شخص واحد قد يكون هو من سيحدد مصير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنه زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، على الأرجح.
ويعد ماكونيل الذي يمثل ولاية كنتاكي هو الرجل الأطول خدمة كزعيم للجمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي في التاريخ.
فبعد إدانة مجلس النواب الأمريكي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون لترامب وإحالته للمحاكمة داخل مجلس الشيوخ، يتطلب إدانة الرئيس أو عزله أو منعه من الترشح موافقة أغلبية ثلثي مجلس الشيوخ.
مجلس الشيوخ منقسم
وحالياً مجلس الشيوخ منقسم بين الديمقراطيين والجمهوريين بشكل يكاد يكون متساوياً، حيث لدى الجمهوريين 50 عضواً أي النصف بالضبط والديمقراطيون 48 عضواً، وعضوان من أحزاب أخرى، وهذا يعني أن الديمقراطيين يحتاجون إلى نحو 17 صوتاً من الجمهوريين إضافة إلى صوتي العضوين المنتمين لأحزاب أخرى ليحققوا أغلبية الثلثين لإدانة ترامب.
كان تصور إمكانية انضمام الجمهوريين بهذا العدد إلى عملية عزل وإدانة رئيسهم شبه مستحيل قبل أيام وهو ما ظهر في محاكمة ترامب السابقة بسبب قضية أوكرانيا التي اتهم فيها بالضغط على رئيس أوكرانيا لكي يحصل على معلومات تدين منافسه جون بايدن تتضمن اتهامات لبايدن بتدخله لصالح معاملات لابنه في شركة أوكرانية، إذ رفض الجمهوريون آنذاك إدانة رئيسهم.
ولكن الأمر مختلف عندما يتعلق الأمر بهجوم شخصي استهدف نواب الكونغرس جمهوريين وديمقراطيين الذين تساووا جميعاً في الشعور بخزي الهروب والاختباء تحت الطاولات للتواري عن أنظار أنصار ترامب الذين هاجموا مقر الكونغرس.
وبالفعل، صوت 10 جمهوريين مع الديمقراطيين في مطالبتهم بمحاكمة ترامب، وهذا العدد يمثل واحدة من أكبر المرات التي صوت فيها أعضاء حزب لعزل رئيس ينتمي لحزبهم.
وبالتالي لو صوت عدد أكبر من الجمهوريين في مجلس الشيوخ لصالح إدانة ترامب، فإن ذلك قد يعني تحقيق هدف الديمقراطيين.
وفي ظل التمزق الذي أصاب الحزب الجمهوري فإن موقف ماكونيل قد يكون حاسماً.
تاريخ زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل
في بداية حياته السياسية خلال الستينيات والسبعينيات، اتخذ ماكونيل مواقف توصف بالمعتدلة أو الليبرالية بالمعيار الأمريكي، بما في ذلك دعم عمليات الإجهاض، ودعم النقابات، ودعم حركة الحقوق المدنية.
ولكن مواقفه تغيرت تدريجياً، فعلى الرغم من أنه كان معروفاً ببراغماتي وجمهوري معتدل في بداية حياته السياسية، إلا أنه اتخذ مواقف أقرب للمحافظين في الحزب وعمل ماكونيل على حجب الدعم الجمهوري للمبادرات الرئاسية الرئيسية خلال إدارة أوباما، بما في ذلك قانون إصلاح الرعاية الصحية الأمريكي، وعارض فرض تدابير أقوى للسيطرة على الأسلحة، والجهود المبذولة للتخفيف من تغير المناخ.
وقد تضمنت آراءه في السياسة الخارجية دعم العقوبات على كوبا وإيران وروسيا معارضة اتفاق إيران النووي والتأكيد على دعم إسرائيل، كما صوّت لصالح القرار الذي أجاز العمل العسكري ضد العراق.
ومع أنه لم يكن مؤيداً متحمساً لترامب إلا أنه يتهم بأنه سمح للرئيس المنتهية ولايته بالتمادي عبر العديد من المواقف ومنها رفضه إدانته في فضيحة اتصال ترامب برئيس أوكرانيا لإيجاد ثغرات يهاجم جو بايدن الذي كان يتحضر لمنافسته في الانتخابات.
ما موقف ميتش ماكونيل من محاكمة ترامب
واليوم مع قرار مجلس النواب الأمريكي محاكمة ترامب، واستعداد مجلس الشيوخ النظر في المحاكمة، فاللافت أن ماكونيل يتجنب تحديد موقفه، ولكنه رفض دعوات الديمقراطيين لدعوة مجلس الشيوخ للإنعقاد على الفور لإدانة الرئيس دونالد ترامب ، وهو قرار من المرجح أن يسمح للرئيس بقضاء أيامه الأخيرة في منصبه.
ويضغط زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، ديمقراطي في نيويورك، لإجراء محاكمة سريعة.
وقال في بيان: "يمكن أن تبدأ محاكمة مجلس الشيوخ على الفور بموافقة زعيم الأغلبية الحالي في مجلس الشيوخ على عقد جلسة طارئة لمجلس الشيوخ".
ولكن رغم ذلك فإن ماكونيل أعلن أنه يدعم فكرة المساءلة عن الاعتداء الذي حرض عليه ترامب الأسبوع الماضي في مبنى الكابيتول، بما في ذلك مجلس الشيوخ.
ويمكن أن تتم محاكمة ترامب حتى لو انتهت مدته الرئاسية بما في ذلك إدانته وإصدار قرار من مجلس الشيوخ بمنعه من الترشح مجدداً.
وقال ميتش ماكونيل لزملائه في الحزب الجمهوري في مذكرة بعد ظهر الأربعاء إنه لم يقرر بعد ما إذا كان سيصوت لإدانة الرئيس دونالد ترامب في محاكمته القادمة.
وأضاف ماكونيل قائلاً: "بينما كانت الصحافة مليئة بالتكهنات، لم أتخذ قراراً نهائياً بشأن كيفية التصويت واعتزم الاستماع إلى الحجج القانونية عند عرضها على مجلس الشيوخ".
مجرد الانفتاح على التصويت للإدانة أمر مهم بالنسبة لماكونيل، الذي سبق أن ندد بمحاكمة ترامب الأولى ووصفها بأنها ممارسة سياسية "ليس لها أي فرصة" لإقالته.
في المرة الأولى كان لدى ماكنويل وحزبه ما يخسره والآن، بعد أن خسر ترامب الانتخابات وفقد الحزب الهيمنة على مجلس الشيوخ بسبب ترامب على الأرجح، ثم أخيراً اقتحام الكونغرس، فقد يكون بقاء ترامب على الساحة هو سبب لخسارة الحزب.
ورغم أنه لم يحدد موقفه فإنه يركز على فكرة صعوبة إنهاء محاكمة الرئيس قبل انتهاء مدته.
ولا يزال ماكونيل متردداً بشأن إدانة ترامب في محاكمة مجلس الشيوخ وقال الأسبوع الماضي إن أقرب موعد يمكن لمجلس الشيوخ أن ينظر فيه بالمقالات سيكون في 19 يناير/كانون الثاني، ما لم يوافق جميع أعضاء مجلس الشيوخ المئة على العودة في وقت مبكر.
وقال ماكونيل في بيان عقب التصويت على الإقالة إنه لا توجد فرصة لمحاكمة مجلس الشيوخ قبل أن يترك ترامب منصبه في 20 يناير/كانون الثاني 2020.
وقال: "بالنظر إلى القواعد والإجراءات وسوابق مجلس الشيوخ التي تحكم محاكمات عزل الرئيس، فليس هناك ببساطة أي فرصة لإتمام محاكمة عادلة أو جادة قبل أن يؤدي الرئيس المنتخب بايدن اليمين في الأسبوع المقبل".
وسبق أن عقد مجلس الشيوخ ثلاث محاكمات عزل رئاسية. استغرقت 83 يوماً و37 يوماً و21 يوماً على التوالي".
وأضاف: "حتى لو بدأت إجراءات مجلس الشيوخ هذا الأسبوع وتتحرك بسرعة، فلن يتم التوصل إلى حكم نهائي إلا بعد مغادرة الرئيس ترامب لمنصبه. هذا ليس قراراً أتخذه، بل إنه حقيقة".
بعد ظهر يوم الثلاثاء، أعلنت ليز تشيني من ولاية وايومنغ، وهي صاحبة المرتبة الثالثة في الحزب الجمهوري في مجلس النواب، أنها ستصوت لعزل ترامب.
وقال تشيني في بيان: "لم يكن هناك أي خيانة أكبر من قبل رئيس الولايات المتحدة لمنصبه وأداء اليمين للدستور".
وقال مسؤول بإدارة ترامب إن البيت الأبيض لديه "مخاوف طفيفة" بشأن إدانة مجلس الشيوخ لترامب بالنظر إلى التقارير الإخبارية التي تفيد بأن مكونيل يدعم ذلك بشكل خاص، وأعرب عن اعتقاده بأن هذا السيناريو غير مرجح.
واعترف هذا المسؤول بأن هذه المحاكمة، بسبب أعمال الشغب في مبنى الكابيتول، "أكثر شخصية بالنسبة لبعض هؤلاء الأعضاء من مكالمة هاتفية مع رئيس أوكرانيا".
مكاسب زعيم الأغلبية الجمهورية من عزل ترامب
ويعتقد أن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل يرى أن المساءلة أمر جيد بالنسبة لحزبه لأنها تفتح الباب أمام إمكانية قيام الحزب الجمهوري بالنأي بنفسه عن الرئيس المنتهية ولايته، خاصة أنه ثبت أن ترامب مضر بالحزب ولا يمكن السيطرة عليه أو التنبؤ بتصرفاته، كما أنه بدأ يؤثر على التبرعات المحتملة للحزب.
وإذا صوت ماكونيل لإدانة ترامب لدوره في التحريض على أعمال شغب في مبنى الكابيتول الأمريكي، فمن المحتمل جداً أنه سيحضر معه ما يكفي من زملائه الجمهوريين لضمان الحصول على 67 صوتاً اللازمة لعزل ترامب.
فعزل ترامب من منصبه لا يعني استسلام وتأييد ماكونيل والجمهوريين الآخرون لترامب على مدى السنوات الأربع الماضية، سوف يُنسى بالطبع. لكن من المؤكد أنه سيجعل من السهل البدء في وضع ترامب في المرآة الخلفية بالنسبة للحزب، والتأكد من أن كل مسؤول جمهوري منتخب لم يكن مضطراً للرد على كل شيء ينتهك القواعد فعله ترامب.
الحملة الداعية لوقف التبرعات للجمهوريين تمثل مصدر قلق خاص لهم، وقد يكون تبرأ الجمهوريين من ترامب عبر إدانته في محاكمة مجلس الشيوخ هو نوع من التبرئة لهم.
فعلياً ولاية ترامب انتهت على أي حال.
وعلى عكس محاولة إقالة ترامب قبل عام، فإن إجراءات عزله وإقالته الآن لن يكون لها سوى تأثير عملي ضئيل للغاية على الجسم السياسي وتوقف ترامب نفسه فعلياً عن أداء عمله الرئاسي في هذه المرحلة، حتى إنه غير منخرط تماماً في المعركة المستمرة ضد فيروس كورونا.
واختار بدلاً من ذلك تأجيج ضغائنه ضد شركات التكنولوجيا الكبرى ووسائل الإعلام والجمهوريين الذين يعتقد أنهم خانوه.
وهذا يعني فإن تصويت ماكونيل (ومجلس الشيوخ الذي يقوده الجمهوريون) في وقت ما قريباً لإزاحة ترامب من منصبه سيكون لفتة رمزية إلى حد كبير، لكن في السياسة كما في الحياة، فإن الرمزية مهمة! والكلمات مهمة!
كما أن تأثير الخطوة الأساسي سيكون إضعاف ترامب على مستوى الحزب الجمهوري، وبما أنه أصلاً يشعر بالغبن من القادة الجمهوريين الذين رفضوا طلبه بعدم التصديق على فوز بايدن، فإن عزل ترامب أو إصدار قرار من الكونغرس بمنعه من الترشح سيكون مفيداً لقادة الحزب الجمهوري ومنهم ماكنويل أكثر منه مفيداً للديمقراطيين، لأنه سيتخلصون من شخص يريد الانتقام منهم داخل حزبهم، في حين على العكس فإن الديمقراطيين سيفتقدون الشخص الذي يحرج منافسيهم الجمهوريين ويجعلهم أضحوكة.
ما يحتاجه ماكونيل والحزب الجمهوري هو انفصال واضح (حتى لو كان رمزياً) عن السنوات الأربع الأخيرة لترامب. لن يصلح ذلك كل الضرر الذي ألحقه ترامب – والجمهوريون المتواطئون – بعلامة الجمهوريين. لكن ما يمكن أن يفعله تصويت لإدانة ترامب بقيادة ماكونيل هو إرسال إشارة إلى كل من الجمهور والحزب الجمهوري مفادها أن ترامب ليس هو الحزب الجمهوري – ليس الآن وبالتأكيد لن يمضي قدماً.
ولكن ما يخشاه ماكنويل وقادة الحزب الجمهوري الآخرون المعارضون لترامب، هو تعصب وغضب أنصار ترامب داخل الحزب الذي قيل إنه وصل لدرجة التهديد الشخصي لهم.