مع رحيل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتقب بعد أيام، تأمل الجزائر أن تتمكن من إقناع خليفته جو بايدن بالعودة إلى "الحياد" في ملف إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه بين المغرب وجبهة "البوليساريو".
وكان ترامب قد أعلن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الإقليم، مقابل تطبيع الرباط للعلاقات مع إسرائيل، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020. وهو اعتراف رفضته الجزائر، مشددة على أنها تدعم قرارات الأمم المتحدة، التي تؤكد على "تنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء، وتعتبرها نابعة من قناعتها الراسخة في دعم حقوق الشعوب في التحرر".
وبينما تصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء الغربية وتقترح حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها، تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر، التي تؤوي لاجئين من الإقليم.
الجزائر تتطلع لما بعد ترامب في قضية الصحراء الغربية
وعلى أمل إقناع واشنطن مستقبلاً بالتراجع عن قرار الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، لا يترك الجزائر فرصة إلا ويحاول استثمارها، حتى لو كانت زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، الذي تتأهب إدارته للرحيل.
ففي 7 يناير/كانون الثاني الجاري، استقبلت الجزائر شينكر، ضمن جولة له في المنطقة المغاربية، انتهت الأحد الماضي بزيارة لمدينة الداخلة في إقليم الصحراء، أعلن خلالها اقتراب افتتاح ممثلية دبلوماسية أمريكية في الإقليم.
وفي محادثات، وصفتها الخارجية الجزائرية في بيان بـ"الصريحة"، تحدث وزير الخارجية، صبري بوقادوم، مع شينكر عن "طبيعة الدور المنتظر من الولايات المتحدة لإعادة دفعة السلام في المنطقة والعالم، في إطار الحيادية التي تقتضيها التحديات الراهنة".
كما شدد "بوقادوم"، خلال اللقاء، على أن إعلان ترامب بشأن السيادة على إقليم الصحراء لا يحقق الإجماع في الداخل الأمريكي، بل ولا حتى داخل الحزب الجمهوري نفسه، الذي ينتمي إليه.
ومعلقاً على تقارير صحفية مغربية، نفي شينكر ما يتردد عن عزم واشنطن إنشاء قاعدة عسكرية في الصحراء أو نقل مقر القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) إلى الإقليم.
ويمثل حديث "بوقادوم" مع شينكر تجديداً لموقف الجزائر مما سبق وأسمتها "الصفقات المشبوهة". ورفضاً لقرار ترامب، رأت الخارجية الجزائرية، في بيان سابق، أنه "ليس له أي أثر قانوني؛ لأنه يتعارض مع جميع قرارات الأمم المتحدة، وخاصة قرارات مجلس الأمن بشأن مسألة الصحراء".
الجزائر تريد "تقرير المصير"
من جهته، قال عبدالقادر بن قرينة، الذي حلَّ ثانياً في انتخابات الرئاسة الأخيرة بالجزائر، إن "الدور المنتظر من الولايات المتحدة هو تشجيع الاستقرار والازدهار في المنطقة، ولا سيما دعم أقوى لجهود الجزائر ومساعيها في حلحلة الأزمات وإيجاد الحلول للنزاعات التي تعرفها المنطقة".
ودعا "بن قرينة"، في بيان السبت، واشنطن إلى "تشجيع الحوار بين الفرقاء في أزمات ليبيا ومالي، والإقرار بحقوق الشعوب المشروعة في تقرير مصيرها في كنف الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، وعلى وجه الخصوص احترام إرادة الشعب الصحراوي في تقرير مصيره".
وأردف أن "مصالح الدولتين في نمو الشراكة بينهما، لاسيما الاقتصادية منها، يفرض تفهماً واضحاً لطموحات الجزائر المشروعة كدولة إقليمية فاعلة في المنطقة، بل وقائدة، والتسليم بذلك".
ويحيل "بن قرينة" إلى ما يعتبرها خبراء محليون "لعبة تطويق استراتيجي" تتعرض لها الجزائر منذ سنوات؛ بسبب ثباتها على مواقف تعتبرها مبدئية تجاه القضيتين الصحراوية والفلسطينية، حسب تعبيره.
ولا تقيم الجزائر أي علاقات مع إسرائيل (حليفة واشنطن)، التي تواصل احتلال أراضٍ عربية، وترفض حتى الآن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس.
التطلع إلى "شراكة متوازنة" مع إدارة بايدن
مقللاً من أهمية زيارة شينكر للجزائر، قال إدريس عطية، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الجزائر، للأناضول: "من الواضح أن الدبلوماسية (الجزائرية) لم تعطها أهمية كبيرة، وحازت على متابعة إعلامية بسيطة". وأضاف: "الجزائر تدرك أن إدارة الرئيس ترامب بكل مسؤوليها تواجه نهاية مأساوية، وتتطلع إلى شراكة متوازنة وقوية مع إدارة الرئيس المقبل جو بايدين (تبدأ مهامها في 20 يناير/كانون الثاني الجاري)".
واستدك عطية: "شينكر سمع ما يريده المفاوض الجزائري مقابل تعميق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين". ورأى أن "مطالبة الجزائر لواشنطن بالحياد في قضايا وأزمات المنطقة نابعة من قوة تفاوضية تؤكد رفض الجزائر القيام بدور مناولة استراتيجية لصالح الولايات المتحدة".
وفي رده على سؤال حول ما إذا كان بايدن سيتراجع عن اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء، أجاب شينكر، خلال مؤتمر صحفي في نهاية زيارته للجزائر، بأن "لكل إدارة صلاحية وضع سياسة خارجية خاصة بها".
وهو تصريح يحيل، وفق عطية، إلى "خروج ترامب عن الإجماع الوطني، الذي تتبناه كل دولة حيال القضايا الخارجية".
وبموافقة 13 دولة من أصل 15، تبنى أعضاء مجلس الأمن الدولي، في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قراراً بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في إقليم الصحراء (مينورسو) لمدة عام، حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وحث القرار، الذي صوّتت الولايات المتحدة لصالحه، جميع الأطراف على العمل معاً لمساعدة الأمم المتحدة في إيجاد حل سياسي واقعي ومقبول لطرفي النزاع.
ومنذ توقيع المغرب و"البوليساريو"، في 1991، وقفاً لإطلاق النار، تشرف الأمم المتحدة على مفاوضات بينهما، بحثاً عن حل نهائي للنزاع، الذي بدأ عام 1975 مع إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة.
هل يُلغي بايدن اعتراف ترامب بمغربية الصحراء الغربية؟
وبعيد إعلان ترامب عن اعتراف واشنطن بسيادة الرباط على الصحراء الغربية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، دعا جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جو بايدن، إلى إلغاء قرار ترامب حول الصحراء الغربية فور تنصيبه.
ووصف بولتون مستشار ترامب السابق، بأن الرئيس المنتهي ولايه "أطاح بأي حل لمشكلة الصحراويين وتخلّى عن ثلاثة عقود من الدعم الأمريكي لحقهم في تقرير المصير عبر استفتاءٍ حول الوضع المستقبلي للإقليم الذي ظلت شرعيته مثار جدل لعقود في شمال غربي إفريقيا".
ويقول بولتون إن ترامب باتخاذه "قراره المتسرع"، لم يستشر الطرف الآخر من النزاع، وهم جبهة البوليساريو -التي تقول إنها تمثّل شعب الصحراء- أو الجزائر وموريتانيا اللتان تعتبران من دول الجوار الأكثر اهتماماً بالقضية، أو حتى الأمم المتحدة أو مبعوثوها الذين انخرطوا بالتوسط في هذه الأزمة، أو أي شخصٍ آخر.
وأضاف بولتون في مقالة له في تقرير بمجلة Foreign Policy الأمريكية: "هذا هو ما يحدث حين يتولّى الهواة مسؤولية الدبلوماسية الأمريكية، وهو أمر معتادٌ للأسف من نهج ترامب القائم على المعاملات إبان فترته الرئاسية. فكل شيءٍ بالنسبة له صفقةٌ مُحتملة، وينظر من منظور ضيق للغاية".