد، التي غالباً ما تعج بالمارة، والتي شهدت قبل ثلاث سنوات تفجيراً انتحارياً أوقع 31 قتيلاً.
"ضعف الجهد الأمني والاستخباري أدى لوقوع هذه الهجمات"
من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، طه الدفاعي، لوكالة الأناضول، إن ضعف الجهد الأمني والاستخباري يعتبر السبب الرئيسي وراء الهجمات الانتحارية الجديدة في بغداد.
وأضاف الدفاعي أن "ما حدث في بغداد سببه ضعف الجهد الأمني والاستخباري لوزارة الداخلية من خلال الفشل في ملاحقة الإرهابيين، خصوصاً في أطراف المدينة"، مردفاً أن "قوات الأمن رغم تمكنها من اعتقال عدد من عناصر داعش، لكنهم للأسف لم يصلوا عبر الجهد الاستخباري الذي كان ضعيفاً لجميع خلايا التنظيم في أطراف العاصمة".
وختم الدفاعي تصريحه بالقول: "نعتقد أن تنظيم داعش لا يزال يشكل تهديداً على الأمن، خصوصاً في المناطق التي كان يسيطر عليها شمالي وغربي البلاد".
بدوره، ذكر عضو اللجنة، النائب كاظم الصيادي، أن الصراعات السياسية تؤثر بشكل كبير على مجريات الوضع الأمني في العراق، وقال: "الصراعات السياسية الحالية بسبب قضية الانتخابات المبكرة، حيث البعض يطلب التأجيل والبعض يريد الإسراع بإجرائها، كلها تخلق فوضى تلقي بظلالها على الوضع الأمني واستغلالها من قِبل مسلحي داعش لشن الهجمات".
وستنظم الانتخابات المبكرة بالعراق، في 10 أكتوبر /تشرين الأول المقبل، بعدما تقرر تأجيلها، حيث يعتبر إجراؤها مطلب احتجاجات شعبية تشهدها البلاد منذ أواخر 2019.
وأيدت غالبية الكتل السياسية قرار تأجيل الانتخابات، التي كانت مقررة في 6 يونيو/حزيران المقبل، لفسح المجال أمام مفوضية الانتخابات للانتهاء من استعداداتها اللوجستية الخاصة بالانتخابات.
هل تعود الهجمات الانتحارية لبغداد مجدداً؟
يرى العميد المتقاعد، راضي محسن، أنه من المتوقع عودة الهجمات الانتحارية إلى بغداد، بسبب عدم حسم الوضع الأمني بشكل جيد في مناطق شمالي وغربي العاصمة.
وأوضح محسن، للأناضول، أن "قوات الأمن شنت عمليات بتلك المناطق، لكن حتى الآن هناك مناطق وعرة وزراعية لم تصلها قوات الأمن شمالي بغداد، وهي مأوى مناسب لإعادة عناصر تنظيم داعش ترتيب صفوفهم"، مضيفاً أن "قوات الأمن -للأسف- لم تستغل فرصة ذهبية عام 2020، حيث كان بإمكانها تمشيط تلك المناطق وفرض سيطرتها الكاملة عليها، قبل أن تبدأ خلايا تنظيم داعش بمهاجمة أهدافها".
ويفسر محسن عبارة "الفرصة الذهبية" بأن قوات الأمن العراقية لم تستغل استقرار الأوضاع الأمنية بمناطق شمالي بغداد آنذاك، لإجراء عمليات دهم وتمشيط عن خلايا داعش.
و"الأيام الدامية" هو مصطلح أطلقته السلطات العراقية على التفجيرات العنيفة التي شهدتها بغداد ومدن عراقية منذ 2009 ولغاية 2019 وخلفت مئات القتلى والجرحى، أبرزها تفجيرات "الأحد الدامي" و"الأربعاء الدامي".
وفي 3 يوليو/تموز 2013، فجَّر انتحاري شاحنته المفخخة في حي الكرادة وسط بغداد، وهو ما خلَّف أكثر من 250 قتيلاً ونحو 500 جريح. فيما تعرضت بغداد، الأربعاء 19 أغسطس/آب 2009، لسلسلة هجمات انتحارية استهدفت مبنى وزارة الخارجية والمناطق القريبة منها، ما خلف 74 قتيلاً وأكثر من 200 جريح.