مع ترسخ المصالحة الخليجية التي أبرمت في قمة العلا التي عُقدت بالسعودية في 5 يناير/كانون الثاني 2021 تتزايد احتمالات محاولة تسوية مزيد من أزمات المنطقة عبر الوساطة القطرية في ظل احتفاظ الدوحة بعلاقات مع العديد من الأطراف الرئيسية في المنطقة.
وأدت المصالحة الخليجية إلى تحسن لافت في العلاقات القطرية السعودية بشكل خاص وتخفيف التوترات مع مصر والإمارات، في وقت لدى قطر تحالف مع تركيا وعلاقات مع إيران، كما أن الدوحة لديها خبرة في عمليات الوساطة بدءاً من لبنان عبر اتفاق الدوحة الشهير الذي أبرم عام 2008 وحقق الاستقرار لهذا البلد العربي لفترة مروراً بالدور القطري في أزمة دارفور، وصولاً إلى اتفاق السلام بين أمريكا وحركة طالبان وغيرها من الأزمات.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، لتلفزيون بلومبيرغ الأمريكي، إن قطر حثَّت دول الخليج العربية على الدخول في حوار مع إيران، وإن هذا هو الوقت المناسب للدوحة للتوسط في مفاوضات، وفق ما ذكره موقع وكالة "بلومبيرغ"، الثلاثاء 19 يناير/كانون الثاني 2021.
وتسعى الدوحة إلى أن تكون وسيطاً بين طهران وباقي الدول الخليجية، خاصة الإمارات والسعودية، لتجنب تصعيد الأمور في المنطقة، وذلك بعد أيام من التوقيع على اتفاق المصالحة الخليجية بين قطر ودول الخليج الأخرى، عقب سنوات من المقاطعة.
ولدى قطر علاقات مع إيران، رغم اختلاف المواقف السياسية بين البلدين سواء بالنسبة للخليج أو الوضع في سوريا واليمن.
ولكن تتشارك الدولتان أكبر حقل غاز طبيعي في العالم. وخصومهما يُدركون ذلك. إذ إن أبوظبي مثلاً جدّدت امتياز حقل البندق النفطي المشترك مع قطر في عام 2018 رغم الحصار. وما تزال دبي تُؤدّي دور الرئة الإضافية لإيران رغم الحصار الاقتصادي على طهران.
وتمكنت قطر من تعميق علاقاتها مع تركيا وإيران خلال الحصار، حيث وفّر كلا البلدين الإمدادات الحيوية وخطوط النقل للدوحة دون إضعاف علاقاتها مع الولايات المتحدة أو القوى العالمية الكبرى.
أمريكا تريد الدور القطري
ورأت وكالة Bloomberg الأمريكية أن قطر قد تكون قادرةً الآن على تقديم نفسها لإدارة جو بايدن القادمة باعتبارها أفضل وسيط للدبلوماسية مع طهران، خاصة بعد أن توفي كل من كبار رجال الدولة العرب الذين لعبوا هذا الدور تقليدياً، (وهما سلطان عمان قابوس بن سعيد والشيخ الكويتي صباح الأحمد الجابر الصباح، في العام الماضي)، وقد تتمكن من لعب الدور ذاته في عملية محاولة ترميم العلاقات التركية الأمريكية.
وفي هذا السياق تشهد المنطقة سلسلة غير مسبوقة من التصريحات والاجتماعات في الفترة السابقة على تنصيب بايدن، وهو ما يشكل نهاية لحقبة من العداء المضطرم في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والتي أسهمت في تأجيجها انعزاليةُ الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، كما استغلتها القوى الأخرى-لا سيما روسيا- للعمل على إسقاط الهيمنة الأمريكية العالمية.
وإن كان ثمة صراعات مشتعلة بالفعل في المنطقة عندما تولى ترامب منصبه، فإن إعراض الإدارة الأمريكية وعدم اهتمامها في عهده فتحَ الطريق أمام تكثيف هذه الصراعات.
ويعتقد أن قادة المنطقة يميلون على أقل تقدير، إلى التخفيف من حدة عدائهم المتبادل والانتظار لرؤية النهج الذي سيتبعه النظام الجديد للتعامل مع مخاوفهم وطموحاتهم.
وتعتبر المصالحة الخليجية التي تمت في قمة العلا بالسعودية يوم 5 يناير/كانون الثاني الجاري معلنة نهاية حصار الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) لقطر من أبرز التداعيات الأولية لفوز بايدن بالرئاسة، بحسب محللين ومسؤولين مطلعين على كواليس المصالحة.
ونقلت الوكالة الأمريكية في السياق نفسه، عن مسؤول، اعتبر مستشاراً للسعودية والإمارات أن المصالحة الخليجية تعتبر "هدية لبايدن"، وأضاف أن الأمير محمد بن سلمان "يشعر كأنه في مرمى النيران" بعد فوز بايدن الانتخابي، وكان يريد صفقة مع قطر "للإشارة إلى استعداده لاتخاذ إجراء".
مستعدة لتسهيل المناقشات بين واشنطن وطهران
تأتي تصريحات وزير الخارجية القطري قبل أيام من انتقال جو بايدن إلى البيت الأبيض، مع وعد بإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والقوى العالمية، والتراجع عن حملة "الضغط الأقصى" التي حظيت بدعم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
إذ عُين بالفعل سلسلة من الدبلوماسيين الذين ساعدوا في صياغة الاتفاقية الأصلية للمناصب السياسية العليا.
في تعليق منفصل عن احتمال إجراء محادثات بين الولايات المتحدة وإيران، قال المسؤول القطري إن بلاده ستُسهل المناقشات إذا طُلب منها ذلك، وستدعم من يتم اختياره لتلك المهمة.
كما أكد وزير الخارجية القطري أن بلاده تريد تحقيق الإنجاز، وترغب في التوصل إلى اتفاق بين الجانبين.
بينما أشارت وكالة "بلومبيرغ" إلى أن أحد أكبر مصدّري الغاز في العالم في وضع يسمح له بلعب دور الوسيط، حيث أدى التغيير في البيت الأبيض إلى إعادة تنظيمات إقليمية أوسع والتحول بعيداً عن المواجهة.
السعودية تقدم إشارات إلى رغبتها في التهدئة مع إيران
ولفت وزير الخارجية القطري في المقابلة التي أُجريت معه إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي لديها أيضاً الرغبة نفسها (في إشارة إلى دعوته لتخفيف التوتر مع إيران واستعداد الدوحة للوساطة).
تجدر الإشارة إلى أن السعودية أدانت اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2020 مما يؤشر إلى رغبة السعودية في التهدئة مع إيران، خاصة أن موقف المملكة كان مختلفاً عند اغتيال الأمريكيين لقاسم سليماني، وهو عمل أكثر تأثيراً على إيران.
فآنذاك لم تدن السعودية عملية اغتيال سليماني، وقالت: "إن الحادثة جاءت نتيجة لتصاعد التوتر والأعمال الإرهابية التي نددت بها المملكة العربية السعودية، وحذَّرت في الماضي من تداعياتها"، بحسب بيان للخارجية السعودية.
اللافت أن التصريح السعودي الذي انتقد اغتيال العالِم النووي الإيراني، جاء بعد وقت قليل من تصريح مشابه لدولة الإمارات.
يمكن تفهُّم موقف الإمارات التي تحتفظ دوماً بشعرة معاوية مع إيران، واتصالات علنية وسرية، إضافة إلى علاقات اقتصادية، ولكن موقف الرياض كان أكثر تصلباً تجاه طهران؛ ومن ثم تُظهر نبرة خطاب إدانة مقتل زادة التصالحية رغبة سعودية في التهدئة مع إيران.
الوساطة القطرية بين السعودية وتركيا
في الأغلب لن تقتصر جهود الوساطة القطرية على ملف العلاقة بين إيران والسعودية.
فمؤخراً، أعرب مطلق القحطاني، المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات، عن استعداد بلاده للوساطة بين تركيا والسعودية.
وقال مبعوث وزير الخارجية القطري للوساطة في تسوية المنازعات إن مصلحة الجميع في وجود علاقات ودية بين دول رئيسية، مثل السعودية وتركيا وإيران، وإن الدوحة لعبت دوراً دبلوماسياً في تهدئة التوترات بين أنقرة وواشنطن.
جاء ذلك خلال ندوة بعنوان "سياسة وتجربة دولة قطر في الوساطة وحل النزاعات"، نظمها معهد الدوحة للدراسات العليا (غير حكومي).
ورداً على سؤال بشأن استعداد قطر للوساطة وتهدئة التوترات بين تركيا والسعودية وبين السعودية وإيران، أجاب القحطاني: "هذا يرجع إلى مبدأ الموافقة كمبدأ أساسي في العلاقات الدولية".
وأضاف: "إذا رأت هاتان الدولتان أن يكون لدولة قطر دور في هذه الوساطة، ففي الإمكان القيام بهذا".
وتابع: "من مصلحة الجميع أن يكون هناك علاقات ودية بين هذه الدول، خاصة بين دول أساسية ورئيسية، مثل المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران".
وبين أنقرة والرياض ملفات خلافية، أبرزها اغتيال الكاتب السعودي، جمال خاشقجي، داخل السفارة السعودية بإسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وهي جريمة هزت الرأي العام الدولي، مع اتهامات تنفيها الرياض بأن ولي العهد محمد بن سلمان، هو من أصدر أمر اغتياله.
إضافة للعلاقات التركية السعودية، حدث تطور لافت عقب المصالحة الخليجية، إذ أعلن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، أن بلاده تريد "علاقات طبيعية مع تركيا"، متحدثاً عن "مؤشرات مشجعة" لتحقيق ذلك.
تركيا والولايات المتحدة
وتشهد المنطقة تفاؤلاً مع قدوم إدارة ترامب بإمكانية تحقيق مصالحات أخرى، إضافة إلى المصالحة الخليجية، إذ تسعى تركيا أيضاً للتوصل إلى تسوية مع فرنسا واليونان وإسرائيل ومصر والإمارات والسعودية بعد سنوات من التوترات، كما تضغط مصر والأردن وفرنسا وألمانيا من أجل محادثات سلام جديدة بين إسرائيل والفلسطينيين، حسبما قال الصحفي والكاتب سيث فرانتزمان، المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط لإعداد التقارير والتحليلات في مقال له نشر بموقع وكالة Bloomberg الأمريكية.
وفي هذا الإطار قال مبعوث وزير الخارجية القطري للوساطة في تسوية المنازعات، إن "قطر لعبت دوراً دبلوماسياً كبيراً بين الولايات المتحدة وتركيا لتهدئة التوترات التي حصلت بين أنقرة وواشنطن".
وسبق أن قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، لقناة "سي إن إن تورك" ، إن أنقرة على تواصل مع طاقم الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، وهو يرغب بتطوير العلاقات مع تركيا وفتح صفحة جديدة.
وأوضح قالن أنه توجد 3 مسائل تشكل نقاط الخلاف بين البلدين، هي: "الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لمنظمة ب ي د/ي ب ك التي تصنفها أنقرة بأنها (إرهابية)، والثانية عدم اتخاذ أي خطوات جدية حيال منظمة فتح الله كولن التي- تتهمها أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة صيف عام 2016- ونشاطها في الأراضي الأمريكية، والثالثة هي العقوبات المتعلقة بطائرات إف-35".
كوريا وإيران
تظهر الوساطة القطرية بشكل واضح في الأزمة المستجدة بين كوريا وإيران.
من جانب آخر قال وزير الخارجية القطري إن حكومته تدعم المناقشات الجارية بين إيران وكوريا الجنوبية للإفراج عن ناقلة نفط احتجزها الحرس الثوري الإيراني مطلع هذا الشهر.
آل ثاني أوضح أيضاً أن حكومته عرضت القيام بذلك، وهي تدعم بالفعل المناقشات الجارية بين إيران وكوريا الجنوبية لتأمين الإفراج عن ناقلة النفط التي استولى عليها الحرس الثوري الإيراني في وقت مبكر من هذا الشهر.
كما قال "إن قطر ستُسهل المفاوضات إذا طلبها أصحاب المصلحة، وستدعم من يتم اختياره للقيام بذلك".
وكانت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية قد أعلنت الخميس الماضي، أنها طلبت من قطر تقديم الدعم لحل قضية احتجاز إيران ناقلة النفط الكورية.
وقالت الوزارة إن نائب وزيرة الخارجية تشوي جونغ-غون زار قطر في 13 يناير/كانون الثاني للمطالبة بتقديم أقصى قدر من الدعم لحل قضية احتجاز ناقلة النفط الكورية وطاقمها من قبل إيران.
وذكرت الوزارة أن تشوي اجتمع مع كبار المسؤولين القطريين، بمن فيهم نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، ووزير الدولة للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي، واتفق معهم على مواصلة التعاون الوثيق في مجالات البناء والطاقة والصحة، وكذلك التعاون في الساحة الدولية.
ولدى كوريا الجنوبية علاقات وثيقة مع قطر خاصة في مجال استغلال الغاز وبناء ناقلات للغاز الطبيعي المسال، وأعمال نقل الغاز الطبيعي المسال.