“ساقطون من حسابات الجميع”.. لماذا تتجاهل الحكومات إعطاء السجناء والمعتقلين لقاحات كورونا رغم خطورة إصابتهم؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/15 الساعة 14:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/16 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش
السجناء والمعتقلون في مصر، أرشيفية/ رويترز

على الرغم من أن السجناء في مختلف دول العالم يتعرضون بدرجةٍ أشد حدةً لخطر الإصابة بفيروس كورونا ونقله، بالنظر إلى التحديات المتعلقة بالتباعد الاجتماعي والتفاوتات الصحية المعقدة بين النزلاء، لم يدفع ذلك كثيراً من الدول والحكومات إلى إعطاء الأولوية لتطعيم النزلاء بلقاحات كورونا، ولم تثر الحكومات حول العالم أي نقاشات بشأن هذه القضية من الأصل، في حين لا توجد أي معلومات تُذكر حول سجون دول الشرق الأوسط.

خبراء: السجناء يجب أن تكون لهم أولوية قصوى في أخذ لقاحات كورونا

وفي جميع أنحاء العالم، أبانت السجون عن كونها بؤراً لانتشار الأوبئة. وعكس الاستراتيجيات المتبعة بين الدول، سعت العديد من الحكومات إلى إعطاء أولوية التطعيم لأولئك الأكثر عرضة للإصابة بعدوى الفيروس ونقلها. ويقول خبراء الصحة العامة لصحيفة The Washington Post الأمريكية، إن هذه فئة يجب أن تشمل السجناء.

ويذهب خبراء الصحة العامة إلى أن الحد الأدنى من الأمر هو تطعيم السجناء جنباً إلى جنب مع فئاتهم العمرية في الخارج، غير أن الواقع أنه بسبب أوضاعهم المعيشية السيئة وارتفاع معدلات الإصابة بالمضاعفات والأمراض المصاحبة، غالباً ما يكون السجناء معرَّضين لمخاطر أعلى من غيرهم على نحو خاص.

وفي تصريحات لدورية "لانسيت" Lancet الطبية المرموقة، الشهر الماضي، قال الدكتور سينا فاضل، أستاذ الطب النفسي بجامعة أكسفورد، إن "أبحاثنا تشير إلى أن السجناء يجب أن يكونوا من بين المجموعات الأولى التي تتلقى أي لقاح متوافر لفيروس كورونا؛ لحمايتهم من انتقال العدوى بينهم ومنع انتشار المرض انتشاراً أكبر".

كان فاضل جزءاً من فريق الباحثين الذين أجروا تقييماً منهجياً لأوضاع السجون وانتقال الأمراض المعدية فيها، وخلصوا إلى أن هذه البيئات تنطوى على عدة طبقات من المخاطر.

ويقول فاضل، إنه في ما يتعلق بالوضع الحالي في عديد من البلدان، فإن السجناء ينحدرون، على نحو غير متناسب، من الأقليات أو المجتمعات المهمشة المعرَّضة بالفعل لخطر الإصابة بالأمراض المصاحبة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، والتي ترتبط بأخطار جسيمة في حال الإصابة بفيروس كورونا. ومن ثم -يضيف فاضل- تعني هذه المخاوف الصحية الكامنة إلى جانب ظروف السجن والتوتر فيها، أن نزلاء السجون، من منظور طبي، يمكن أن يكونوا في حالة صحية تماثل من هم "أكبر بنحو عشر سنوات مما قد يوحي به العمر الزمني العادي".

وأشار إلى أن السجناء المقيدين في الزنازين المغلقة والمزدحمة أو المهاجع الجماعية لديهم قدرة محدودة على التباعد الاجتماعي وغيرها من تدابير مكافحة الفيروسات. وحتى عندما تتخذ السلطات خطوات وقائية، غالباً ما تجد حالات تفشي كورونا داخل السجون طريقها إلى الناس في الخارج، بسبب معدل حركة النزلاء المرتفع، وكذلك حركة دخول الحراس والزوار وخروجهم.

إسرائيل تحرم الأسرى الفلسطينيين من لقاحات كورونا

وعندما بدأت إسرائيل تطعيم سكانها ضد فيروس كورونا في ديسمبر/كانون الأول، أعلنت وزارة الصحة لديها تخصيص حصة من الجرعات للسجناء في سن 60 سنة فما فوق، تماشياً مع ما قالت إن إرشاداتها الوطنية تذهب إليه، من جهة إعطاء الأولوية بحسب الفئة العمرية. 

ومع ذلك، فقد أعلن وزير الأمن العام الإسرائيلي، أمير أوحانا، أنه لن يقوم حراس السجن بتلقيح السجناء الفلسطينيين. وفي تصريحات لاحقة، ضاعف أوحانا عدد المستبعدين من اللقاح، وأضاف أن "السجناء الأمنيين"، في إشارة إلى الأسرى الفلسطينيين، لن يتم تطعيمهم إلا بعد عموم سكان إسرائيل. وردَّ نائب الادعاء العام، أميت مراري، قائلاً لأوحانا إنه لا يملك سلطة تجاوز التوجيهات التي وضعتها وزارة الصحة وتحديد من يستحق جرعات اللقاح.

تفاقمت الأزمة لتصل إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، بعد أن قدمت خمس منظمات لحقوق الإنسان، يوم الأحد 10 يناير/كانون الثاني، التماساً للطعن في قرار أوحانا. وكتب المشاركون في الالتماس، إن هؤلاء "السجناء هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة، ومن ثم يجب اتخاذ إجراءات لتطعيمهم بالتوازي مع بقية السكان المعرضين للخطر بوجه عام".

ومع استمرار رفض سلطات الاحتلال الإسرائيلي، حتى الآن، تقديم اللقاحات للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين داخل سجونها، تتعالى أصوات الإدانة لتل أبيب بشكل كبير، وسط مطالبات بإلزامها بإعطائهم المطاعيم اللازمة تحت إشراف دولي، ومعاقبتها دولياً، لما يشكل عملها انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وقرارات الشرعية الدولية.

وارتفع في الفترة الأخيرة عدد الإصابات بكورونا بين صفوف الأسرى في سجون إسرائيل إلى 199 أسيراً فلسطينياً، بسبب عدم اتخاذ إدارة السجون الإجراءات والتدابير الوقائية اللازمة، ومن جرّاء الإهمال الطبي المتعمد في المعالجة، فضلاً عن رفض إعطائهم لقاحات كورونا.

لا معلومات أو خططاً معلنة حول السجون العربية

من جهة أخرى، لا توجد لدى منظمة الصحة العالمية أي إرشادات محددة بشأن موعد تطعيم نزلاء السجون، وهو قرار تقول المنظمة إن الدول الأعضاء والحكومات هي التي يجب أن تحسمه، وهو أمر يترك السجناء والمعتقلين في معظم الدول العربية ودول المنطقة، التي تحكمها أنظمة سلطوية، بغياهب النسيان في ظل ظروف اعتقال قاسية ومناشدات دولية بمراعاة ظروف المعتقلين أو حتى الإفراج عنهم.

ولا توجد حتى اللحظة أي معلومات أو خطط معلنة من قِبل حكومات الدول العربية لتطعيم السجناء أو المعتقلين بلقاحات فيروس كورونا، في حين لا تزال العديد من دول المنطقة متأخرة عن تقديم اللقاحات لمواطنيها وكوادرها الطبية، باستثناء بعض الدول الغنية في الخليج العربي، فيما تعمد بعض الدول إلى اللقاحات الصينية باعتبارها الخيار الوحيد المتاح أمام هذه الدول الآن.

ومنذ بداية الجائحة تحدثت تقارير عديدة عن وقوع مئات وربما آلاف الإصابات بين السجناء والمعتقلين بالسجون العربية، وتتعاظم حالة القلق في السجون، لأنه إذا أدخل زائرٌ أو سجين جديدٌ العدوى، فإن فيروس كورونا قد يتفشى، وسط مجموعة غير قادرة على حماية نفسها، وعدم وجود أي مراعاة من قبل السلطات.

وتشتهر السجون في البلدان العربية والشرق الأوسط بالاكتظاظ، حيث يُكدَّس العشرات أحياناً في زنزانات قذرة، تجعل السجناء الذين يعانون فيها التعذيب وسوء التغذية وانتهاكات أخرى، أكثر إنهاكاً وضعفاً. وقبل عدة أشهر، تحدث تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" عن وفاة أعداد من السجناء والمعتقلين في مصر، من جرّاء إصابتهم بفيروس كورونا.

فيما تعد سوريا "البؤرة الأكثر قتامة" بحسب تقارير دولية، في ما يتعلق بواقع السجون، حيث فُقد عشرات الآلاف من الأشخاص في السجون التي يديرها نظام بشار الأسد. وتعد الأوضاع بالسجون السورية هي ربما الأكثر فظاعة في المنطقة، إذ يصف مساجين سابقون تلك السجون بالمسالخ التي يعذَّب فيها السجناء، بالضرب والصدمات الكهربائية والتشويه والاغتصاب.

وبحسب تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن هناك 83 ألف شخص معتقل في سجون النظام السوري، ولا تفصح السلطات بأي تفاصيل حول ظروفهم في ظل تفشي جائحة كورونا.

دول عربية بدأت بالتطعيم، وأخرى تنتظر دورها، والأفقر لا يُعرَف مصيرها بعد

في السياق، وحتى مطلع العام الجديد، أعلنت 8 دول عربيةٍ الحصول على لقاحات مضادة لفيروس كورونا، فيما انطلقت حملات التطعيم في دول الخليج والأردن، وبحسب المعطيات الرسمية، تختلف الدول العربية في نوع اللقاح الذي وقع الاختيار عليه، فبينما فضَّل بعضها لقاحي "أسترازينيكا" البريطاني و"فايزرـبيوتنيك" الأمريكي الألماني، اختارت أخرى لقاح "سينوفارم" الصيني.

فيما أعلنت معظم هذه الدول أن حملات التطعيم ستتم على عدة مراحل قد تتواصل على مدار العام المقبل، وستكون الأولوية في المرحلة الأولى لكبار السن، والكادر الصحي، والمواطنين في الصفوف الأولى لمواجهة فيروس كورونا.

وفي الوقت الذي بدأت فيه الدول العربية الغنية بتطعيم سكانها، وتنتظر الدول المتوسطة منها دورها في الحصول على الأنواع المختلفة من اللقاحات، لا تتوافر معلومات عن التطعيم ضد كورونا، وأي لقاحات سيتم استخدامها، في 5 دول عربيةٍ هي الأكثر فقراً: اليمن والصومال وجيبوتي وجزر القمر وسوريا.

تحميل المزيد