بعد أعوام حافلة بالإنجازات تستعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لترك منصبها في الحزب الحاكم، ومن ثم سيتغير منصب المستشار الحاكم لبرلين والحكومات الفيدرالية أيضاً، لكن ثمة أمراً يثير القلق على مستقبل البلاد وهو من سيخلف ميركل في المنصب الذي تشغله منذ عام 2005 في ظل تصاعد الأحزاب اليمينية في نفس الوقت ضعف الشخصيات التي ستحل محل المستشارة الألمانية بعد كل هذا العطاء؟
والإثنين المقبل 18 يناير/كانون الثاني 2021 سيتم التصويت لاختيار رئيس جديد لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وهو بمثابة بداية لعام انتخابات ألمانية مزدحمة.
وقبل الإدلاء بالأصوات لـ6 حكومات ولايات ولحكومة اتحادية جديدة في برلين، سيجتمع 1001 مندوب من الاتحاد الديمقراطي المسيحي عبر الإنترنت، مطلع الأسبوع المقبل، لاختيار واحد من بين ثلاثة متنافسين لتولِّي زمام حزبهم، بينما تنهي المستشارة أنجيلا ميركل عامها الأخير في المنصب.
لن تمثِّل النتيجة متغيِّراً كبيراً لقواعد اللعبة في الانتخابات العامة، لأن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، باعتباره آخر حزب حقيقي شامل في النظام السياسي، يبدو أنه في وضعٍ جيِّدٍ للفوز. لكن التصويت لا يزال مهماً بالنسبة لمستقبل التيار المحافظ في البلاد، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
المرشحون لخلافة ميركل
ويتنافس على منصب رئاسة الحزب كل من أرمين لاشيت، وفريدريك ميرز، ونوربرت روتجن- وجميعهم رجالٌ فوق سنِّ الخمسين وينحدرون من شمال الراين-ويستفاليا. أما أنغريت كرامب كارينباور، التي توصف بأنها خليفة ميركل المُختارة بعناية، فقد أدَّى أداؤها الضعيف في انتخابات البرلمان الأوروبي 2018 وانتخابات الولايات الألمانية، بجانب أخطائها المُحرِجة (على سبيل المثال، اتُّهِمَت بالدعوة إلى الرقابة على الإنترنت بعد أن أدَّى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أداءً ضعيفاً في انتخابات الاتحاد الأوروبي 2019)، إلى توليد العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت كرامب كارينباور، التي تشغل منصب وزيرة الدفاع، لديها ما يلزم لقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، ناهيك عن أن تكون مستشارة ألمانيا.
في الوقت نفسه، كانت ميركل تفقد بريقها أيضاً بسبب صعود حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرِّف على مدار السنوات العديدة الماضية. لم تكن ميركل قادرةً قط على الهروب من ظلِّ سياساتها لعام 2015 للسماح لأكثر من مليون لاجئ ومهاجر بدخول ألمانيا على أسسٍ إنسانية.
وساد شعورٌ عام بإرهاق ميركل بالنسبة لكونها سيدةً رائدة من ألمانيا الشرقية تسلَّمَت منصبها منذ عام 2005، وهي الآن ثاني أطول شخص يتولَّى هذا المنصب منذ هيلموت كول. لكن إدارتها للأزمات التي طال أمدها، تلك الإدارة التي حظيت بالثناء، ومحاولاتها الجديدة للتواصل العاطفي مع الجمهور في بداية جائحة كوفيد-19، منحتها فرصةً ثانية للحياة. ومع رضا 72% من الألمان حالياً عن عملها، بناءً على استطلاعات الرأي، تبدو ميركل آمنةً للتقاعد بإرثٍ إيجابي سليم، فيما يتقدَّم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الاستطلاعات.
وبحسب المجلة الأمريكية نجحت ميركل بلا شك في الفوز بالانتخابات من الوسط، لكنها تركت حزب الاتحاد مفتوحاً أمام الانتقادات بأنه فقد مؤهلاته المحافِظة. فخلال فترة وجودها في المنصب، علَّقَت التجنيد العسكري، وسرَّعت الجدول الزمني للقضاء على الطاقة النووية، وسمحت للتصويت لإضفاء الشرعية على زواج المثليين. وهي تدعم موقفها تجاه الهجرة في عام 2015، وفي ضوء جائحة فيروس كورونا المُستجَد، فتحت الباب أمام الديون المضمونة في الاتحاد الأوروبي- وهو أمرٌ يُعَدُّ لعنةً على مناصري التقشُّف في ألمانيا.
تغيير قواعد اللعبة
وبعيداً عن السياسة، فإن عادة ميركل في تشكيل تحالفاتٍ مع الديمقراطيين الاشتراكيين من يسار الوسط- كما حدث في ثلاث فتراتٍ من ولاياتها الأربع- قلبت المشهد السياسي الألماني رأساً على عقب. أتاح اندماج السلطة في وسط الطيف السياسي مجالاً لازدهار حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرِّف، وولَّدَ انقساماتٍ في اليسار. ونظراً للانقسامات الحزبية، تغيَّرَت قواعد اللعبة في عهد ميركل، وأصبح تشكيل الائتلافات الحاكمة بعد الانتخابات أمراً صعباً الآن ويتطلَّب أحياناً ثلاثة أحزاب من أجل بناء حكومة مستقرة.
أين يذهب المحافظون انطلاقاً من هذه النقطة؟
إذا سألت ثلاثة من أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في سباق الرئاسة، فستحصل على ثلاث إجابات مختلفة. بعد أن غادر السياسة منذ أكثر من عقدٍ من الزمان، وضع ميرز نفسه باعتباره المحافظ الحقيقي في السباق، والترياق المضاد لحزب البديل من أجل ألمانيا. ورغم أنه ليس لديه خبرة تنفيذية، يتمتَّع ميرز بداعمين للأعمال الصغيرة لحزب الاتحاد الديمقراطي، بالإضافة إلى الشباب المحافظين. لكن خارج قاعدة الحزب، يبدو أنه يلخص الأيام الماضية للحزب حين كان يحكم مع الحزب الديمقراطي الحر في مقاطعة بون. لم يتمكَّن الحزب الديمقراطي الحر من لعب دور صانع الملوك لأكثر من عقد، ولم يتمكَّن من حشد نسبة 5% لدخول البوندستاغ في عام 2013.
أما لاشيت، رئيس ولاية شمال الراين-ويستفالين، فيُنظَر إليه باعتباره استمراراً مباشراً للميركلية، لكن شعبيته لم تتبع مسار المستشارة خلال الجائحة. وفي الوقت نفسه، فإن روتجن هو شبه دخيل، وإن كان يتمتَّع بخبرةٍ حكوميةٍ واسعة. تم التخلي عنه فجأةً كوزيرٍ للبيئة في عام 2012 بعد الخلاف مع ميركل. لكنه عاد الآن ويشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البوندستاغ. وتبدو معرفته بالشؤون الدولية والبيئة، فضلاً عن دفعه لكي يكون الحزب أشمل وأوسع، جذَّابةً للجمهور العام وحزب الخضر، وهو الشريك المُحتَمَل لحزب الاتحاد الديمقراطي. لكن هذه الصفات لا تجعله بالضرورة محبوباً لدى المندوبين، الذين يهتمون بأمور السياسة مقابل البراعة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.